أفكَار

لماذا يشارك الإسلاميون بالانتخابات رغم تشكيكهم بنزاهتها؟

اتهمت المعارضة في الجزائر الحكومة بتزوير الانتخابات الأخيرة - أ ف ب
اتهمت المعارضة في الجزائر الحكومة بتزوير الانتخابات الأخيرة - أ ف ب
لم تأت نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت، في الرابع من الشهر الجاري، بعيدة عن التوقعات؛ إذ حققت أحزاب السلطة أغلبية مريحة بــ261 مقعدا من أصل 462، بينما لم تتجاوز حصيلة الأحزاب الإسلامية مجتمعة 48 مقعدا.

وفي ظل تكرار نتائج مشابهة للانتخابات التشريعية في دول عربية أخرى، تثار في الشارع العربي أسئلة عن مبررات مشاركة أحزاب إسلامية في ظل احتفاظ الحزب الحاكم بالهيمنة الفعلية، مع تشكيك هذه الأحزاب بنزاهة الانتخابات، وهل تخدم المشاركة تحت سقف النظام قضايا الشعوب ومسار الديمقراطية أم إنها تثبت أركان النظام وتعطي صورة خادعة عن عملية ديمقراطية.

القيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية والنائب في البرلمان الجديد، يوسف عجيسة أرجع قرار مشاركة حزبه إلى عدم وجود بدائل أخرى، وقال إن قرار المشاركة اتخذ رغم عملية التزوير التي شابت الانتخابات، من أجل حماية بلاده من مصير مشابه لمصير دول عربية أخرى مثل سوريا واليمن وليبيا، كما قال.

ووصف عجيسة، في حديث لـ"عربي21"، مشاركة حركة مجتمع السلم بأنها "مشاركة المقاومة"، و"تهدف إلى مقاومة منظومة الفساد التي تمارسها أحزاب السلطة التي أساءت استغلال خيرات البلاد، ولم تؤسس لبنية تحتية ولا لمؤسسات اقتصادية منتجة".

ورأى عجيسة في الانتخابات سبيلا وحيدا للتغيير السلمي، "لذلك كان قرار المشاركة والمقاومة حتى الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة"ـ على حد قوله.

وفي السياق ذاته، كتب رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق المقري، عبر صفحته على فيسبوك: "إن المشاركة والمقاومة السياسية تشعرنا بالتقدم وزيادة القوة والتأثير في العمل السياسي وفي المجتمع المدني".

وأضاف المقري أن هذا التقدم لم يصل إلى القدر الكافي للتغيير، ولكنه سيصل ذات يوم، واعتبر المقاطعة سلوكا سياسيا مقبولا وشرعيا، ولكنه غير مجد في هذا الوقت، وفق رأيه.

وأضاف رئيس حركة مجتمع السلم أن حزبه لا يقبل بتعرض البلاد للفتنة والفوضى والخراب سواء من السلطة الحاكمة أو من يعارضها، وأكد أن الحزب سيستمر في نهج المشاركة "برؤية وبصيرة بعيدا عن الأطماع والنزوات الشخصية".

من جهته، قال الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي الأردنية، زكي بني ارشيد: "الدول العربية بعمومها تحرص على تَقمّص الشكل الديمقراطي، وإظهار تمدنها ورعايتها لحقوق الإنسان، ولكنها في الحقيقة ليست ديمقراطية، بل تبتدع أنواعا تلائم استفراد الحكم الفردي الاستبدادي، وتعيد إنتاج الحالة العرفية بأشكال ديمقراطية ذات مخالب وأنياب"، بحسب تعبيره.

وأضاف بني ارشيد في حديث لـ"عربي21": "تقدير الموقف تجاه المشاركة في الانتخابات البرلمانية العربية، يقوم على موازنة الإيجابيات والسلبيات، وإن هذا التقدير هو اجتهاد سياسي مرن ومتحرك، وليس ثابتا".

ونفى بني ارشيد أن تكون التيارات السياسية المشاركة "تعيش وهم الحمل الكاذب للعملية الديمقراطية"، وإنما تأمل بالمشاركة في عملية التحول الديمقراطي وتطوير الحالة المنقوصة إلى مرحلة تمكين الشعوب من ممارسة حقها وسلطتها وصولا إلى التداول السلمي للسلطة، وبقية مفردات الحياة الديمقراطية، إضافة إلى الحضور السياسي والمصالح الأخرى الناشئة عن المشاركة المبصرة العاقلة"، وفق رأي بني ارشيد.

وشدد القيادي الإسلامي الأردني، على أن المشاركة هي الأصل والمقاطعة هي الاستثناء، وأوضح أنه عندما يتوفر البديل الضاغط مثل حركة شعبية كبيرة تفرض على أصحاب القرار مسار الإصلاح السياسي، "ففي هذه الحالة ربما تشكل المشاركة إضعافا للحركة الشعبية وانقساما لها، وعندها تلجأ بعض التيارات إلى المقاطعة".

أما عندما تضعف تلك الحالة، وفق بني ارشيد، "فيصبح مجلس النواب منبرا لممارسة الوظائف الدستورية في الرقابة والتشريع وتمدين الحياة السياسة ولو بالحد الأدنى"، كما قال.

وفي الاتجاه ذاته، دافع رئيس معهد بيت الحكمة في غزة، أحمد يوسف، عن خيار المشاركة، معترفا في الوقت ذاته بمحدودية مساحات المناورة، بفعل "سياسات التسلط والاستبداد" في المنطقة العربية عموما، وفق قوله.

ورأى يوسف، في حديث لـ"عربي21"، أنه "لا بد من الاحتفاظ بهذه المساحة المحدودة لإبقاء شيء من الحقوق والحريات، ولإشعار الناس بقدرتهم على التغيير".

ونوه يوسف إلى أن كثيرا من البرلمانات العربية غير فاعلة بشكل حقيقي، لكنه عبّر عن أمله بإمكانية المراكمة في العمل السياسي وصولا إلى واقع أفضل.

ويشارك يوسف قادة الأحزاب العربية مخاوفهم من البدائل؛ إذ يرى أن غياب المشاركة البرلمانية يساهم في صناعة استبداد مطلق، واستدل بأن خيار المقاطعة لم يأت بنتيجة إيجابية، مؤكدا أن "جزءا من أهداف العمل البرلماني هو أن يخلق أجواء وحراكا يشعر المواطن بالثقة ويفيده بطريقة أو أخرى"، بحسب تعبيره.

وعما إذا كانت المشاركة تخدم الأنظمة أم الشعوب، أوضح يوسف أن "الأنظمة تتخذ من المشاركة غطاء تجميليا لتجنب الضغوط والانتقادات الخارجية وتشريع وجودها، لكن المشاركة قد تخدم المواطن بفتح طاقة يرى الفضاء من خلالها، بدل أن تكون الأبواب كلها موصدة في وجهه"، على حد وصفه.
التعليقات (0)

خبر عاجل