كتب

ما هو الدور الذي لعبته مدينة القيروان في الحضارة الإسلامية؟

القيروان.. واحدة من عواصم الإسلام في نشر الدعوة والتأصيل لها- (عربي21)
القيروان.. واحدة من عواصم الإسلام في نشر الدعوة والتأصيل لها- (عربي21)

الكتاب: "القيروان ودورها في الحضارة الإسلامية"
الكاتب: محمد محمد زيتون
الناشر: دار التوفيق النموذجية القاهرة
عدد الصفحات: 575 صفحة


1 ـ بين يدي الكتاب

جاء في الصفحات الأخيرة من الأثر: "لقد اتسمت القيروان منذ نشأتها بأنها نصر إسلامي يقع على كاهله واجب كبير وشاق في نشر الدعوة الإسلامية وتعميم اللسان العربي في هذه البقاع وقد تمكنت القيروان في النهاية من ذلك. وساعدها على نشر اللغة كثير من الأمور". 

وفي هذه الأسطر يمكن أن نختزل أطروحة الكتاب بأسره. وأن نعتبر أنّ ما ورد طيه من المعطيات التاريخية والحضارية ليس سوى تدعيم لهذه الأطروحة. وينخرط هذا المبحث ضمن هاجس لازمَ دارسي التاريخ الإسلامي. فالمعارف حول أسلمة شمال إفريقيا ودمجه في مجرى التاريخ الإسلامي تبقى محدودة. 

ولئن اختار الباحث أن يدخل المسألة من باب القيروان، فإنه ظلّ منشدّا إلى تاريخ المنطقة ككلّ باعتبار ما للمدينة من إشعاع سياسي وحضاري وفكري على المنطقة ككل. فينزّل تأسيسها ضمن اتجاه الفتوحات الإسلامية غربا الذي بدأ بفتح جيوش عمرو بن العاص لمصر واتجاهها من الإسكندرية إلى برقة ثم طرابلس (21 ـ 26). ويذكر قيام هذه الجيوش بأول غارة في قلب إفريقية سنة 27 ضمن ما بات يُعرف بغزوة العبادلة السبعة التي قادها عبد الله بن سعد وتلتها حملات معاوية بن حديج في بدايات العهد الأموي وما عقبها من غارات جدّت بين سنة 34 ه و46 ه، وكانت بمثابة اختبار للقوى وتأمين للموارد، وهي الفترة التي يصطلح عليها الباحث هشام جعيط بالمرحلة الاستكشافية.
 
ثم يعرض محمد محمد زيتون في الشطر الأوّل من الأثر وقائع نشأة المدينة منزّلا الحدث في سياقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فيبرز الأسباب التي دفعت عقبة بن نافع إلى تأسيسها سنة خمسين للهجرة وكيفية اختيار مكانها والتخطيط الذي وضعه لها. ويربط ذلك بالحاجة إلى قاعدة تنطلق منها  الجيوش الإسلامية بعد أن استقرت أوضاع الدولة الإسلامية في الشام إثر محنة الفتنة الكبرى وتفرّغها إلى مقارعة الدولة البيزنطية في الأصقاع المختلفة وبموقع المدينة الإستراتيجي. أما وجه الخصوصية الذي يمنح الأثر قيمته المضافة فيتعلّق في تقديرنا بالشطر الثاني منه. فقد خصّصه الباحث لعرض الحياة الفكرية في المدينة. وهو ما سنعمل على إبرازه في مقالتنا هذه.

2 ـ القيروان مدينة الصحابة

يذكر الباحث، بالاستناد إلى مصادره التاريخية، أن عقبة حينما عاد إلى المدينة في ولايته الثانية، اصطحب معه خمسة وعشرين صحابيا وأنه جمع وجوه أصحابه، وأخذ يطوف بالمدينة مردّدا: "اللهم املأها علما وفقها واعمرها بالمطيعين والعابدين واجعلها عزا لدينك وذلا على من كفر واعزّ بها الإسلام وامنعها من جبابرة الأرض". 

