كتاب عربي 21

انتخابات في غزة والضفة الغربية.. وانتفاضة في الـ48!!

محمد عايش
1300x600
1300x600

مشهد بالغ البؤس في الحالة الفلسطينية مضمونه أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ينتفضون ضد شرطة الاحتلال وتواطؤها في الجرائم التي تستهدفهم، بينما على الجانب الآخر ينشغل الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية بالانتخابات التي اتفقت حركتا حماس وفتح على إشغال الفلسطينيين بها حتى نهاية العام الحالي.


الذين اتفقوا على إجراء الانتخابات يفترضون بأنها قد تؤدي إلى المصالحة وإنهاء الانقسام، وهذا افتراض عبثي وغير منطقي ولا معنى له، إذ أن الانتخابات هي التي أدت إلى الانقسام في العام 2006، وهي التي تسببت في أول اقتتال داخلي في تاريخنا الفلسطيني، وعليه بالضرورة فإن الانتخابات التي كانت سبباً للانقسام لا يمكن أن تؤدي إلى إنهائه بل أغلب الظن أنها ستؤدي إلى تعميقه، هذا فضلاً عن أن الجميع سيخرجون منها خاسرين، وإن كانت الخسائر تتفاوت بين فريق وآخر، والمؤكد أن حماس ستكون أكبر الخاسرين.


انشغال الفلسطينيين في الانتخابات طوال العام الحالي، وبعده انشغال متوقع بملفات خلافية جديدة ستضاف الى الملفات السابقة وتؤدي الى تعميق الانقسام والصراع بين فتح وحماس، من بينها كيفية إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وهو المجلس الذي يستحيل أن يتشكل بموجب انتخابات لأنه يُمثل كل الفلسطينيين في العالم، بمن فيهم فلسطينيو الخارج الذين يستحيل جمعهم ولا استدعاؤهم الى التصويت، فضلاً عن أنه لا يزال من غير المعروف كيف سيتم تعريف الفلسطيني الذي يتوجب تمثيله في هذا المجلس. يُضاف الى ذلك السؤال الآخر: كيف سيتم تمثيل حماس في المجلس الوطني وهي ليست عضواً في منظمة التحرير؟ وإذا كانت ستنضم الى منظمة التحرير هل ستوافق على الميثاق الوطني وعلى اعتبار المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً؟ وإذا انضمت حماس الى المنظمة فهذا يعني بالضرورة أنها اعترفت باسرائيل لأن المنظمة فعلت ذلك في العام 1993.. والأسئلة في هذا السياق تطول وتطول.


وبعيداً عن تفاصيل الصراعات التي سينزلق اليها الشعب الفلسطيني بعد أن قررت حركتا حماس وفتح إعادة إنتاج تجربة 2006 البائسة، فإن المؤكد هو أن الانشغالات والخلافات القادمة سوف تؤدي بالضرورة الى تقديم مزيد من الراحة للاحتلال، وتوفير احتلال فائق الرفاهية للإسرائيليين، إذ إن من المستبعد الاشتباك مع الاحتلال على أي مستوى، بما في ذلك الاشتباك الشعبي أو الاحتجاجات السلمية وصولاً الى المواجهة القانونية على المستوى الدولي.. حيث لن يجد الفلسطينيون حتى متسعاً من الوقت للاستفادة من قرار "الجنائية الدولية" الأخير المتعلق بالاختصاص، إذ أن السلطة بحكومتها ورئيسها وبرلمانها ومنظمة التحرير بكافة مؤسساتها، وحماس بقيادتها وكوادرها.. الجميع منشغلون بالانتخابات.. لا بل إن الأنكى من ذلك أن حركة حماس تنشغل بانتخابات داخلية تنظيمة متزامنة مع الانتخابات العامة، بما يجعل آليات اتخاذ القرار والعوامل المؤثرة فيه مشوهة وتتأثر بحراك داخلي ليس مفيداً. 


ما يحدث في فلسطين اليوم هو حالة من التيه السياسي والفوضى وفقدان البوصلة، والصواب أن الانتخابات -أي انتخابات- لا تصح لشعب تحت الاحتلال، فما يحتاجه الفلسطينيون أولاً هو التحرر من الاحتلال وتأسيس الدولة ثم الانتقال الى مرحلة التغيير وبناء النظام الديمقراطي والبحث عن الشرعية. وهذا يعني إن الانتخابات برمتها هي عملية عبثية لا قيمة لها ولا تخدم سوى الاحتلال الذي يستفيد من إلهاء الفلسطينيين.


وبينما ينشغل الفلسطينيون في الضفة والقطاع والخارج بانتخابات لا علاقة لها بالمصالحة ولا يمكن أن تكون طريقاً لإنهاء الانقسام، فإن بارقة الأمل تُطل من داخل الخط الأخضر حيث يُرفع العلم الفلسطيني لأول مرة منذ سنوات في مدن وبلدات فلسطينية محتلة منذ العام 1948، في حراك نادر يحمل العديد من الرسائل أهمها أن كل المحاولات الاسرائيلية طيلة السبعين عاماً الماضية لطمس هوية هؤلاء قد باءت بالفشل، وأنهم جزء من الوطن الفلسطيني الكبير وجزء من الاشتباك المهم مع الاحتلال.

التعليقات (0)