قضايا وآراء

علاقة الرؤساء الأمريكيين بحكام مصر وإسرائيل

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
بودي أن اوجه كلمة للناخب الأمريكي ومراكز البحوث الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط، التي كانت تشكو دائما بسؤال ساذج حول موقف العرب من أمريكا: لماذا يكرهوننا؟! ثم انتقل السؤال إلى إسرائيل معكوسا: لماذا يجب أن يحبنا العرب؟ وكأن العرب يحبون إسرائيل (الجلاد) لمجرد أن هناك تحالفا للمصالح بين إسرائيل والحكام العرب الذين يستمدون شرعيتهم من واشنطن، بينما تستمد حكومة إسرائيل شرعيتها من المواطن الإسرائيلي، علما بأن الأوطان العربية لها شرعية التاريخ والجغرافيا، وشرعية الحكام لا تستند إلى الشعوب بينما شرعية إسرائيل نفسها مفقودة، فهي عصابة استقرت بالمؤامرة في جزء عزيز من الجسد العربي ثم انتشر السرطان الصهيوني بهذا الجسد، فأصاب رأسه دون بقية الجسد. ويتحالف الرأس المعطوب مع السرطان الأصلي لالتهام بقية الجسد الشعبي وإحلال الصهيونية محل العروبة، وهذا أمر مستحيل بحكم الأمور ومنطقها.

المهم أن هذا المقال يستعرض في عجالة مواقف الرؤساء الأمريكيين من حكام مصر بالذات منذ عام 1952، ومن إسرائيل منذ قيامها عام 1948.

هذا المقال يعتمد على فرضيات بعضها موثق وبعضها يحتاج إلى توثيق.

الفرضية الأولى، هي أن واشنطن ولندن هما من خطط لرحيل الملك فاروق، وهما من رتب للتلاحم بين ضباط يوليو والإخوان المسلمين، وأن العاصمتين لعبتا بنفس "الكارت" الذي تلعب به إسرائيل اليوم، وهي السلطة التي تقدم للمتحالفين فينقلبون إلى أعداء، وترجّح واشنطن كفة الطرف الذي يخدم مصالحها بشكل أوضح. وقد حدث ذلك في مصر تماما كما حدث في فلسطين بعد ذلك بين فتح وحماس، فليس معقولا أن يرحل ملك مصر والسودان، وبريطانيا العظمى غافلة بآلاف جنودها المحتلين ومخابراتها التي تغطي العالم. كما أن مصر هي عصب المنطقة، والقوى الدولية المتعاقبة كانت تعوّل على مصر وحدها.

الفرضية الثانية، أن هناك علاقة ما بين قيام إسرائيل عام 1948 ودور الضباط في حركة يوليو 1952، وقد وقفت على عدد كبير من النظريات والافتراضات ووجدت أن انحيازي لبعض المفاهيم يدفعني إلى ترجيح فكرة المصالح المشتركة، واستبعاد معاني العمالة والمأجورية.

الفرضية الثالثة، هي أن السلطة تعمي الساعين إليها وتجعلهم يقفزون فوق كل الثوابت سعيا إليها، خاصة أن السلطة في مصر ترتبط بالامتيازات، فضلا عن أن السلطة فتنة بذاتها، وهي جماع الفتن، فإذا كان آدم قد افتتن بالشجرة المحرمة، فإن السلطة هي الشجرة المحرمة في عصرنا. فإذا كانت السلطة فتنة في الدول الديمقراطية مع التجرد المعروف في هذه الدول، فهي من باب أولى أشد الفتن في الدول المتخلفة.

ولا شك عندي في أن كل الأطراف التي مرت بمصر كانت تحب مصر، ولكن حبها دفعها إلى الاستئثار بها دون غيرها وعدم القبول بمشاركة أحد بحبها. وباختصار، فهو صراع من أجل السلطة وليس من أجل مصر.

الفرضية الرابعة، هي أن كل الرؤساء الأمريكيين يسيرون في سياساتهم الخارجية وفق خط ثابت تجاه إسرائيل. وقناعتي أنه لا يمكن الفصل بين موقف الرئيس الأمريكي وموقفه من الحاكم المصري. وبهذه المناسبة، فإننا قرأنا تاريخ هذه النقطة في مصر مغلوطا؛ كتبه كتبة يرتبطون بالسلطة وليسوا مؤرخين يعتمدون على المنهج العلمي في التأريخ.