وبصرف النظر عن صعوبة الفصل بين التاريخي والأسطوري من هذه الرواية، فإنها تؤكد أن شيئا من مكانة القيروان في وجدان المسلمين يعود إلى استقبالها لعدد من الصحابة. فمؤرخو الطبقات يذكرون أنْ قد دخلها خلال فترة فتح إفريقية تسعة وعشرون صحابيا، وقيل ثلاثون، منهم أبو ذر الغفاري وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأبو يسر كعب بن عمر الأنصاري، وأنّ بعضهم شهد العقبة ومنهم من شارك في بدر ومنهم من شهد بيعة الرضوان وصلى إلى القبلتين. فمكث فيها من مكث وعاد إلى ديار الشرق من عاد. 

ومن التابعين الذين أسهموا في بعث الحياة الفكرية في المدينة وتنميتها، يذكر أبا عبد الله محمد بن أوس الأنصاري الفقيه الصالح الراوي الدّاري وحنش بن عبد الله الصنعاني شيد بها منزلا ومسجدا وكان حلقة وسطى فروى عن الصحابة ثم روى عنه كلّ من عبد الرحمن بن أنعم وقبس بن الحجاج. فمن هذه الأسباب اعتبرت القيروان مدينة علم وأشعت على كامل الغرب الإسلامي.

3 ـ بداية تشكلّ الحركة الفكرية

كان عمر بن عبد العزيز قد أرسل بعثة علميّة إلى القيروان سنة 100 للهجرة، مكونة من عشرة فقهاء من رجال التّابعين في نهاية القرن الأول الهجري. وجعل على رأسهم عبد الله بن يزيد المعفري الحلبي. وعلى رواية حسن حسني عبد الوهاب. فـقد "اختطَّ كل واحد منهم داراً لسكناه، وبنى بحذائها مسجداً لعبادته ومجالسه، واتّخذ بقربه كُتَّاباً لتحفيظ القرآن، وتلقين مبادئ العربيّة لصغار أطفال البلد، وأشاعوا الرشد، وعلّموا الحلال والحرام، وحرصوا على الأمن والتآخي، فكان إسلام البربر نهائيا من آثار هذه البعثة الكريمة". 

وضمن عمل توثيقي مضن. يعرض الباحث قائمة بأسماء التابعين الذين وفدوا إلى المدينة وسيرة كل منهم ويعرض أخرى بأسماء أبناء القيروان الأوائل الذين شدوا الرحال إلى الشرق ثم عادوا إليها  ليكونوا من الفاعلين فيه الحياة الفكرية. فمنهم عبد الرحمن بن زياد القاضي وعبد الله بن فروخ الفارسي والبهلول بن راشد الرعيني وعبد الله بن عمر الرعيني القاضي، فقد كانوا يمثلون الجيل الثاني من المهاجرين إلى القيروان عربا وفرسا، وقد خلت قائمته من أبناء من البربر. وهذا طبيعي فهم لم يكتسبوا الثقافة العربية ولم يندمجوا في الحياة الفكرية بعد.

 

لئن اختار الباحث أن يدخل المسألة من باب القيروان، فإنه ظلّ منشدّا إلى تاريخ المنطقة ككلّ باعتبار ما للمدينة من إشعاع سياسي وحضاري وفكري على المنطقة ككل. فينزّل تأسيسها ضمن اتجاه الفتوحات الإسلامية غربا الذي بدأ بفتح جيوش عمرو بن العاص لمصر واتجاهها من الإسكندرية إلى برقة ثم طرابلس (21 ـ 26).

