تقارير

ماذا حدث حين سيطر الشيوعيون على اتحاد الكتاب الفلسطينيين؟

الكاتب اليساري عبد القادر ياسين يروي قصة العلاقة بين اليسار واتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين- (صفحة الحزب)
الكاتب اليساري عبد القادر ياسين يروي قصة العلاقة بين اليسار واتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين- (صفحة الحزب)

في خريف العام 1972، عمدت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى استحداث "الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين"، على نحو بعيد عن المهنية، والنقابية، والديمقراطية.

في صيف 1973، جاء إلى القاهرة كل من: ناجي علوش، الأمين العام للاتحاد، وعبد الرحمن غنيم، وغانم زريقات، عضوا الأمانة العامة للاتحاد، وجمعوا الكتاب، والصحفيين، وبعض الإداريين في مكتب إعلام "فتح"، بالقاهرة، و"إذاعة الثورة الفلسطينية".

دعاني الثلاثة إلى لقاء، حضره من "فتح" الطيب عبد الرحيم، وذلك للاتفاق على المرشحين إلى الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد في مصر، فاقترحت كل من د. كامل محمود خلَّة، وأحمد عمر شاهين، لكن الحضور استكثروا النسبة من خمسة أعضاء، وكالعادة يجب أن يكون لـ "فتح" نصف + 1 من أعضاء الهيئة الإدارية؛ فاقترحوا ثلاثة من المحررين في "إذاعة الثورة الفلسطينية"، هم: الطيب علي، وزين العابدين الحسيني، ومحمد حسيب القاضي، ورابع مستقل هو د. كامل السوافيري. ونجحت القائمة، بالتزكية، واجتمعنا نحن الخمسة لتوزيع الاختصاصات، فاقترح الحسيني توليتي رئاسة الفرع؛ فتململ الطيب، ما جعل القاضي يعاجله بترشيحه رئيسًا، وأنا أمينًا للسر؛ فانسحب السوافيري، احتجاجًا، ومن يومها لم يحضر الطيب إلى مقر الفرع، إلا في الانتخابات التالية؛ وفيها فرضت شاهين، ومريد البرغوثي، بينما قدَّمت "فتح" الطيب، ونبيل عمرو، وشهد الفرع نشاطًا نقابيًا، وثقافيًا، وسياسيًا لافتًا.

ذات مرَّة، زار "إذاعة الثورة" المقدِّم هاني عبد العزيز، المسؤول عن متابعة "فتح" في "أمن الدولة"، حين ذاك، وسأل عبد العزيز مريد البرغوثي، المحرر والمذيع، عمَّن يكون رئيس فرع الاتحاد، فرد عليه بأنه "الطيب". قهقه المقدِّم حتى انقلب على ظهره، وحين اعتدل سأل البرغوثي: "أُمَّال عبد القادر ياسين بيتولى إيه؟!" رد عليه البرغوثي: "هو أمين سر الفرع".

احتفل البحرين بعيد استقلاله الوطني، فاتفق معي أعضاء في "جبهة التحرير الوطني البحرينية" اليسارية، على تنظيم احتفال في مقر فرعنا، فوافقت، من فوري، وقد كان يومًا مشهودًا.
 
ذات مرة، دخل ثروت أباظة، الأمين العام لاتحاد كتاب مصر، إلى المقر، وكان ضمن مقر "دار الأدباء"، التي يترأسها يوسف السباعي، وعند دخول أباظة، فزع من رؤيته الأديبة والأكاديمية اليسارية المصرية المعروفة، د. لطيفة الزيات، على المنصة، تُحاضر في مجموعة كبيرة من الحضور.

نجحنا في إدخال هاتف إلى الفرع، وذات مرَّة طلبني الطيب على الهاتف، وأبلغني بأنه لا حرج، حين اتَّصل به رئيس الاتحاد العام للصحفيين العرب، كامل زهيري، وطلب إليه رقم هاتف فرع الاتحاد، فاعتذر له الطيب بأن ليس للفرع هاتف. رددت عليه: "يا راجل! أُمال إنت بتكلمني من الحنفية؟! لعلمك لدينا هاتف مباشر، وآخر هاتف جماعي للمبنى، يحوِّل لنا المكالمات الخاصة بالفرع!".
 
