كتاب عربي 21

نتنياهو في ذروة استعراض القوة.. رسائل لمن؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

بعد ساعات من انتشار خبر الهجوم الصهيوني على منشأة "نطنز" النووية الإيرانية، كان نتنياهو يتحدث إلى قادة الجيش والأجهزة الأمنية بمناسبة إحياء الذكرى الـ73 لما يُسمّى "عيد الاستقلال"، وبرأينا فرض كيان بسرقة أرض وتشريد شعب.


قال لهم: "من الصعب للغاية شرح ما أنجزناه هنا في إسرائيل، في هذا الانتقال من العجز الكامل الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الدول، إلى قوة عالمية تمكنّا من صنعها هنا".


وأضاف: "نحن بالتأكيد قوة إقليمية، ولكن من بعض النواحي، نحن قوة عالمية أيضا. أتمنى أن نستمر جميعا في هذا الطريق، وأن تستمروا في الاحتفاظ بسيف داوود في أيديكم (لاحظ الإشارة الدينية)".


للتذكير، فإن من يتحدث هنا، لا يمثل غير كيان بمساحة محدودة، وعمق بسيط، كما يمثل أقلية في العالم لا تزيد عن 14 مليونا؛ نصفهم في الكيان، والباقي في الخارج، ومع ذلك تبلغ به الغطرسة حدّ الحديث عن "قوة إقليمية"، ثم قوة عالمية.


تتزاحم الأفكار في سياق التعليق على هذه الغطرسة، وما تنطوي عليه من رسائل، لكن الجانب الذي يقفز إلى الذهن مباشرة، هو ما هي طبيعة القوة التي يملكها الكيان، والتي تتيح له إبداء هذا المستوى من الغطرسة؟


هل هي القوة العسكرية والتكنولوجية والاستخبارية؟


ما من شك أن لهذا الكيان نصيبا كبيرا على هذا الصعيد، إذا ما تمت مقارنته بالمحيط العربي والإقليمي، ولكن هل يكفي ذلك لاجتراح هذا المستوى من الغطرسة؟


الجواب هو لا، والسبب هو وجود الكيان وسط محيط من العداء الشعبي، وغياب عمق جغرافي، وهيمنته على جزء من شعب لديه القابلية للمقاومة والتضحية. إنه كيان صغير يعيش في تلك المساحة المحدودة ما بين البحر والنهر، ولا يمكن لما يملكه من قوة عسكرية وتكنولوجية أن تتيح له هذا المستوى من الغطرسة.

 

لكن التطوّر الأبرز في العقود الأخيرة، إنما تمثل في حصول الكيان على حالة أمن غير مسبوقة، بفضل سلطة تمّ تصميمها لخدمته

 

 

 

إنه كيان يعيش على سياج حماية عربي رسمي، وقبل ذلك وبعده منظومة حماية دولية؛ تتصدرها أكبر قوة في العالم (الولايات المتحدة)، بجانب الغرب، مع علاقات قوية مع القوى المنافسة كالصين وروسيا.

هنا يذكّرنا القرآن الكريم بمسألتين: "العلو الكبير"، والتفوق في ميدان النفير (أكثر نفيرا بتعبير القرآن  الكريم)، أي استنفار أهم قوى العالم ضد العدو المستهدف.


كل ذلك لا ينفي بُعدا مهمّا يتعلق بوضع استثنائي راهن، يتمثل في عجز العدو عن حسم معاركه بالقوة منذ عقود، ولا عن منع الآخرين من امتلاك القوة كما كان سابقا، وإن تمكّن من توجيه ضربات لها بين الحين والآخر.


لكن التطوّر الأبرز في العقود الأخيرة، إنما تمثل في حصول الكيان على حالة أمن غير مسبوقة، بفضل سلطة تمّ تصميمها لخدمته، أعني سلطة "أوسلو"، وهذه هي من منحته القدرة على الغطرسة وسهّلت عليه اختراق المجال العربي، ومن ثم زادت شهيته لتصفية القضية، لا سيما أن كل ذلك تزامن مع تصاعد الانحياز الأمريكي بفضل تصاعد نفوذ اللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي على نحو غير مسبوق.


البعد المهم الآخر في حديث نتنياهو عن قوة "إقليمية" و"عالمية"، لا يتمثل في تهديد إيران كما يبدو الأمر في الظاهر، لا سيما أن بداية حديث نتنياهو كان يتعلق بما سمّاه "الكفاح ضد إيران وأذرعها وتسلحها"، والذي وصفه بـ"المهمة الضخمة".

 

ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها نتنياهو بهذا الاستعراض، وبروحية تشير إلى أحلام الهيمنة على المنطقة


إن روح حديثه تتمثل في تهديد المنطقة برمتها. وحين يستهدف قوة إقليمية بطموحات كبيرة، ومشروع مذهبي واضح مثل إيران، فهو يقول إن على الآخرين أن يكونوا جاهزين لدخول بيت الطاعة، سواء كانوا يكرهون إيران، ويرفضون عدوانها، أم كانوا غير ذلك.


ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها نتنياهو بهذا الاستعراض، وبروحية تشير إلى أحلام الهيمنة على المنطقة، ما يعيد إلى الأذهان نظرية تقول إن تركيع إيران مصيبة، وخروجها من المعركة الراهنة مصيبة كذلك، والسبب أن تركيعها سيمهّد الطريق لتركيع الجميع، وتنصيب الكيان قوة مهيمنة في المنطقة، والتحكم بها سياسيا واقتصاديا وحتى ثقافيا، بينما خروج إيران قوية من الصراع، سيعني مضيّها في مغامرتها المذهبية، ما سيعزّز صراعات الإقليم، على نحو سيفيد الكيان والقوى الكبرى، ويزيد معاناة شعوبنا، بما فيها الشعب الإيراني الذي يضيق ذرعا بنظامه الشمولي؛ وإن بديكور ديمقراطي.


التفاهم الإقليمي هو الحل بطبيعة الحال، لكن إيران ليست جاهزة حتى الآن، بغياب الثقل المصري في مواجهتها، فيما تنشغل أنظمة الثورة المضادة بمطاردة "الإسلام السياسي"، بجانب تركيا، بدل مواجهة إيران، مع تقارب (بعضها يتحالف) مع الكيان الصهيوني، وتسهيل مهمته لتصفية القضية واختراق المنطقة.


إذا استمر الحال كذلك، فسيكون من حق نتنياهو أن يواصل غطرسته، وإذا تغيّر بتفاهم إقليمي بين قوى المنطقة الثلاث (العرب، تركيا وإيران)، فإن مرحلة "العلو الكبير"، ستنتهي سريعا، وسيبدأ الهبوط، وقد يكون سريعا أيضا.

0
التعليقات (0)