كتاب عربي 21

نقد الانتخابات الفلسطينية.. معالجة إضافية لا بدّ منها

ساري عرابي
1300x600
1300x600
يفترض أن تجري الانتخابات التشريعية الفلسطينية بعد شهرين وعشرين يوماً من نشر هذه المقالة. هذا الوقت الضيّق جدّاً، يمتحن القدرة لا على إنجاز الترتيبات والشروط اللازمة للدخول في هذه الانتخابات فحسب، ولكنه يمتحن أيضاً امتلاك القدرة على تجاوز قهر الظرف غير المواتي، سواء من جهة إجراء الانتخابات والانقسام قائم، أو من جهة استرداد العافية الفوري، في الضفّة الغربية تحديداً، بعد سنوات من عمليات الاجتثاث والاستنزاف وتدمير الحركة الوطنية، وخصّت حركات المقاومة بمزيد من الاستهداف الممنهج، وتحديداً حركة حماس، حركة المقاومة الأساسية المشاركة في هذه الانتخابات.

التحدّي المشار إليه هو تحدٍّ لوجستي، إداري وتنظيمي، يواجه صناع قرار المشاركة في حماس، والقائمين على الإدارة في الميدان في الضفّة خصوصاً، بالتعاون، كما ينبغي بين مختلف الكفاءات والعقول التنظيمية في المواقع المتعددة. وفي المقابل، لم تزل أسئلة أخرى يلحّ بها العديد من المفكرين والكتاب في المجال العام، والحزبيين في أروقتهم الداخلية، تتناول الانتخابات في عناوين كلّية واستراتيجية كبرى، من قبيل مبدأ الانتخابات في ظلّ الاحتلال، أو أولويات الحالة الفلسطينية، وكيف أنّ الانتخابات لن تكون مدخلاً صحيحاً لحلّ الأزمات الفلسطينية المستحكمة والمتعددة، والتي منها الانقسام، وأنّه لا توجد إجابات واضحة حول كيفيات عمل هذه الانتخابات للتغيير في وظيفة السلطة، أو إنهاء الانقسام، بالنظر لبنية السلطة وتعلقاتها العضوية بواقع الاحتلال وبالمنظومتين الإقليمية والدولية.

تتصل بذلك أسئلة حول أهداف السلطة الفلسطينية وقيادتها من هذه الانتخابات، وهل ستؤول هذه الانتخابات بالفلسطينيين إلى تجديد الانقسام، أم إلى تجديد شرعية مسار السلطة السياسي ونخبته المتنفذه، وتكثيف حملات الابتزاز السياسي، بدعوى الشروط الضرورية للاندماج في النظام السياسي، وتحصيل القبول الإقليمي والدولي.

هذا النقاش ينبغي تفكيكه إلى مستويين؛ الأول، الفصل بين نقاش صوابية الانتخابات وبين الموقف والواجب في حال إجراء هذه الانتخابات، إذ العلاقة ليست بالضرورة لازمة بينهما، والثاني أهمية الاستمرار في الطرح التأسيسي والجوهري، لحلّ معضلات الحالة الفلسطينية من وجهة مختلفة عن وجهة الانتخابات، أو مسار السلطة برمّته، مما قد يستدعي نقداً مستمراً لهذه الانتخابات، إذ لا يعقل حشر الفكر الفلسطيني في مسار واحد، هو أقرب للورطة التي يجد الجميع أنفسهم مضطرين للتعامل معها.

لا ينبغي أن ينكر أحد أن هذه الانتخابات، في الأساس، مقترح مزمن لقيادة السلطة (والتي هي قيادة فتح)، منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الماضية، وأنّ السلطة نفسها وليد مسار متصل، وهو مسار التسوية، ومن ثمّ فإنّ الدخول للسلطة، سواء في الانتخابات الماضية أم القادمة في حال حصولها، هو مواءمة إزاء واقع اضطر إليه معارضو هذا المسار، لقوة الواقع وللعجز عن شقّ مسار آخر، ولأنّ صانع المسار لا يقبل أي تفاهم خارج "إنجازه" الذي هو السلطة، وليدة المسار، مما يعني أن دخول حماس، تحديداً، في انتخابات من هذا النوع، يهدف إلى أمرين: محاولة الاتفاق مع خصم سياسي على أرضيته لرفضه أيّ أرضية أخرى، ولمحاولة التغيير من داخل المنظومة القائمة. ويضاف إلى ذلك الحرص على الحضور في أي ترتيب مستقبلي محتمل لمجمل المؤسسات الفلسطينية، في إطار تلك المواءمة الصعبة التي تسعى لعدم اجترار الانقسام، ودون انجرار للمزيد من التنازلات السياسية.

