كتاب عربي 21

كي لا نراهن على الآخرين مرة أخرى: متى تأتي الحلول من الداخل؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
منذ حوالي المائة عام تقريبا كان بعض العرب والمسلمين يراهنون على أن التحالف مع بريطانيا أو فرنسا هو طريق الخلاص من أخطاء أو ظلم السلطنة العثمانية. وكانت الدولة العثمانية تعاني من أزمات خطيرة داخلية وخارجية مع بدايات القرن العشرين، وللأسف اتفق بعض هؤلاء العرب والمسلمين على التعاون مع الفرنسيين والإنجليز لإسقاط الدولة العثمانية، وشكّلت الحرب العالمية الأولى الفرصة السانحة لهؤلاء للانتقام من هذه الدولة بسبب بعض المعاناة والظلم الذي حصل من قِبل بعض قادة هذه الدولة، وبعد فشل كل محاولات الإصلاح التي تبناها عدد من المفكرين والعلماء العرب والمسلمين للدولة العثمانية.

لكن هذا الرهان على فرنسا وبريطانيا أدى إلى نتائج خطيرة، فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ونهاية الخلافة العثمانية على أيدي الزعيم التركي أتاتورك، قامت فرنسا وبريطانيا بتقسيم الدول العربية والإسلامية وإحكام السيطرة عليها، وأطلقت بريطانيا وعد بلفور لإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين. وتخلّت الدولتان عن كل وعودهما بدعم استقلال الدول العربية، وفرضتا الانتداب العسكري والسياسي والثقافي على دول المنطقة، وأقامتا بعض الأنظمة الطائفية والملكية والتي تقاتلت فيما بينها. وكان نتيجة كل ذلك قيام الكيان الصهيوني عام 1948 وهجرة الفلسطينيين وهزيمة عام 1948، وتلاحقت بعد ذلك الهزائم والنكسات.

وفي وقت لاحق راهن بعض العرب والمسلمين على الاتحاد السوفييتي وأمريكا، بعد تراجع الدور البريطاني والفرنسي، وانتشرت أفكار أخرى إسلامية وماركسية واشتراكية وليبرالية وقومية من أجل استنهاض المنطقة والتحرر من السيطرة الغربية والدعوة لنهضة عربية أو إسلامية. وشهدت المنطقة الكثير من الانقلابات والثورات والحركات الاستقلالية، وانتشرت الأحزاب على مختلف اتجاهاتها.

ولقد تحقق جانب من الاستقلال لعدد من الدول العربية والإسلامية، وخرج قسم من الجيوش الأجنبية من بلادنا، وانتشرت موجات من الأمل بتحقيق الاستقلال الكامل واستعادة الأراضي المحتلة وإنهاء الكيان الصهيوني، لكن بعد عدة عقود من النضال والثورات أتت هزيمة أو نكبة العام 1967، والتي أدت إلى قيام الكيان الصهيوني باحتلال المزيد من أراضي الدول العربية. وانتهت الموجة الناصرية واليسارية والقومية، وبرزت مجددا بعض التيارات الإسلامية على حساب الماركسية والاشتراكية على أمل تحقيق بعض الانتصارات الجديدة.

وخلال كل هذه الفترات تحققت بعض الانتصارات الجزئية، كانتصار حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، ولكنه انتهى باتفاقية كامب ديفيد، وكانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وما حققته القوى الفلسطينية من انتصارات جزئية وانتفاضات في مواجهة العدو الصهيوني، ولكن هذه الانتفاضات انتهت باتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقيات أمنية مع الكيان الصهيوني، وعشنا الصراع الفلسطيني الداخلي، ورغم إنجازات المقاومة في لبنان فإنها غرقت في صراعات داخلية وتعرضت لهجمات كبيرة.

