ملفات وتقارير

ما سر تناقضات مشروع قطار مصر الكهربائي؟

محلل اقتصادي: مصر تحتاج إلى قاعدة إنتاجية تغنيها عن الاعتماد على الخارج وتعمل على تحسين الإنتاج المحلي- فيسبوك
محلل اقتصادي: مصر تحتاج إلى قاعدة إنتاجية تغنيها عن الاعتماد على الخارج وتعمل على تحسين الإنتاج المحلي- فيسبوك

1000 كيلومتر أم 1750 كيلومترا أم 2000 كيلومتر؟ قطار كهربائي أم فائق السرعة؟ خط سكة حديد واحد أم عدة خطوط؟ 23 مليار دولار أم 32 مليار دولار؟

 

أرقام وبيانات مختلفة من وزير النقل المصري ورئيس الوزراء ورئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بشأن مشروع القطار الكهربائي المثير للجدل.

في محاولة لإزالة اللبس عن المشروع، سواء من حيث التكلفة أو خط السير، أو الجدوى الاقتصادية منه، وقد اكتنفه الكثير من الغموض والتضارب باعتراف السيسي نفسه الذي حاول تقديم تصوره عن المشروع على هامش افتتاحه عددا من المشروعات في شرق ميناء بورسعيد على البحر المتوسط، ولكنه زاد الأمر غموضا.

وقال: "الخط الأول سيبدأ من العين السخنة على البحر الأحمر، إلى ميناء الإسكندرية وحتى غرب مطروح بنحو 40 كيلومترا، ثم أوضح أن القطار سيبدأ من العين السخنة إلى العاصمة الإدارية مرورا بمدينة 6 أكتوبر ثم المدن الأخرى (دون أن يوضحها) ثم الإسكندرية ثم العلمين ثم مطروح على البحر المتوسط".

وأضاف السيسي، الذي زاد حديثه المشروع غموضا، خلال ذات الجلسة: "هناك خط آخر من مدينة 6 أكتوبر جنوب غرب القاهرة إلى مدن الصعيد حتى أسوان بطول 850 كيلومترا، سيقطع المسافة في 4 ساعات"، مشيرا إلى أن هناك لجنة عليا في مجلس الوزراء تناقش القروض وهناك برلمان يراقب"، على حد زعمه.


وفي ما يتعلق بتكلفة المشروع وأطواله، كشف السيسي أنه استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة من خلال زيادة الأطوال للضعف، وتقليل التكلفة للنصف، قائلا: "والرقم اللي قلناه بفضل الله سبحانه وتعالى ربنا حققه.. ووصلنا لإنشاء 2000 كيلومتر بتكلفة 350 مليار جنيه".

"أرقام مفقودة"

لكن هناك 9 مليارات دولار أخرى لم يذكرها السيسي جاءت في بيان لمجلس الوزراء، السبت، على لسان رئيس الوزراء، حين أشار إلى وجود "مشروعين كبيرين يتم تنفيذهما في القاهرة الكبرى، وهما مشروع القطار الكهربائي، والمونوريل، الذي يربط كل المدن في إقليم القاهرة الكبرى، إلى جانب المشروع الخاص بإنشاء شبكة جديدة للسكك الحديدية باستخدام القطارات الكهربائية فائقة السرعة".

وأوضح أن "المشروع هو شبكة جديدة تصل إلى حوالي 2000 كيلومتر جديدة بالكامل، تكلفتها الاستثمارية 22 مليار دولار، أي حوالي 350 مليار جنيه، والخطوط الأخرى المستقبلية بتكلفة 9 مليارات دولار، سيبدأ تنفيذها لاحقاً".

32 مليار دولار وليس 23 مليار دولار

لكن هذه الأرقام تتناقض مع ما جاء في بيان مجلس الوزراء في الـ14 من الشهر الجاري، الذي أشار نصا إلى توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل وشركة "سيمنز" العالمية؛ لتنفيذ منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر بإجمالي أطوال حوالي 1000 كم على مستوى الجمهورية، وبتكلفة إجمالية قدرها 360 مليار جنيه.

