كتاب عربي 21

إخوة الرئيس غير المسجلين في دفتر العائلة

أحمد عمر
1300x600
1300x600
وجد صديقي بعد النزوح أنَّ الأسد يحكم إدلب أيضا، فحمل شكاويه الساخطة، وقصد فقيهاً معروفاً، سكن بجواره، إنه يكاد يكون مفتي الفصيل الثوري الأكبر، وشرعيها الأشهر في سوريا الحرة. فإدلب تحكمها فصائل كثيرة، وقد عاد من عنده مثل السكران من شدة الغضب. والفقيه حاصل على شهادة الدكتوراة في الفقه، عاد ووجد أحذية كثيرة أمام باب شقته المستأجرة، فتعجّب، فليس لديه زوار. أخرج مفتاحه وجعل يعالج الباب، فخرج رجل، وهو ينظر إليه بتعجّب، فعلم أنه قد أخطا الباب، فاعتذر من صاحب البيت التركي، فغفر له من غير أن يعرف السبب، فالجيران يغفرون لبعضهم.

وسنذكر السبب الذي جعل صاحبي يسكر من الخطاب الديني في الإمارات المحرّرة ويضل بيته.

حكم الجباية والنكاية:

سأل صديقي الفقيه أسئلة ثلاث، عن الظلم الذي يلحق بالشعب في المناطق المحررة، وقد بقي ثلاث ساعات عنده وهو يجادله، وكان أول سؤال له عن الضرائب الظالمة التي تجبيها الفصائل من الشعب النازح المفقّر. الإسلام لا يبيح سوى مال الصدقة، وهي لا تجبى سوى من الأغنياء، وليس من جميع أبناء الشعب. وإن الله بعث محمدا هادياً ولم يبعثه جابياً، فتذرّع الفقيه الدكتور المسؤول بولي الأمر، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات! وقاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة"! إنه يذكر قواعد فقهية عامة من غير ضوابط شرعية، ويسوقها سوقاً في غير سياقها، وذكر المسؤول الفقيه في ردوده.. إنه على ثغر من الثغور، واستشهدَ بالعالم العزّ بن عبد السلام، فردّ عليه السائل، وهو فقيه أيضا، بأن العزَّ وضع شروطاً خمسةً لإباحة الضرورة، وأن ولي الأمر الذي كان يتولى العز بن عبد السلام كان ولياً لكل الأمة، وولي أمرنا لا يحكم سوى حيّ أو مدينة أو قرية، بل في بعض الحالات لا يحكم سوى الحاجز، وأن هؤلاء قطاع طرق، وليسوا ولاة أمر.

حرمة النفس:

وكان السؤال الثاني عن التعذيب الشائع في سجون الأمراء، فذكر له أنّ إمارات سوريا الحرة الفيدرالية "السويسرية" تعتقل وتعذب المتهمين بالشبهة، كما يفعل النظام، وأن هناك طرقاً ذكية عقلية غير طرق التعذيب في كشف "المندسّين"، واستجوابهم، وأنها طريقة موروثة من النظام، ولها مضاعفات وأضرار كثيرة، وقد تجعل المتهم يعترف بما لم يرتكبه، والغرض منها الترويع وليس التحقيق، فاستشهد له الفقيه العلاّمة بحالة وحيدة من السيرة النبوية!

زئير الاستعراض:

أضاع صديقي الطريق إلى البيت من الغضب، وتذكّر شعارات قيادات الثورة العسكرية والسياسية، التي كانت تنسخ أقوال الأسد في المقابلات التلفزيونية وفي الخطب السياسية. فالثورة ترفع أزكى آيات التقدير إلى الشعب السوري، و"بالروح وبالدم نفديك يا شهيد" في المظاهرات، و"قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد"، بل إن شعار الثورة الأول "الله سوريا حرية وبس" كان منسوخاً من شعار موالي النظام "الله سوريا بشار وبس".

وسمعنا قيادياً يكرر قول الأسد: إن الشهداء هم أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر، بل إن قيادات الفصائل قلّدت الرئيس في الاستعراضات العسكرية، فرأينا قادة الفصائل يتكئون على الأرائك ويستعرضون الأرتال العسكرية من الجند والمصفحات، ووجوههم وضّاحة وثغورهم باسمة.

