كتاب عربي 21

الإخوان في حزب "السعادة" التركي!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

يخطئ من يعتقد أن بيان نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بشأن "لقاء حزب السعادة التركي"، قطع قول كل خطيب حول هذا اللقاء، الذي قدم خدمة عظيمة للمتربصين بالجماعة، ويشبه في مفعوله، الخطاب الفتنة، الذي تم استهلاله بعبارة "عزيزي بيريز"؛ من حيث الأثر والمعالجة!


لم يكن الرد في الفتنتين على مستوى الأثر، حيث استهدف الرد هنا وهناك، دفن الرؤوس في الرمال، وحماية الجاني، والتستر عليه، وكما ظلت فتنة "عزيزي بيريز" سارية المفعول إلى الآن، سيستمر أثر اللقاء إلى ما شاء الله، يتم توظيفه في إثبات أن القوم لديهم استعداد فطري أن يبيعوا "صاحب الفضل"، عند أول منعطف، وهو كلام له مفعوله عند أهل مصر الطيبين!


ولهذا، فما أن أذيع خبر اللقاء بين قيادات تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في أنقرة، مع قيادات حزب السعادة "المعارض"، فإن الأبواق الإعلامية في مصر، وجدتها فرصة فقدمته على أنه النموذج على طبيعة الجماعة، وهناك ثلاثة – على الأقل – من هذه الأبواق، تناولت هذا اللقاء في اتجاه واحد ومحدد، على نحو كاشف بأنهم كانوا ينفذون رسالة واحدة، والثلاثة الذين استمعت إليهم تعليقاً على اللقاء هم: عمرو أديب، وأحمد موسى، ونشأت الديهي. وربما كان غيرهم في هذه الليلة، وقد وجدوها فرصة لتحريض النظام التركي لكي ينتبه إلى طبيعة ضيوفه، الذين استقبلهم على الرحب والسعة ومع ذلك فقد ذهبوا إلى معارضيه، ويتحالفون مع أعتى خصومه بهدف إسقاطه!


الوفد المسافر

 
اللافت هنا أن اللقاء كان في مقر الحزب في أنقرة، ومن قوم نعلم أنهم يقيمون في إسطنبول، فالوفد – بالتالي – سافر من حيث يقيم، إلى حيث يوجد مقر الحزب!


واللافت – كذلك – أن الوفد لم ينشر خبر اللقاء، لكن من أذاعه هو الحزب، ولو أذيع من طرف "الوفد المسافر"، لخفف من حدته، ولما تم التعامل معه على أنه صيد ثمين، فلماذا هذا التستر، هل لأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس؟!

"السعادة" بحرصه على نشر خبر اللقاء وصورته، انما يسعى لتوظيفه في هذه الحرب، والانتخابات على الأبواب، صحيح أن المصريين في تركيا عموماً، ليسوا من حيث العدد أو الفاعلية، مؤثرين في المشهد السياسي التركي بأي درجة، لكن سيكون مهماً في الحملات الانتخابية

عندما أعلن قيادي كبير في جماعة الإخوان المسلمين، أن حزب "السعادة" التركي أقرب إليهم كجماعة من أردوغان وحزب العدالة والتنمية، اعتبر البعض أن التصريح يفتقد للياقة، فالذي يستقبل الإخوان وغيرهم على الأراضي التركية هو حزب أردوغان، وليس حزب أربكان، لكن مع هذا فإن التصريح كان يمثل الحقيقة، وربما كان مفيداً للرد على الدعاية الإعلامية في القاهرة، التي تصور أردوغان على أنه "إخوان" على خلاف الواقع.


والمعنى، أن التصريح الذي كان يعبر عن الواقع، لم يرتح له البعض، وهو ما كان يستدعي أن يفكر القوم بدلاً من المرة ألف مرة قبل أن يتورطوا في لقاء حساس في وقت أكثر حساسية مما مضى، لأنه لم يحدث منذ أن وطئت أقدامهم الأراضي التركية أن عقدوا لقاء كهذا الذي تم بعد سبع سنوات من وصولهم المبارك، وفي وقت يتقارب فيه النظام التركي مع أهل الحكم في مصر، وبعد رسائل تحجيم القنوات المصرية في تركيا.


لست في معرض تقييم الخلاف الحاصل بين حزب "السعادة" وأردوغان، لكن يكفي للتأكيد على حساسية الموقف، أن نشير إلى أن "السعادة" هو الأعلى صوتاً والأكثر نفيراً في مواجهة حزب العدالة والتنمية، ليس الآن فقط ولكن – أيضاً - في حياة مؤسسه نجم الدين أربكان، الأستاذ المعلم للرئيس التركي.

 

فمن الواضح أن مؤسسي الحزب أصابهم ما أصاب أخوة يوسف، وإذ انطلقوا من قاعدة الإخلاص للمبدأ وكراهية المناورة، وباعتبار أن رجب أردوغان خرج على قواعد الاستقامة السياسية، فإنهم لم يكونوا مبدئيين، وهم يتحالفون مع الأعداء، من أجل إسقاطه، ووضع أيديهم في أيدي العلمانيين!


