صحافة دولية

ما الدروس التي يمكن لأوروبا استخلاصها من انتخابات أمريكا؟

الكاتب قال إن التوجهات السياسية التي تشهدها أوروبا حاليا ليست سوى صدى لما يحدث في الولايات المتحدة- جيتي
الكاتب قال إن التوجهات السياسية التي تشهدها أوروبا حاليا ليست سوى صدى لما يحدث في الولايات المتحدة- جيتي

نشرت صحيفة "الكونفيدينسيال" الإسبانية مقال رأي للكاتب رامون غونزاليس فيريز سلط من خلاله الضوء على تأثيرات الانتخابات الأمريكية على التوجهات السياسية في أوروبا، خاصة أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض ساهم في بروز الحركات الشعبوية اليمينية في أوروبا.

وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن السياسة الأوروبية مختلفة عن السياسة الأمريكية من عدة نواحي، خاصة على مستوى التجانس العرقي والأنظمة الانتخابية والتقاليد الثقافية. لكن المفكرين الأوروبيين والمستشارين والسياسيين مهووسون جدًا بكل ما يخص الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن التوجهات السياسية التي تشهدها أوروبا حاليا ليست سوى صدى لما يحدث في الولايات المتحدة.

وفيما يلي، الدروس الثلاثة التي يمكن للدول الأوروبية أن تتعلمها من الانتخابات الأمريكية:

الاستقطاب السياسي


ذكر الكاتب أن استراتيجية دونالد ترامب الانتخابية التي تقوم بشكل رئيسي على الاستقطاب السياسي، حيث يدعي أنه يمثل حاجز الصد الأخير في وجه التحالف اليساري الراديكالي الذي يهدف إلى تقويض القيم العائلية، ليست بالأمر الجديد على ترامب. كما أن الحزب الجمهوري دائما ما يصور نفسه على أنه منقذ القيم الأصيلة والمدافع عنها منذ الستينات. لكن الجديد في هذا التكتيك هو أنه أصبح فعالا لعدة أسباب لعل أولها اعتدال بايدن السياسي. وقد استفاد ترامب من ذلك ليؤكد أن اعتدال بايدن شكل من أشكال الضعف، مما سيسمح بفرض أجندة جذرية عليه إذا أصبح رئيسًا في المستقبل.

وفي المجتمعات الأوروبية شديدة الاستقطاب خاصة في الوقت الحالي، يمكن لليمين استخدام هذه الآلية بشكل فعال، بالنظر إلى أن العديد من أفراد الطبقة الوسطى يفضلون حكومة تكون محافظة أكثر ولكنها تحترم في الوقت ذاته الحريات ولا تقمع الأقليات، وذلك على عكس الاعتقاد السائد بشأن تكريس اليساريين لمفهوم الاستبداد. وفي إسبانيا، مثلا، يعتبر دعم الناخبين (الذين كانوا في السابق من مناصري الليبرالية) لحزب فوكس اليميني خير مثال على هذا التوجه المناهض لليسار.

ألد أعداء اليسار هو اليسار الراديكالي

أوضح الكاتب أن حركات مثل حركة "حياة السود مهمة" والجدل القائم حول الحريات الشخصية منطقية في الولايات المتحدة الأمريكية. فالسود يمثلون أكثر الأقليات فقرا في البلاد مع كل ما ينطوي عن ذلك من تبعات. كما أن المبدأ الأساسي لليبرالية ينص على أنه يجب أن يكون للمرء حق اختيار هويته مهما كانت، ومن واجب الحكومة أن تحميها بنفس القدر مثلما تحمي هوية الأغلبية. لكن كل هذه الحركات تثير حفيظة المحافظين والوسطيين وحتى اليسار، وتعمل على تحفيزهم على التصويت لصالح ترامب.

ويرجع هذا الرفض جزئيًا إلى أعمال الشغب والتخريب التي قام بها بعض الأفراد خلال مظاهرات حركة حياة السود مهمة. وما يجب أن تدركه هذه الحركات أن هذا الرفض يولد دافعا معينا وهجومًا مضادًا ليس ثقافيًا فحسب بل انتخابيًا وسياسيًا أيضًا. لذلك، يجب أن يفهم اليسار الراديكالي أنه حتى لو كانت مواقفه صائبة فإنها يمكن أن تساهم في تعزيز حجج الخصوم.

كلنا نريد الاطلاع على أخبار ومواقف تعزز أحكامنا المسبقة

حسب تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث، تبين أن ثلثي الناخبين الجمهوريين يثقون في قناة "فوكس"، في حين أن ثلثي الناخبين الديمقراطيين يشككون في مصداقيتها، والعكس صحيح بالنسبة لقناة "سي إن إن" التقدمية. من جهتها، تحاول صحيفة "نيويورك تايمز" خلق التوازن بين وجهات النظر من خلال توظيف كتاب عمود محافظين، وهو ما يتناقض مع خط تحريرها. ومن المعروف أن وسائل الإعلام عادة ما تحاول تحقيق رغبات متابعيها، لكن هذا لا يعفيها من مسؤولياتها تجاه الرأي العام، خاصة في ظل تنامي دور مواقع التواصل الاجتماعي. ويبقى الأمر متروكا للمواطنين لمحاولة الاطلاع على مختلف وجهات النظر.

ياشا مونك منظر سياسي بارع

قدم ياش مونك أطروحة جامعية منذ وقت ليس ببعيد حول الديمقراطيات في العالم ولا سيما الأمريكية منها التي تشهد تقهقرا منذ سنوات. وقال إن الكثيرين كانوا يظنون أن المؤسسات الديمقراطية في الولايات المتحدة وأوروبا متينة ومن غير المحتمل أن تخيب أمل المواطنين أو تصبح مهددة. ولكن حتى مع تشاؤم البعض بسبب الضرر الذي لحق بالمؤسسات الأمريكية بسبب إدارة ترامب وما قد ينجر عن رفضه نتيجة الانتخابات، لا يزال مونك متفائلا.

ونقل الكاتب عن مونك أنه رغم كل شيء، لا يزال القضاء والجيش في الولايات المتحدة مستقلين، فضلا عن أن الإعلام لا يزال حرا، مؤكدا أن البلاد "ليست على شفا حرب أهلية مهما حدث من اضطرابات في الأيام أو الأسابيع القادمة بسبب نتائج الانتخابات".

وأشار الكاتب إلى أن الدول الأوروبية تشهد نفس المفارقة: فمن جهة هناك نوع من اليقظة المستمرة في استخدام الحكومة للمؤسسات وهو ما يعد ضارا، ومن جهة أخرى تدرك العديد من الحكومات الأوروبية ومن جميع التوجهات السياسية أن المؤسسات تبقى صامدة حتى لو حاول الزعماء الأوروبيون تدميرها.

 

التعليقات (0)