الفوارق الخمسة بين سوريا الأسد وسوريا اللبوات:

من الفوارق الخمسة بين الأسد واللبوات، فرق الأسماء، فسوريا الأسد دولة تقدمية اشتراكية علمانية، والدويلات الإسلامية علمانية، وإن زعمت أنها إسلامية، وهي تقدمية أيضاً، وإن أقامت بعض الحدود، أو أطالت اللحى. ويمكن أن نذكر اسم شركتين للوقود هما "كاف" "ووتد"؛ تتبعان شركتي "سيرتيل" و"ام تي ان"، القذة بالقذة، والجزمة بالجزمة.

ومن المشابهات أن إمارات الفصائل تخفي مواردها الاقتصادية، كما كان النظام يستر موارده الاقتصادية حتى لا يصاب بالعين الحاسدة، أو حتى لا تعلم يمينه ما تسرق يساره، فالثروات المنهوبة بأيدٍ أمينة. وكانت لغرفة التجارة صفحة مكتوب فيها عدد الشركات وعدد التجار الأعضاء، ويمكن بذكر أعدادهم إحصاء الرسوم المجباة، وإحصاء الأموال المترتبة من عضوية الأعضاء ورسوم الاشتراك. وقد أدرك القائمون على الأمر أنَّ ذلك يكشف أموالهم وثورات الدويلة، فأخفوها، وباتت سرية ومكتومة، وهي أموال طائلة يمكن بها تحسين وضع السوريين النازحين والمقيمين وإطعامهم من جوع وتأمينهم من خوف، سوى الرسوم التي تجبى عن السيارات وسواها، وقد عملوا تحديثا فحجبوا الأسماء والمعلومات.

شامة الشبه الكبيرة على الخدّ الأسيل:

لكن ثمة شامة أخوة وتوأمة على خديّ سوريا الأسد وسوريا اللبوة هي شامة "طق البراغي"، وهي كناية عن الوشايات التي تسمى أيضاً "التقارير"، وهي حرفة برع فيها السوريون، وذلك بسبب الضيق والحسد، وسعياً لاكتساب العزة الوطنية والقربى السياسية، ورضا أمراء الحرب. وهي شائعة في إدلب وما حولها أيضا كما كانت في سوريا الأسد، وسنذكر هذا المثال:

إن معدل الأجور الرسمي هو مائة دولار، لكن السوري ماهر في الاحتيال على الحال الضائق. يستطيع التاجر السوري الحاصل على رخصة دخول وخروج مفتوحة إلى تركيا، اكتساب خمسمائة دولار في الشهر، قد تصل إلى ألف، بخدع وحيل تجارية بسيطة، كالتي كان يحصّلها تجار الشنطة من دخولهم إلى لبنان، وذلك بأن يصطحب التاجر الحاصل على عضوية غرفة التجارة هاتفين حديثين إلى تركيا (فأجهزة الهاتف معفاة من الضرائب في إدلب) على أنهما ملكه الشخصي للاتصالات الكثيرة، وهي أجهزة معفاة من الضرائب في سوريا المحررة، أو سوريا اللبوة. وهذه من محامد العيش في سوريا الحرة، وهي محامد تجعل سوريا المحررة فوق الصفر الاستبدادي الذي تقبع سوريا الأسد تحته.

وأن يصطحب خمس علب دخان، فليس عليها في سوريا المحررة ضرائب، فيبيعها، فيكسب ما يكسب، فيعود ويتباهى أمام أصحابه، والسوري يحبُّ التباهي والفخر مثل أبي سفيان، فالسوريون هم أحفاد بني أمية.

