تقارير

37 عاما على رحيل "المتماوت" معين بسيسو

الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو- (أرشيف)
الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو- (أرشيف)

عاش معين بسيسو حياته القصيرة نسبيا مناضلا صلبا في جميع تفاصيل حياته بدءا من مقاومة الاستعمار البريطاني لفلسطين ومرورا بأحداث الوطن العربي في الخمسينيات وانتهاء بحصار الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت. كان كاتبا مبدعا غزير الإنتاج صنعت شهرته قصائده التي ترجمت إلى لغات عدة، وقدم للمكتبة العربية والعالمية أكثر من 40 عملا أدبيا. 

ولد معين بسيسو عام 1928 في حي الشجاعية بمدينة غزة، وتلقى علومه الابتدائية في مدارس غزة الحكومية وعاش في مصر حيث خاض تجربة المسرح الشعري.

التحق عام 1943 بكلية غزة، وتعرف فيها إلى الشاعر سعيد العيسى الذي كان مدرسا للغة العربية والذي علمه الشعر وأصوله. 

وبتأثير من معلمه العيسى والشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي الشهير بلقب (أبي سلمى) نشر أول قصائده عام 1946 في مجلة "الحرية" التي كانت تصدر في مدينة يافا بفلسطين، ولم يمنعه حبه للشعر من متابعة دراسته الجامعية حيث التحق عام 1948 بالجامعة الأمريكية بالقاهرة قسم الصحافة.

عمل بعد تخرجه في الصحافة والتدريس في مدارس وكالة الغوث الدولية في غزة، وأصبح عام 1955 مديرا لمدرسة مخيم جباليا، ولم ينس الشعر، حيث أصدر عام 1952 ديوانه الأول وحمل عنوان "المعركة.  

كان معين من الشيوعيين الفلسطينيين ووصل في سلسلة القيادة إلى موقع الأمين العام للحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، وانخرط في العمل الوطني والقومي مبكرا فاعتقل وسجن أكثر من مرة أيام الانتداب البريطاني على فلسطين.

وبسبب انتمائه للحزب الشيوعي دخل السجن مرات عديدة في غزة والعراق ومصر، حيث سجن في المعتقلات المصرية؛ المرة الأولى من 1955 إلى 1957، والثانية من 1959 إلى 1963. وفي فترات اعتقاله وحبسه كتب معين بسيسو بعض من قصائده التي تمت طباعتها في ديوان شعر مع قصائد أخرى كتبها شعراء مصريون من داخل السجن بعنوان "قصائد مصرية". 

وبعد الإفراج عنه من "سجن الواحات" عام 1963 توجه إلى بيروت وبقي فيها حتى حصارها عام 1982. وشارك في تحرير صحيفة "المعركة" التي كانت تصدر في بيروت وقت الحصار مع مجموعة كبيرة من الشعراء والكتاب العرب. 

وعندما سأله ياسر عرفات (أبو عمار): أنت كنت خارج الحصار فلماذا اقتحمت الحصار وأتيت؟ أجاب معين بسيسو: "أنا لا أعرف "الكاتيوشا"، ولا أعرف "الغراد"، أو "الآر بي جي"، ولكني أحسست مثل إحساس أي فيل فلسطيني يريد أن يدخل إلى مكان هذه القبيلة من الفيلة ويموت معهم، أريد أن يشعر المقاتل أن شاعرا يقف معه، حتى لو لم أكتب، أريد أن أعطي هذا الشعور، وإلا كيف نحن شعراء ثورة، وشعراء مقاومة؟ ولذلك كانت تصدر ثلاث جرائد "فلسطين الثورة" و"المعركة" و"الرصيف"، وكان هنالك كتابة يومية، أشعار يومية، مقالات يومية، ريبورتاجات يومية، عن المقاتلين، هذه الجرائد أصبحت وثائق حضارية من وثائق الصراع ضد العدو". 

ومنذ عام 1974، انضم إلى الإعلام الفلسطيني الموحد، ونشر قصائده في مجلة "فلسطين الثورة"، وبثها في إذاعة "صوت الثورة" في بيروت، ونشر قصائده عن طريق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) بتشجيع من الشهيد الكاتب ماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الفلسطيني الموحد آنذاك، وظل عضوا في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وعضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، وكان مقربا من القيادة السياسية لحركة "فتح" وبشكل خاص من "أبي عمار" وصلاح خلف (أبي إياد) وماجد أبو شرار. وكرمه "أبو عمار" مع محمود درويش، بمنحهما درع الثورة للفنون والآداب في السبعينيات.

صدر له نحو 15 ديوانا شعريا وعملان تلفزيونيان للمخرج الأردني المعروف صلاح أبو هنود، وصدرت له 9 أعمال مسرحية و13 عملا نثريا، ونشرت مقالاته في عدة صحف عربية. 

 



يقول الشاعر الفلسطيني عز الدين مناصرة، إن معين بسيسو "شارك مع فدوى طوقان في بدايات حركة الشعر العربي الحديث، وكانت نماذجه في الشعر العالمي، هي: ماياكوفسكي، ونيرودا، وناظم حكمت. وظل معين، شاعرا محظورا طيلة الخمسينيات والستينيات لأنه شيوعي فلسطيني، وحين كانت موجة العداء للشيوعية، تعم الوطن العربي بأسره، ظل معين يجاهر بالشيوعية، ما أكسبه مزيدا من الأعداء والأصدقاء".

وتجسدت شهرة معين بسيسو في ترجمة معظم أعماله إلى اللغة الروسية، ولغات الجمهوريات السوفييتية ومنها أذربيجان وأوزبكستان، وأيضا إلى الإيطالية والإسبانية واليابانية والفيتنامية والفارسية والفرنسية. وحصل على جائزة اللوتس العالمية وكان نائب رئيس تحرير مجلة "اللوتس" التي يصدرها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا. 

توفي إثر نوبة قلبية في أحد فنادق لندن يوم 23 كانون الثاني/ يناير عام 1984 عندما كان يستعد لإلقاء قصيدة بعنوان "السفر" في أمسية لندنية مشتركة مع محمود درويش وسميح القاسم، لكن الموت لم يمهله فقد أصابته أزمة قلبية حادة لم يستطع مقاومتها ففارق الحياة.

وشكل موته هزة كبيرة في فلسطين والوطن العربي والاتحاد السوفييتي، ورثاه كثير من الشعراء والقادة، وكانت أبلغ كلمات الرثاء قصيدة الشاعر سميح القاسم الذي لم يصدق أن معين بسيسو قد مات، فقال إنه "تماوت ولم يمت"، وجاء ذلك في قصيدة بعنوان "أنت تدري كم نحبك، إلى المتماوت معين". 

ويصرخ سميح القاسم بمعين بسيسو:

 

متماوتٌ! قلها وفاجئنا، بأغنيةٍ جديدة.

لم يبق وقتٌ عندنا للموت إن ننقُص يزد أعداؤنا فانهض،

يا صاحِبي! في النعشِ مُتسعٌ لأغنيتين،

واحدةٌ تقولُ: أنا الكَفَنُ،

وتقولُ واحِدة: تَعبتُ من الرحيلِ إلى الرحيلْ وتعبتُ من وطنٍ يَموتُ بلا وطنْ!

يا صاحبي حياً وميتاً،

أيها النهمُ البَخيل، في النعش متسعٌ لصعلوكين،

كيفَ مضيتَ وحدكَ دونَ صاحبكَ القتيل؟


التعليقات (0)