لكن حادثة بعينها، أكَّدت للقاصي والداني أن الشيوعيين يسيطرون على الفرع.

***

ما كان للحركة السياسية الفلسطينية إلا أن تتأثر بـ"عصر انتصار الاشتراكية" في العالم، بعد الهزائم المتوالية التي حاقت بالإمبريالية الأمريكية، في غير مكان، خاصة في فيتنام، وكوبا؛ ما جعل أعضاء من "فتح"، و"الجبهة الشعبية"، من طلبة جامعات القاهرة، والإسكندرية، يُقبلون على تبني الفكر الماركسي، ويُقيمون مع "حزب العمال الشيوعي المصري" (سري) صلة دائمة، وتسمَّت مجموعة القاهرة باسم "الديمقراطيون الثوريون"، بينما حملت مجموعة الإسكندرية اسم "الوطنيون الديمقراطيون". وأرادت مجموعة القاهرة أن تبدأ نشاطها، باختبار للقوة، في انتخابات الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين ـ فرع القاهرة، لكن الأمر لم يكن يسيرًا.

على أن مجموعة من "فتح" لم يرق لها الأمر، فاتفق زكريا بعلوشة (أمن فتح)، وزهدي القدرة (القطاع الغربي لفتح) على العمل لتزييف تلك الانتخابات، وقد كان. وحين احتجت المجموعة اليسارية على هذا التزوير، مالت الهيئة التنفيذية لاتحاد طلبة فلسطين للأخذ بأمر التزوير، وإعادة الانتخابات.

 

وصل إلى القاهرة محمود عباس ( أبو مازن)، عضو مركزية "فتح"، فاستفسر، مستهجنًا: "أليست كل الاتحادات الشعبية معنا؟!" رد عليه ربحي عوض: "عدا اتحاد الكتاب والصحفيين، الذي يسيطر عليه الشيوعيون". بينما لم يكن في فرعنا أي شيوعي فلسطيني؛ فالشيوعي هو العضو في الحزب الشيوعي وليس بيننا من هو عضو في هذا الحزب.

 



حانت السانحة الثانية، حين أعلن عرب 48 عن تحركهم، في أول "يوم الأرض" (30/3/1976)، فحشدت تلك المجموعة للاحتفال بذلك اليوم، في المقر الثاني لفرع الاتحاد، الكائن في "ميدان تريومف"، بمصر الجديدة، والواقع فوق سينما كريستال، وكان يشرف عليه الطالب في السنة النهائية، محمد صقر، وهناك أرسل بعلوشة، والقدرة، داود سليمان، لتخريب الاحتفال، والتحرش برأس اليساريين، الدكتور عبد الرحمن البرقاوي، وهو ـ في الوقت نفسه ـ عضو لجنة إقليم"فتح" في مصر. وسال دم البرقاوي، من اعتداء بعصا غليظة على رأسه، من داود سليمان.

هنا، سارعت مركزية "فتح" إلى إرسال عضوها، فاروق القدومي (أبو اللطف)، للتحقيق، خاصة بعد أن اصدرت الاتحادات الشعبية الفلسطينية في مصر بيانًا شديد اللهجة ضد المعتدين، ومَن وراءهم، وإن ذهب أنور عبد الرحمن لتمثيل فرعنا في اجتماع الاتحادات هذا، باعتبار عبد الرحمن مسؤول العلاقات الخارجية في فرعنا.