 



وعن هذه البعثة نشأت في المدينة حركة علمية جعلت منها أهم المراكز العلمية في بلاد المغرب على مدار القرون الإسلامية الأولى. وكان منطلقها تدريس العلوم الشرعية من قرآن وحديث وتفسير وفقه. ثم تأسست مدارس جامعة أطلق عليها اسم دور الحكمة وظهر علماء أفذاذ ترسّخوا المذهب المالكي في شمال إفريقية من أمثال الإمام سحنون صاحب "المدونة" ومحمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني صاحب "الرسالة". وشمل المجال الفكري علوم العربية وآدابها من خطابة وشعر وكتابة والعلوم العقلية والعقائدية. فشمل التأليف مختلف المذاهب الإسلامية. وتزامن ذلك مع حركة تعريب تلقائية سببها العدد الهائل من العرب الوافدين على المدينة ضمن عملية الفتح.

4 ـ ازدهار الحياة الفكرية
 
يربط الباحث ازدهار الحياة الفكرية والثقافية بقيام الدولة الأغلبية. فقد عرفت مختلف العلوم والفنون والآداب نهضة منشؤها ذلك التفاعل بين الذين عادوا من المشرق مزودين بمعارفه والذين قصدوها من الأندلس والمغرب وصقلية ليلتحقوا بحلقات الدروس فيها وليغترفوا من ثقافة مفكريها أو الذين استقدمهم الحكام لنشر العلوم فيها. يعرض أعلاما من المذاهب الأربعة مبرزا غلبة المذهب المالكي فالحنفي.

وكانت المناظرات تعقد في البلاد من قبل الأمراء، تشجيعا للحياة الفكرية وبحثا عن أقوم السبل لمقاربة بعض المسائل. يذكر عن أبي العرب بن أحمد التميمي القيرواني في طبقات علماء إفريقية وتونس أنّ عبد الله بن أبي حسان قال: دخلت على زيادة الله بن إبراهيم فأصبت عنده أسد بن الفرات وأبا محرز وهما يتناظران في النبيذ المسكر وأبو محرز يذهب إلى تحليله وأسد يذهب إلى تحريمه. فلمّا أن قعدت قال لي زيادة الله: ما تقول يا أبا محمد؟ فقلت له قد علمت سوء رأيي فيه وقاضياك يتناظران فيه بين يديك. فقال لي ناظرني أنت ودعهما..". ولم يختلف الأمر أثناء الحكم الفاطمي الشيعي. فرغم اضطهاد كثير من العلماء، ممن لم ينقادوا إلى المذهب الشيعي خاصّة، ازدهرت حول الحكم حياة فكرية في شتى العلوم والآداب. ويقدم، ضمن جهده التوثيقي، مسردا لأعلام الفكر والثقافة والآداب في فترة الدولتين الأغلبية والفاطمية 239 ـ 415 للهجرة.

5 ـ العلاقات الفكرية بين القيروان وغيرها من مراكز الفكر 

يدرس محمد محمد زيتون علاقات القيروان الفكرية. فيخلص إلى أنها كانت مدينة منفتحة. فقد خولت علاقاتها بغيرها من مراكز الفكر والثقافة في البلدان الإسلامية ازدهار معارفها ونموّها وفق محورين، فقد غلب على علاقتها بمكة والمدينة ومدن العراق كالكوفة والبصرة وبغداد ومصر التأثرُ والأخذُ. وتم ذلك عبر الرحلات والمكاتبات والاستشارات واقتناء الكتب. وكانت في الآن نفسه مؤثرة في محيطها الجغرافي. فقد كانت الوفود تصلها من المغرب الأوسط والأقصى والأندلس وصقلية لتأخذ من حلقات دروسها المعارف المتصلة العلوم الدينية والطبية وبالآداب والفنون. فيبرز أن القيروان في النهاية كانت أكثر من قاعدة تستقر بها الجيوش الإسلامية، وفق ما أريد لها في البداية، أو جسر تعبر من خلاله الدعوة المحمدية والثقافة العربية والإسلامية من المشرق إلى المغرب. 