وها نحن اليوم وبعد حوالي المائة عام على نهاية السلطنة العثمانية والرهان على دور القوى الخارجية، ننتظر ونراهن مجددا على نتائج الانتخابات الأمريكية والصراعات الدولية، في حين أننا نعيش انقسامات وصراعات داخلية وازمات متنوعة، وكل طرف يلقي باللوم على الطرف الأخرى. ومعظم التجارب الفكرية والحزبية وصلت إلى نتائج سلبية، فقد عدنا إلى مرحلة استعمارية جديدة، وبلادنا مليئة بالقوى الخارجية من خلال القواعد العسكرية والجيوش الأجنبية، ومعظم دولنا ترتبط بعلاقات وتحالفات مع دول كبرى مع استثناءات محدودة. ونحن ننتظر ما سيقدم لنا العالم من إنجازات علمية أو ثقافية أو اقتصادية، واقتصادنا مرتبط بالدولار الأمريكي والعقوبات الأمريكية والقرارات الدولية التي تتحكم بنا.

كل هذه المعطيات تطرح علينا السؤال التاريخي الذي طرحه بعض العلماء والمفكرين قبل مائة عام: لماذا يتقدم العالم ونحن نظل متأخرين؟

وكان جواب بعض التيارات والأحزاب الإسلامية بأن الحل هو في الإسلام والعودة إلى الإسلام، فيما قال آخرون إن الحل بالعودة إلى الخلافة الإسلامية، في حين اعتبر أصحاب التيارات الحداثية أن الحل في الليبرالية والديمقراطية أو الاشتراكية أو الماركسية، كما طرح آخرون المشروع القومي العربي أو القومي السوري وغيرهم. وها نحن اليوم نعيش المزيد من التخلف والديكتاتورية والعبودية وغياب الحريات والتنمية والتطور العلمي، مع بعض الاستثناءات في بعض الدول العربية والإسلامية، وإن كانت الدول الإسلامية تشهد تجارب ناجحة نسبيا أفضل من الدول العربية.

وعلى ضوء كل ذلك نسأل: من أين يأتي الحل؟ هل سنظل ننتظر الحلول من الخارج؟ وهل سنظل نراهن على دور الدول الكبرى والجهات الخارجية؟ أم آن الأوان لنعود إلى الداخل ونبحث عن الحلول فيما بيننا، خصوصا أن العالم يشهد تغيرات مهمة في ظل الأزمة التي تواجهها أمريكا بعد الانتخابات الأخيرة، وفي ظل صعود كبير للمنظومة الشرقية بقيادة الصين، والتي تجلت مؤخرا بالاتفاق بين عدد من الدول الآسيوية على تعاون جديد فيما بينها باسم منظمة آسيان، وفي ظل بروز دول إقليمية مهمة في المنطقة كتركيا وإيران.

نحن بحاجة لتفكير جديد بعد كل هذه التجارب طيلة المائة عام، وبداية الطريق وقف الصراعات والحروب السياسية والمذهبية والقومية فيما بيننا، والتأكيد على أن الاعتماد على الخارج لن يؤدي إلى أية نتيجة. طبعا علينا الاستفادة من كل التطورات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية العالمية، لكن في الوقت نفسه علينا بناء منظوماتنا المعرفية والعلمية والتكنولوجية والسياسية، وبناء دولة المواطنة وحقوق الإنسان والحكم الرشيد، بدل الاعتماد على القمع وإطلاق الاتهامات بالارهاب والتطرف على بعض مكونات هذه الأمة.

نحن بحاجة إلى عقل جديد قائم على التسامح وقبول التنوع والخروج من الصراعات التاريخية، والدعوة للتعاون، ورفض العنف الداخلي أو الصراع المذهبي فيما بيننا، والاستفادة من كل تطور علمي، لكن مع العمل لبناء مقدراتنا الداخلية والتعاون لمواجهة المحتل الصهيوني، بدل التطبيع معه والاتفاق معه لمواجهة بقية مكونات هذه الأمة.

طبعا هذه أفكار وطروحات طوباوية ومثالية قد يكون من الصعب تحقيقها أو القبول بها، لكن مهمتنا جميعا البحث والتفكير فيها، علّنا نجد الطريق الصحيح للنهضة والخروج من هذه المآزق في ظل ما يواجهه العالم اليوم من أزمات وكوارث خطيرة، ونحن أولى من غيرنا بأن يكون لنا دور فاعل في هذا الكون بدل الانتظار على قارعة الطريق.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (0)