أُقِر مشروع البيان كما هو، ونُشِر على نطاق واسع؛ ما أزعج مركزية "فتح"؛ فأرسلت القدومي، الذي استدعى ربحي عوض، معتمد "فتح" في مصر، حينذاك، والدكتور البرقاوي، واتهم القدومي عوض بالتقاعس، فما كان من الأخير إلا أن اتهم القدومي بأنه يعمل لتأسيس حزب شيوعي داخل "فتح"! ما اضطر إلى الانسحاب من تلك المهمة؛ فعيَّنت مركزية "فتح" لجنة جديدة للتحقيق، ترأسها سليم الزعنون، عضو المركزية، وضمت اللجنة في عضويتها كلا من ماجد أبو شرار (عضو المجلس الثوري لفتح)، وعبد العزيز السيد، القريب من أبو شرار. وجرى التحقيق، إلى أن انتهى إلى وقف البرقاوي ونقله إلى لبنان.

***

حين دعا فرعنا إلى تنظيم مؤتمرات، وعقد ندوات، لإدانة الحرب الأهلية اللبنانية، جرت إحدى الندوات في "مسرح البالون" بالقاهرة، وألقى د. البرقاوي كلمة "فتح" في هذه الندوة، بينما ألقيتُ كلمة اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وألقى أحمد فؤاد نجم قصيدة. باختصار، كانت هذه الندوة يسارية، بامتياز! ثم عُقد مؤتمر، في "قاعة عبد الناصر" بجامعة القاهرة، وفيه تكرر الطابع اليساري، قبل يوم واحد من بدء الندوة التي دعا إليها فرعنا، عن "الأطماع الأمريكية في الوطن العربي"، وعقدت الندوة في مقر اتحاد الطلبة ـ القاهرة، واستمرت ستة أيام وضجت بالطابع اليساري، أيضًا.

اندفع جهاز أمن الدولة، فاعتقل كلا من البرقاوي، وهاني المصري، رأسي الطلبة اليساريين الفلسطينيين في مصر، و وجيه مطر، رئيس اللجنة التحضيرية لفرع القاهرة في اتحاد الطلبة، وأحمد عبد الرازق، مسؤول اتحاد الطلبة ـ فرع الإسكندرية، ولم يكن الأخير إلا متعاطفًا مع اليسار، فأُفرج عنه.

بعد عدة أيام وصل إلى القاهرة محمود عباس (أبو مازن)، عضو مركزية "فتح"، فاستفسر، مستهجنًا: "أليست كل الاتحادات الشعبية معنا؟!" رد عليه ربحي عوض: "عدا اتحاد الكتاب والصحفيين، الذي يسيطر عليه الشيوعيون". بينما لم يكن في فرعنا أي شيوعي فلسطيني؛ فالشيوعي هو العضو في الحزب الشيوعي وليس بيننا من هو عضو في هذا الحزب. وسأل عباس عن مسؤول الإعلام في فرع "فتح" بمصر، نبيل عبد الله، وكيف له أن يؤيد اليساريين؟! ولمن يتبع من "أبوات" فتح؟ جاءه الرد بأن عبد الله غير مرتبط بأي من أبوات "فتح"، فاستهجن عباس الأمر، وقال: "مفيش عندنا من لا يتبع لأي من الأبوات!".. رفض عبد الله تلبية استدعاء عباس له، وغادر الأول إلى ليبيا، قبل أن يعود إلى لبنان، مقر إقامته..
   
المهم انتهى الأمر بترحيل كل من، البرقاوي، والمصري، ومطر، إلى بيروت، من بورسعيد، على متن باخرة.  

التعليقات (1)
نابلس المحتلة
الأحد، 25-10-2020 10:17 ص
هذه الفترة التي يتحدث عنها الكاتب من الفترات الحالكة السواد في تاريخ الشعب الفلسطيني يوم ان كانت فتح بكل انحرافاتها تسيطر على كل شيء .. ويوم ان كان الفكر الشيوعي البائد يصور للناس ان المثقف هو الملحد او اليساري والعلماني فقط ... والحمد لله انهارت كل تلك الافكار التي أضاعت أجيالا من شعبنا وبدأ الناس يعودون الى المبدأ الوحيد الصالح للأمه وهو دين الاسلام الذي يحارب من كل طغاة الأرض وفي مقدمتهم طغاة العرب .. ولكن ستذهب جهودهم هباء ًوان غدا لناظره قريب