وتطبيقا لذلك، فقد استخلصت قاعدة أساسية في هذا السياق، وهي أن الرئيس الأمريكي الأقرب إلى إسرائيل، لا بد أن يكون الأقرب إلى الحاكم في مصر منذ أنور السادات حتى الآن. وهذه القاعدة قائمة على فرضية أساسية، هي أن التقارب بين الحاكم وإسرائيل وإن أدخل الدولة كلها في دائرة هذا التقارب، إلا أنه تقارب لصالح إسرائيل وليس لصالح مصر. وهذه قاعدة أكيدة علميا بعد دراستها بالتفصيل، فجوهر هذه القاعدة هو التناقض الحتمي بين وجود مصر ووجود إسرائيل، فمن يخدم مصالح مصر لا ترضى عنه إسرائيل، ومن يخدم مصالح إسرائيل لا يرضى عنه الشعب المصري. وهذه قاعدة علمية تجريبية استخدمها جمال عبد الناصر، ولكن قدراته قصرت عن تحقيق النتائج المرجوة.

وتشير مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي إلى نبوءة مؤكدة، هي أن الجيش المصرى هو الذي سوف يتصدى لكل ما يحيط بمصر من أخطار صنعتها إسرائيل خصيصا لها. ولا تخفي إسرائيل في دراساتها هذه الحقيقة، وقد سجلها شارون في مذكراته التي نشرت دراسة عنها عام 2003 بعنوان الفكر الصهيوني في مذكرات أينشتاين وشارون.

وتطبيقا لما تقدم، فإن الهامش الشخصي للرؤساء الأمريكيين في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية لا يتناقض مع الخط الرسمي المدروس لعشرات السنين. وقد كان الرئيس أيزنهاور يطبق النظرية الأمريكية تجاه مصر، وهو الذي سمح بالعدوان الثلاثي ولإسرائيل باحتلال سيناء، وهو الذي سعى إلى انسحاب الدول الثلاث من مصر، وهو الذي وافق على إرسال قوات الطوارئ الدولية، ومع ذلك فإن كتبة السلطان فسروها بأن أيزنهاور كان معجبا بعبد الناصر.

وأرجو أن يلقي الشباب الباحثون في التاريخ والعلوم السياسية مزيدا من الضوء على هذه الموضوعات. ثم بشّر هيكل بأن الرئيس ديجول والرئيس كينيدى معجبان بعبد الناصر، علما بأن عبد الناصر هو أكثر من أزعج فرنسا في الجزائر، وكينيدي لم يكن معجبا بعبد الناصر كما أشيع، وحتى لو كان معجبا، فإن هذا الإعجاب لا يغير السياسة الأمريكية تجاه مصر كدولة. ثم جاء جونسون وشارك بعدوان إسرائيل عام 1967 من القواعد العسكرية الأمريكية في ليبيا، وكذلك بالمدمرة ليبرتي التي أغرقتها إسرائيل.

وكان السادات معجبا بكارتر، الذي شجعه على المضي قدما في ما أسماه السادات كذبا سلام الشجعان مع إسرائيل. وفي ظني أن ما زرعه كارتر ومعه كيسنجر حصده ترامب بعد ذلك بعقود. فهل كان السادات في علاقاته بكارتر يخدم المصالح المصرية، أم الأمريكية والإسرائيلية؟ وقس على ذلك باقي رؤساء مصر.

وبمناسبة الانتخابات الأمريكية، فقد كان يحلو للمعلقين العرب أن يطلقوا أحكاما ساذجة، ويخلقوا رأيا عاما في المنطقة العربية حول أن الحزب الديمقراطي هو الأقرب إلى المصالح العربية وأن الحزب الجمهورى على العكس، ولكن حقيقة الأمر هي أن السياسة الأمريكية صممت منذ البداية على أن إسرائيل جزء أساسي من الأمن القومي الأمريكي، وأن مصر يجب ألا تكون عائقا في تمدد المشروع الصهيوني. يستوي في هذه السياسة الحزب الديمقراطي و الجمهوري، ودراسة مواقف الحزبين بين مصر وإسرائيل تؤكد هذه الحقيقة.

وعلى أي حال، فإن خلق رأي عام عربي موال لأحد الحزبين في الولايات المتحدة قد فات أوانه، فلم تعد هناك مصداقية للمعلقين بينما الواقع أرغم المواطن العربي على أن يستخلص الحقيقة بنفسه، وهي أن واشنطن هي التي تخطط وتحمي إسرائيل ومشروعها في المنطقة، وتستخدم أوراق الضغط الأمريكية لتمكين إسرائيل من العرب. فالعلاقة بين إسرائيل وواشنطن يستحيل النفاذ منها والوقيعة بين الطرفين كما كان يحلم بعض السذج من المثقفين العرب. فإذا كانت واشنطن تملك كل أوراق اللعبة وتملك حماية كراسي الحكم في المنطقة العربية، فإنها تستخدم ذلك للتقارب بين إسرائيل والحكام العرب، وهذا التقارب كمبدأ عام يظهر أن مصالح الحكام في ناحية ومصالح الأوطان في ناحية أخرى.
التعليقات (0)