إنّ نقد هذه المواءمة، والذي هو حقّ لأيّ فلسطيني، واجب من جهة أخرى لدى من يملك رؤية نقديّة بالفعل. ففي أقلّ أحوال هذه الرؤية يكمن التنبيه المستمرّ لمخاطر هذا الخيار، مما يحفّز اليقظة ويدفع باستمرار لتصور سيناريوهات لمعالجة كل المخاطر المحتملة، فضلاً عن كونه، وهو الأهم، عملية تفكير خارج شرط مسار التسوية وإكراهات السلطة في ظلّ الاحتلال، وتذكير بالأصل.

لكن ينبغي ألا يَغِيب عن أصحاب الرؤية النقديّة أنّ ثمّة معالجة إضافية لا بدّ منها، في حال حصلت الانتخابات وشاركت فيها حركة حماس، وهي تقليل الخسائر في حال كان خيار المشاركة خاطئاً، أو تعظيم المكاسب في حال كان الخيار صحيحاً، أو السعي لتحويل الانتخابات إلى فرصة بالرغم من النقد المبدئي لها، بمعنى أن النقاش الضروري استمراره حول صوابية مبدأ الانتخابات، يجب ألا يُغيّب مستوى ثانياً من النقاش، وهو الموقف من هذه الانتخابات بعد حصولها، إذ الدعوة للمقاطعة، أو تكثيف النقد لحماس ولقوى المقاومة الأخرى المشاركة فيها، من شأنه أن يساعد تيار التسوية ونخبة السلطة على إنجاز أهدافهم من هذه الانتخابات، بينما الدعوة لانتخاب فصائل المقاومة، أو الانحياز لقوائمها، سيكون مساهمة في محاولة التأثير على هذه الانتخابات والعمل على تحديد مآلاتها.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، ومنذ ظهور مقترح الانتخابات مساراً وحيداً اتفقت عليه حركتا حماس وفتح، كتب صاحب هذه المقالة ناقداً لهذا المسار، تحت عنوان: "هل المخرج في انتخابات تشريعية فلسطينية؟"، وقدّم العديد من المحاضرات التي تحمل هذه الرؤية النقديّة، والتي أعاد تقديمها في العديد من الندوات والمداخلات الإعلامية التي شارك فيها، فضلاً عن كتابته دراسة حول ذلك، إلا أنّه يعتقد أن هذه الرؤية النقدية لا تنعكس بشكل ميكانيكي في المقاطعة، وإنما قد تستوجب موقفاً مشاركاً بانتخاب القوائم المعارضة لخط التسوية وإدارة السلطة الراهنة، دون أن ينفي هذا الحقّ في المقاطعة.

وفي المقابل، فإنّ فصائل المقاومة المشاركة في هذه الانتخابات ينبغي وهي تقدّم مقارباتها للمشاركة؛ أن تشجّع الآراء الحرّة التي تحاول العودة بالنقاش إلى جذوره التأسيسية، إذ يصبّ ذلك بالضرورة لصالح هذه القوى، لما فيه من تجاوز لتكلّسات الواقع وقيوده، والتي تسعى قوى المقاومة لتجاوزها أيضاً، ولأنّ القضية عامّة تمسّ كل الفلسطينيين، وتتجاوز الأطر التنظيمية الضيقة، ولأنّ القضايا الاستراتيجية لا تعالج بمنطق الدعاية السياسية، بل بمنطق التفكير الحرّ الذي لا يراعي إلا الحقّ، وبقدر ما تملك تلك القوى مفكرين أحراراً، بقدر ما هي قادرة على تجديد نفسها.

twitter.com/sariorabi
التعليقات (2)
سامي
الأربعاء، 24-03-2021 07:36 ص
الاستاذ ساري, تحية طيبه , تشرفت بمتابعة مقالاتك منذ فترة ليست قصيره, و احسبك من المخلصين و لا نزكي على الله احد. استفسار لو سمحت: كيف يستقيم دخول حماس العملية الانتخابية بالشروط الموضوعية التي يفرضها الوضع الاقليمي؟ كم نسبة المخاطره بان تنحرف الحركة عن النهج القويم و الفكره الرئيسية لنشاتها؟ الم تتحول المقاومة الى دفاع عن النفس في احسن الاحوال نتيجة ضغوط الحكم و السياسة.؟ و الان تقرق بالوحل اكثر و اكثر. كيف يمكن ان تتعايش مع فتح ؟ كيف يمكن ان تتعايش مع الاحتال الذي يحكم سيطرته على كل مفاصل الحياة؟ و ما ذا عن الاقليم؟ السؤال الكبير: اليست المقاومة حرب مفتوحة لطرد الاحتال فاما النصر و اما الشهاده؟ كيف يستوي هذا مع ذاك؟ الا ينالنا الاثم اذا اشتركنا بالانتخابات فنتحمل وزر كل المحاذير نزول عند رغبة قادة حماس الذي اصبح لهم ارتباط سياسي ببعض الاقليم. هل ينال الصحابة الذي اعتزلوا الفتنة اكبرى اثم؟
فواز
الثلاثاء، 02-03-2021 06:32 م
أحسنت أخي ساري. .. نقد الانتخابات لا يعني مقاطعتها في حال حصولها