وقد تداعت السلطات الثورية الإسلامية الحرة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر إلى طق براغي أكبر لدى سلطات المعابر التركية، لمنع هذه الموبقات الاقتصادية، لكن السلطات التركية لم تستجب لهم، فتركيا دولة عملاقة، حكمت العالم ستة قرون ونصف، ولا يمكن إيذاؤها ببراغٍ سورية، فاعتذرت عن الاستجابة لوشايات الداية أم زكي، فعمدت فصائل الحرة إلى نصب معبر قبل المعبر التركي بعد أن أصدرت فرماناً بتقنين السفر التجاري للتجار إلى تركيا فجعلته كل أسبوعين مرّة، بعد أن كان حراً مطلقاً، واشترطت شرطاً آخر هو تسجيل رقمي الهاتفين "السيريل نمبر" حتى تمنع بيعهما، فهما للاستخدام الشخصي، وربما تعمد السلطات الإسلامية قريباً إلى تسجيل الكود نمبر لعلب الدخان.

ويحمد النازحون أنَّ فقهاء الفصائل لم يحرّموا التدخين، كما يفعل تنظيم داعش، فلا بد للسوري أن يدخن من فمه، حتى لا يضطر إلى التدخين من مكان آخر غيظا وكمدا.

كلية العقل:

ذكرنا أن صديقي أضاع بيته، فغادر منزل الفقيه، وخرج هائماً على وجهه، من غير أن يسأل فقيه الثورة وشرعيها عن المقاتلين، وجهلهم بالخطط، وعلم الاستراتيجيا، وقد كاد أن يفقد عقله، وتذكر في الطريق مشاهد رآها في فضاء التواصل الاجتماعي لأمير حرب يستعرض دباباته وجنده، كما كان الأسد يفعل، وكما يفعل السيسي وحفتر، فكلهم أسود على شعوبهم وفي الحروب نعامات، فقال: ويل أمّه من مسعر حرب لو كان معه رأي أو عقل، واقتدى بأبي بصير.

وأبو بصير صحابي قصد المدينة بعد توقيع عهد الحديبية، فطالب المشركون بردّه، فردَّه النبي عليه الصلاة والسلام استيفاءً للعهد الموّقع والمعقود، فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص، وكان طريق أهل مكة إلى الشام، فسمع به من كان بمكة من المسلمين فلحقوا به، حتى كان في عصبة من المسلمين قريباً من ستين أو سبعين، وكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه، ولا يمر بهم عير إلا اقتطعوها، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لهم بهم.

طريقة حرب العصابات انتصرت بها كل البلاد المحتلة، من فيتنام إلى أفغانستان، ولو كان لدينا مسعّر حرب واحد شريف "لباست" روسيا وأمريكا التوبة، وسألونا بالله والرحم أن نكفّهم فيكفّونا.