وفي اعتقادي أن "السعادة" بحرصه على نشر خبر اللقاء وصورته، انما يسعى لتوظيفه في هذه الحرب، والانتخابات على الأبواب، صحيح أن المصريين في تركيا عموماً، ليسوا من حيث العدد أو الفاعلية، مؤثرين في المشهد السياسي التركي بأي درجة، لكن سيكون مهماً في الحملات الانتخابية، أن تبدو الفكرة الإسلامية ليست مع أردوغان، وخصومه يلعبون على كل الجبهات، وكانت هناك جبهة كانت مفتوحة في السابق لم يلاعبه فيها أحد.


هناك عدد من الأحزاب تخاطب الناخب العلماني، أو المعادي للفكرة الإسلامية، ومع هذا لم تتمكن في أي انتخابات سابقة من اسقاط أردوغان، ومن هنا تأتي أهمية ما يقوم به حزب "السعادة"، مع بعض أصدقاء أردوغان السابقين للمنافسة على هذه الأرضية، وإذا كانت منطقة الفاتح بإسطنبول من معاقل التوجه الإسلامي، فإن هناك من رصدوا حضوراً كبيراً لأحمد داود أوغلو كبديل لأردوغان من حيث اللافتات المرفوعة، ومن هنا تأتي أهمية اللقاء مع إخوان مصر لحزب "السعادة،" وفي المقر الرئيس للحزب!


مغازلة السعادة

 
ويدرك الرئيس التركي خطورة منازلته على ذات الأرضية، ممن يقدمون أنفسهم على أنهم الأكثر اخلاصاً للمبادئ الدينية منه، فبدأ مؤخراً في التقارب مع حزب السعادة، لأخذه بعيداً عن الأحزاب العلمانية، فزار قبر نجم الدين أربكان، كما زار رئيس المجلس الاستشاري للحزب في منزله بأنقرة، وعندما تم الدفع بـ "عثمان نوري" لرئاسة أمانة حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، بدون منافس، كان اختياراً من باب مغازلة السعادة، لأن الرجل من رفاق أربكان المقربين منه!


وقد تم رصد أن الإعلام الموالي للرئيس رجب أردوغان، قد بدأ منذ العام الماضي الاحتفال بذكرى أربكان في شهر فبراير!


ورغم أن حزب "السعادة" وقف ضد محاولة الانقلاب الفاشلة، كما أنه أيد قرار الدفع بالقوات التركية إلى ليبيا، لكن يظل الأداء العام معادياً، وتظل كل محاولات أردوغان للتقارب، تعبيراً عن الحب من طرف واحد!
والحال كذلك، فإن أي لقاء في هذه الأجواء كاشف عن افتقاد اللياقة السياسية، إلا إذا كان السبب منه العمل على المصالحة، وتقريب وجهات النظر، وهو دور كان ينبغي أن يقوم به قادة الجماعة الأم منذ وصولهم إلى تركيا، وإذا كان التقاعس عن ذلك يرجع إلى أن القوم لا يريدون أن يبدوا طرفاً في أي فعل سياسي تركي داخلي، نتيجة سيطرة الإحساس بالغربة وأنهم ضيوف، فإنه يسري عليهم القول المصري: "يا غريب كن أديب"، فلماذا هذا اللقاء الآن؟!


لقد جاء بيان "إبراهيم منير" نائب المرشد العام للجماعة، في سياق التبرير بدلاً من المواجهة، بالقول إن من ذهبوا إلى هناك لم يذهبوا بصفتهم إخوان، ولكن لأنهم يمثلون ما يسمى باتحاد الجمعيات المصرية، لعرض أحوال ومتطلبات اللاجئين المصريين في تركيا.


وبعيداً عن الجدل الذي لا لزوم له حول مصطلح لاجئ، وكيف أنه لا يسري على المصريين هناك، وهذا صحيح، فإن حديث اتحاد الجمعيات هذا باعتباره كيانا بعيداً عن الإخوان، تبدو مناقشته عبثاً لن يفضي إلى شيء!، وعندما يقول إن الهدف من اللقاء هو عرض أحوال ومتطلبات اللاجئين، فإن الأمر يزيد الوضع غموضاً؛ فماذا في يد حزب معارض، قيمته الوحيدة في مجرد المشاكسة السياسية، من قدرة على حل مشاكل "اللاجئين السياسيين"؟، وما هي الأحزاب الأخرى التي تفضل وفد اتحاد الجمعيات المصرية بزيارة مقارها (وهم للصدفة كانوا جميعاً من الإخوان) قبل وبعد زيارته للمقر الرئيس لحزب "السعادة" في أنقرة؟! وكم مقر حزب زاروا منذ تأسيس اتحاد الجمعيات المصرية؟!