في اليوم التالي، خرج وزير النقل المصري كامل الوزير ليزيل اللغط الدائر حول التكلفة، ولكنه زاد الأمر غموضا، حيث كشف عن أرقام وأطوال جديدة لم تكن في خبر توقيع الاتفاق.

وقال في مداخلة متلفزة إن إجمالي أطوال شبكة القطار الكهربائي السريع، تصل إلى 1750 كيلومترا، موضحا أن الـ1000 كم التي أعلن عنها خلال الأيام الماضية، هي جزء من المشروع، وأن إجمالي تكلفة المشروع قد تتجاوز الـ32 مليار دولار.


وفي 6 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت وسائل الإعلام المحلية عن مصادر رفيعة المستوى عن فوز تحالف مصري-صيني (ليس بينهم التحالف الحالي) بمناقصة تنفيذ مشروع قطار كهربائي سريع، بتكلفة تقدر بتسعة مليارات دولار، يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وتحديدًا من العين السخنة إلى مدينة العلمين، مرورًا بالعاصمة الإدارية الجديدة، في رحلة تستغرق ثلاث ساعات.

يبقى المحور الثاني، الذي لا يقل جدلا عن المحور الأول، والذي يتعلق بجدوى المشروع، ولماذا أتى على حساب المناطق الأكثر اكتظاظا وازدحاما لصالح مدن في الصحراء.

كل هذه التناقضات والتضاربات في الأرقام والمعلومات وجدوى المشروع، اعتبرها مراقبون ومختصون بابا للفساد والحصول على عمولات وتدمير مقدرات البلاد.

غياب الشفافية والأولويات

في سياق تعليقه، قال الباحث الاقتصادي، حافظ الصاوي، إن "النقطة المهمة؛ هي أولويات الإنفاق في أجندة التنمية في بلد تتزايد فيه معدلات الفقر بنسب كبيرة، ويعتمد على الخارج من خلال البيانات الخاصة بميزان المدفوعات سواء في الصادرات أو الواردات أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو القروض؛ بالتالي فإن لمبلغ الذي سوف ينفق في هذا القطار يجب إعادة النظر فيه".

ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن "مصر تحتاج إلى قاعدة إنتاجية تغنيها عن الاعتماد على الخارج وتعمل على تحسين الإنتاج المحلي الإجمالي، من خلال الصناعة والزراعة وليس من خلال الخدمات أو السياحة والاعتماد على المصادر الخارجية".

وانتقد الصاوي غياب الشفافية في ما تبرمه الحكومة من عقود، قائلا: "كل العقود التي أبرمت في عهد السيسي لم ينشر منها شيء ولم يحط الإعلام بها علما، ولا يعرف المجتمع المصري تفاصيل كثيرة عنها؛ وبالتالي فإننا لا نعرف إن كانت تنطوي العقود على فساد من حيث التكلفة الحقيقية للمشروع".

"تخبط النظام"

بدوره؛ شكك عضو لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان المصري سابقا، المهندس محمد فرج، في حقيقة تكلفة المشروع العملاق، قائلا: "منذ سنوات والمشروع محل شد وجذب بسبب غياب الشفافية، وعدم وضوح الجدوى الاقتصادية منه من ناحية، والتكلفة الفعلية له من ناحية أخرى".

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "المتابع للمشروع من السهل جدا أن يكتشف كم التناقضات والتضاربات التي رافقته منذ التفكير فيه قبل سنوات وحتى إبرام الاتفاق مع الشركة الألمانية المنفذة، ومردّ ذلك كله حالة التخبط لدى النظام في الإفصاح عن الحقائق".

وانتقد البرلماني المصري "افتقار المشروع إلى دراسة حقيقية تبين الجدوى الاقتصادية والاجتماعية من القيام به وتنفيذه بهذه التكلفة، ولماذا يقام هذا المشروع الضخم في مناطق نائية، بدلا من ربط الأقاليم ببعضها البعض، وربط الدلتا بالصعيد بخطوط وعربات وجرارات حديثة".

 

اقرأ أيضا: وعد جديد من السيسي للمصريين يضاف إلى وعود لم تتحقق

التعليقات (0)