كتاب عربي 21

الإمارات.. مروّجة التطبيع والاستبداد عربيا

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
انقلبت موازين الجيوبوليتيك العربي إلى مستوى أصبحت فيه دولة الإمارات قائدة محور. إذ تصطف دولتان أساسيتان في تاريخ ترتيبات المنطقة خلف الإمارات في قضايا أساسية، وهما مصر والعربية السعودية. هناك قضيتان تحددان الجيوبوليتيك العربي: الصراع ضد هيمنة دولة إسرائيل وما تمثل من تعبير مركز عن هيمنة دولية، والصراع ضد هيمنة أنظمة ريع محلية بتنويعات مختلفة تمثل حالة "استعمار داخلي". في القضيتين الإمارات رأس حربة في الترويج للتطبيع والاستبداد.

الإمارات في مسار التطبيع ليست مجرد دولة من بين دول أخرى تقوم بالتطبيع، بل هي قاطرة أولا لدول الخليج التي طبعت، أيضا تضغط في اتجاه توسيع مسار التطبيع إلى بقية المجال العربي. هنا تبدو العلاقة الخاصة مع المغرب ودور الإمارات في الضغط على الملك محمد السادس من أجل التسريع في إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل أحد الأمثلة على هذا الدور "القيادي". وهنا تأتي حزمة اتفاقات ومنها قرار أبو ظبي فتح قنصلية في الصحراء الغربية.

الكاتب النرويجي سيقورد نويباور (Neubauer) نشر نهاية شهر آب/ أغسطس كتابا أصبح مرجعيا في موضوع تطبيع دول الخليج وإسرائيل، وتم النظر إليه كنبوءة لما سيحصل. ويفسر نويباور الدور الرئيسي للإمارات في تنسيق موقف التطبيق داخل دول مجلس التعاون، وأسبقيته وتفوقه على الموقف السعودي الذي بدا يتابع بخوف وخشية والارتباك بما أدى لخسارة دور المبادر. يفسر نيوباور أيضا كيف أن الموقف الإماراتي محكوم بهدف تكتيكي يخص صفقة الطائرات المقاتلة "إف- 35" الأكثر تطورا، ولكن أيضا هدف استرايتيجي وهو معركة الإمارات عربيا من أجل حماية الاستبداد، وخاصة في مواجهة المحور التركي القطري، وحملتها "الصليبية" الوجدانية تقريبا ضد الإسلام السياسي.

الحقيقة يبدو ملف الترويج لأيديولوجيا الاستبداد تحت غطاء استعداء وشيطنة الإسلام السياسي هو الملف الرئيس إماراتيا، لكنه مرتبط عضويا وشرطيا بقيادة مسار التطبيع. المصلحة الموضوعية المشتركة إماراتيا وإسرائيليا واضحة: أي عمل تحرري عربي من هيمنة نخب وأنظمة الريع يعني قدرة ومجالا أكبر للتعبير العفوي الأصيل ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ترى الإمارات تونس بشكل خاص من هذه الزاوية، وتبدو حساسيتها تجاه أي خطوة من أي نوع خاصة دبلوماسيا شديدة الانتباه. في هذا السياق أعلنت مصادر مسؤولة هذا الأسبوع قرار دولة الإمارات تضييق السفر وإجازات الدخول إليها لعدد من الدول ومنها تونس. صدور هذا القرار إثر زيارة الرئيس قيس سعيد إلى قطر، أول زيارة دولة للرئيس التونسي المنتخب إلى المشرق العربي، وهي زيارة استمرت ثلاثة أيام وعكست حفاوة واضحة بالضيف التونسي، أدى إلى شكوك أن الإمارات "تعاقب تونس" ردا على قرار الرئيس سعيد اختيار زيارة الدولة المحاصرة من قِبل دول مجلس التعاون قبل أي منها.

لا يتصرف قيس سعيد بمنهجية تعلن ولاء لمحور دون آخر، وهذا ما جعله مثلا محبذا من قبل أطراف الحوار الليبي والأمم المتحدة، كطرف غير متورط في أتّون نزاع المحاور في الساحة الليبية. وبمعزل عن علاقة القرار الإماراتي المتعجرف وطبيعة علاقته بالزيارة إلى قطر، من الواضح أن الإمارات لا تزال غير مرتاحة لاستمرار المسار الديمقراطي في تونس، ودعمها عبر أذرعها الإعلامية لأي صوت، لا يناصب العداء للإسلام السياسي فحسب، بل أيضا والأهم يناصب العداء للتجربة الديمقراطية في ذاتها، وآخر الأطراف التي تلقى هذا الدعم الإعلامي الإماراتي هي عبير موسي التي تعلن بوضوح عداءها للثورة والدستور.

لن يكون من المفاجئ أيضا سعي الإمارات للضغط ضمن السياق التونسي عبر أذرعها من أجل الانخراط في مسار التطبيع الحالي. ولفت بعض مناهضي التطبيع إلى إعلانات لحفلات غناء يتم تنظيمها في دبي لشركات تسويق وترفيه إسرائيلية؛ تقوم بإحضار مغنين تونسيين وآخرين إسرائيليين في الأسابيع القادمة خاصة بمناسبة حفل نهاية السنة.

ومن المعروف أنه تاريخيا كانت إحدى وسائل وصيغ التطبيع بين تونس وإسرائيل بما في ذلك زمن ابن علي؛ صيغة الحفلات، والتي أدت في السنوات الأخيرة للنظام إلى فضيحة مدوية حين تم تسريب فيديو لإسرائيليين يشكرون فيه ويغنون لابن علي بحضور مطربين تونسيين.

في المقابل، تتكاثر حفلات في دبي، والإمارات تقوم أساسا بهذا الدور عربيا. وآخر أشهر الأمثلة استضافة المغني والممثل المصري محمد رمضان لحفل ضيق وأخذ صور له مع مغني إسرائيلي، وهو الأمر الذي أدى لردود فعل غاضبة مصريا، وتعليق عضويته في نقابة المهن التمثيلية.

في كل الحالات هذا الدور الطليعي للإمارات تم ترسيخه أيضا بسبب التوافق الإماراتي المطلق تقريبا مع إدارة ترامب. ومما لا شك فيه أن أبو ظبي ليست مرتاحة الآن لصعود بايدن، خاصة بسبب الاصطفاف الإماراتي المبالغ فيه إلى جانب ترامب، ولهذا يرجح البعض سعيها للتسريع مثلا في صفقة طائرات "إف- 35" قبل إمساك بايدن رسميا بالإدارة الامريكية.

وفي كل الحالات، إن تغير السياق في السنوات المقبلة يتضمن تقاربا أمريكيا إيرانيا سيؤثر بالضرورة على دور وحجم الإمارات، ويجعل حجمها في المكان المناسب، خاصة أن الكثيرين يتحدثون عن أن حجم الإمارات تضخم بكشل لا يتناسب مع وزنها الفعلي، خصوصا إثر تورطها في أكثر من ملف إقليمي.

twitter.com/t_kahlaoui
التعليقات (0)