"عزيزي بيريز"

 
لا أخفي أنني استشعرت أن البيان إنما يغطي على الأمر بدلاً من مواجهته، ويستر على من قاموا باللقاء بدلاً من محاسبتهم، ليذكرني هذا كما قلت في البداية بواقعة خطاب عزيزي بيريز، الذي لا يزال إلى الآن موضوعاً للمزايدات الرخيصة من قبل من ينحازون لنظام يرى أن من مهامه الوظيفية حماية أمن إسرائيل، لكن السيسي لم يرسل خطاب عزيزي بيريز أو عزيزي نتنياهو!


وهذا الجدل السقيم حول خطاب عزيزي بيريز، يرجع إلى أن معالجة الأمر لم تكن على مستوى المسؤولية، فقد ارتكب في القصر الجمهوري، ولم يكن خطأ مصلّ بمسجد الكخيا، تجاوز عنه الإمام الراتب!


فالرئيس محمد مرسي لم يكتب خطاب "عزيزي بيريز"، لكنه دس له، ومن دسه هو ضابط بالرئاسة، فلما وقعه، وهو يوقع على "البوسطة اليومية" بدون أن يطالعه، ذهب الخطاب إلى الإعلام في مهمة استهداف الرئيس، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ومع هذا يخاطب "العدو" التاريخي للأمة بكل هذه الحميمية!


وكانت المعالجة تقتضي فتح تحقيق في الأمر، يكون الرأي العام متابعاً لتفاصيله، وعندما يتم التعرف على الجاني، تتخذ ضده الإجراءات القانونية، ويتم التشهير به على رؤوس الأشهاد!


بيد أن الرئاسة ذهبت في اتجاه التستر على الجاني، مع أنه ارتكب جريمتين: دس الخطاب، وتسريبه إلى الإعلام، وربما إلى قياداته العليا التي قامت هي بتسريبه، بما كان يعني أننا أمام خلية معادية للرئيس داخل القصر أو خارجه يعمل لصالحها هذا الضابط!


قالت الرئاسة إن الخطابات القديمة لديها مكتوبة بهذه الصيغة، وكان ردنا: وهل قمنا بثورة لكي نحافظ على ذات الصيغة القديمة في خطابات الرئاسة؟


ولم يكن الأمر يحتاج إلى تحقيق للتوصل إلى الجاني فقد عُرف منذ اللحظة الأولى واعترف، وطلب العفو وحصل عليه، لأنه "صاحب عيال"، وهل كانت العقوبة إذا حدث التحقيق هي الإعدام رمياً بالرصاص ليتم الخوف على مستقبل عياله؟!


إنه تواضع الأداء، الذي يشبهه بيان التستر على من قاموا بهذه الزيارة، وإذا قاموا به بصفتهم أعضاء في اتحاد الجمعيات هناك، فلماذا لم يجدوا لديهم فائضاً من الشجاعة للخروج على الناس والدفاع عن موقفهم وتركوا لبيان نائب المرشد معالجة الموقف؟، ولماذا لم يطلبوا من حزب السعادة، تصويب الخبر، بأنه لقاء بصفتهم ممثلين لاتحاد الجمعيات وليس لتنظيم الإخوان المسلمين؟!


وبصريح العبارة، هل كان اللقاء من وراء ظهر نائب المرشد، فلما علم به وجد دوره سترهم بطرف ثيابه؟!
إنه – إذن – الخطأ في معالجة الأخطاء هنا وهناك!

2
التعليقات (2)
أتفق مع المقال 100%
الإثنين، 03-05-2021 08:38 م
رغم أنني في أحيان كثيرة أسجل اعتراضاتي على جوانب من مقالات الأستاذ سليم عزوز، إلا أنني أتفق معه تماماً في كل ما قاله عن هذه الزيارة المشؤومة من هؤلاء البلهاء وممن خطط لها وممن حاول التستر عليها وممن أظهر بلاهة في الدفاع عنها. بل كان يجب محاسبتهم حسابا شديداً إن تصرفوا من أنفسهم أو استقالة كل من تورط فيها تخطيطاً وقراراً وتنفيذاً وتستراً وتبريراً. لن تفلح جماعة الإخوان وهي تتخبط على هذا النحو. شكراً للرئيس أردوغان وحزبه على استضافته بكل أريحية الإخوان وجميع القوى السياسية وغير السياسيين الذين كان ضحية للانقلاب الدموي الخسيسي في مصر.
محمد سيف
الإثنين، 03-05-2021 04:19 م
بصراحة اقف عاجزاً امام براعة الإستاذ سليم عزوز في التوصيف واتفق معه في ما ذكر وارى ان الإخوان قد دقوا اول مسمار في نعشهم لدى النظام التركي وكعادتهم اغبياء سياسياً سوف يقدمون لأي طرف السكينة التي يذبحهم بها واتمنى ان يسمعوا النصيحة ويحلو الجماعة لأنهم اصبحوا مثاراً للشفقة