سوريا الأسد بنسختها الثالثة تجدها في الجزيرة السورية، وهي أكثر وفاء لنهج الأسد ونشأت بتحالف معه ورعاية من لدنه وبركات، فهي تشبه دولة الأسد في الصور وفي الأصنام، وهو ما لا يجده المراقب في إدلب لأن أخاهم يلتزم بحكم تحريم تعظيم الأصنام وما ذبح على النصب من الأنعام غير البشر. وصورهم متشابهة، كأنهم توائم، وإذا مددت ببصرك ستجد إخوتهم الكبار، ملوك ورؤساء الأقطار العربية سعداء بهم، ويمدونهم بالمساعدات رغم خصوماتهم الصغيرة، فهم جميعا على جزمة رجل واحد.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (2)
أبو العبد الحلبي
الأربعاء، 28-04-2021 11:05 ص
المقال أكثر من رائع يا أستاذ أحمد و لا أرى فيه جلداَ للذات بل يدخل في إطار " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم " ، و هذا تعقيبي المتواضع فيما يختص بفقه الأحكام الشرعية : لم و لن يستطيع أحد من البشر أن يخادع الله فخديعة الإنسان مكشوفة ظاهرة عند علام الغيوب و من يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور . لا يخدع سوى نفسه من يقوم بإطلاق أحكام شخصية ، ينسبها بالافتراء لله عز و جل أو لرسوله الكريم صلى الله عليه و سلم ، ثم يزعم أنها أحكام شرعية. قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" جرى تضليل حولها ممن لا يتقون الله من مدَعي العلم الشرعي لفتح المجال أمام العاميين لانتهاك حرمات الله بل و ارتكاب معاصي ترقى إلى درجة الموبقات أو الكبائر . تحديد الضرورة لا يكون بناء على هوى النفس ، و إنما هنالك ضبط شرعي لهذا التحديد فمثلاً أكل لحم الخنزير حرام أو محظور قطعاً لكن لنفترض أن شخصاً كان ضيفاً على صديق في ألاسكا و انهمرت ثلوج تحولت إلى جليد و أقفلت المحلات و سدت الطرقات و انقطع تواصل الناس . لم يتبقى في براد أو ثلاجة الصديق سوى قطع لحم خنزير مطبوخة وزنها 2 كيلو غرام . هنا يأتي الهدى النبوي الشريف ، الذي جرى التعتيم عليه في عصرنا بشكل مقصود من أجل إفسادنا ، فلقد أوضح النبي - ص - حال الضرورة لمن سأله عن ذلك ، فقال : " أن يأتي الصبوح و الغبوق ولا تجد ما تأكله ." و المعنى أن يمرً على الشخص فطور و عشاء أي 24 ساعة من دون تناول طعام ، فعند ذلك يتناول ما يسدَ رمقه من لحم الخنزير و لا يتمادى فيقوم بالتهام 1 كيلو غرام مثلاً ففي هذا اعتداء أو تجاوز للحد. حديث الصبوح و الغبوق يقطع الطريق على المضللين و هو متعلق بإشباع حاجة أساسية يهلك من لا يشبعها . بالتالي ، لا يجوز لإنسان مثلاً اعتبار الهاتف النقال "الموبايل" ضرورة ثم بسبب عدم توفر المال اللازم لشراء الهاتف يستبيح لنفسه سرقته تحت زعم أنها ضرورة أباحت محظورة. عاش الناس قروناً من دون هذا الهاتف ، فأين الضرورة ؟ أما قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" فلقد نالها التشويه و التدليس من متعالمين مفسدين. من البديهيات العقلية التفريق بين الأشياء و الأفعال فمثلاً لم تكن الطماطم معروفة في عهد النبوة ، و لكن بما أنها شيء فالحكم الشرعي الأول عليها أنها مباحة من عدة زوايا "الزراعة و الاقتناء و التخزين و العصر و النقل و الأكل و الشرب" ما لم يظهر للفقيه المحقق للمناط أن هنالك ما يخرج الطماطم من دائرة الإباحة . هذه القاعدة يذكرونها و يتناسون أن الأفعال لها قاعدتها "الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي" . الأفعال محدودة محددة أكثر من الأشياء ، و على التقي أن يعرض فعله على الشرع قبل القيام به فإن أجازه أقدم و إن حرَمه أحجم و هذا العرض هو في العادة سريع لمن لديه أساسيات العلم الشرعي المفروض علينا جميعاً . نعود لقصة الهاتف النقال ، هو كشيء مباح اقتناؤه و لمسه و التأمل فيه ! لكن استعمال الهاتف (أو الفعل) قد يكون مفتوحاً لغالبية الناس ما داموا في السليم و قد يتوجب منعه نهائياً عن أفراد شاذين – أي الشيء يصير حراما بحق الشخص الذي يستعمله بالحرام تخصيصاً – كأن يمتلك جاسوس ، ينحدر من أسرة مسلمة ، هاتفاً من أجل خداع و استدراج الغافلات من بنات المسلمين فقط لا غير فهذا الحقير محاط بالحرام من كل جانب و في زاوية الأفعال و الأشياء معاً . تسعى جهنم لأن تمتلئ بالمزيد من أمثال هذا "يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ".
باسم إبراهيم
الثلاثاء، 27-04-2021 08:30 م
"طريقة حرب العصابات انتصرت بها كل البلاد المحتلة، من فيتنام إلى أفغانستان"، إذا تمسكت المعارضة المسلحة بأي أرض؛ فسيكون من السهل جداً على أي جيش نظامي هزيمتهم على هذه الأرض، والعكس صحيح؛ إذا لم يكن للمعارضة المسلحة أي أرض معروفة لهم؛ فسيحققون عنصر المفاجأة في عملياتهم ولن يعرف الجيش النظامي أي أرض لهم.