ويثبت أنها لم تكن متأثرة دائما في علاقتها بالشرق "ذلك أن القيروان مع تأخر تأسيسها عن الكوفة والبصرة والفسطاط، إلا أنها قد انفردت ببعض الأحاديث التي رويت عن الصحابة فيها بما يعطي لها فضل المشاركة في المنزلة التي كانت تتميّز بها المدن التي سكنها وأقام بها بعض الصحابة رضي الله عنهم." فعنهم كانت تروى الأحاديث النبوية "حتى أنّ الثوري قال: جاءنا عبد الرحمان بن زياد الإفريقي بستة أحاديث يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمع أحدا من أهل العلم يرفعها". وعامة فقد أضحت نقطة ارتكاز تفد إليها هذه الثقافة فتأخذ من روحها المتأثرة بطباع أهل إفريقية ونفسياتهم ثم تنطلق وقد اكتسبت أفقا جديدا.

6 ـ القيروان ودورها في الحضارة الإسلامية وبعد

لهذا الأثر "القيروان ودورها في الحضارة الإسلامية " أهمية توثيقية بيّنة. فهو يقدم قاعدة بيانات للقارئ تحيطه بوجوه مختلفة من الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية في القيروان، في المرحلة الواحدة وفي تعاقب المراحل المختلفة. فكان دراسة آنية، تبحث في الأسباب والمظاهر والنتائج، زمانية تبحث في ما ينشأ من تطوّر على مرّ تاريخ المدينة، في آن واحد. فتسهّل على الدارس الوصول إلى خصائص هذه الفترة، وتقدم له ضمن المصادر والمراجع قائمة ثرية جدّا من جهة العناوين، مفيدة من جهة المواضيع دقيقة من جهة مواضعها في هذه المدونة، إن هو أراد العودة إلى المبحث بنفسه ليقاربه المقاربة المختلفة. وهذا بديهي فصاحبه مؤرّخ مبرّز. ومع ذلك فحرص الكاتب على البعد الموسوعي جعله يشق صفحات التاريخ شقا رأسيا، دون أن يتوقف عند المحطات الكبرى والفارقة والإشكاليات التاريخية ودون أن يطرح الأسئلة النقدية التي تثيرها مختلف المراحل أو الروايات.

إلى ذلك جمع الأثر بين التأريخ والكتابة الحضارية الفكرية. ورغم ما أضفته تلك المداخل من الثراء فإنه ظلّ يلامس هذه الاختصاصات جميعا دون أن يلتزم بمقومات مبحث منها بعينه. فعن وضع المرأة في القيروان يذكر، على سبيل المثال "حيث شاركت الرّجل في الدفاع عن المدينة وحمل السلاح معه جنبا إلى جنب مع رعايتها لشؤون بيتها، وقامت ببعض الأعمال اليدوية داخل المنزل وكانت تتمتع بشخصية قوية وبالحرية الكاملة مما أدى إلى قلة تعدد الزوجات في القيروان وأدى هذا الوضع المشرّف للمرأة إلى تماسك الأسرة وقوة بنيانها وشدة تأثيرها في المجتمع القيرواني". 

ولكنه يورد الملاحظة مُسقطة ويترك قارئه على سغب. فلا يذهب بعيدا في ملاحظته الدقيقة، من منطلق سوسيولوجي ليربط المبحث براهن المرأة في تونس اليوم مقارنة بغيرها في عامة الأقطار العربية، وهو الأمر نفسه الذي نلاحظه حينما يحول وجهة أثرة فجأة ليدرس الملابس والطعام والتسلية والترفيه والمواكب والنظافة.. فيرصد قوائم عديدة دون أن يوظفها من خلفية أنتروبولوجية ثقافية أو اجتماعية ليتعمّق في فهم الثقافات والظواهر والسلوك.


التعليقات (7)
يوسف
الجمعة، 23-12-2022 01:55 م
اريد ان ابحث اكثر في الموضوع
نرمين
الأحد، 27-03-2022 08:38 م
لم استفيد منه كتيرا
أمين
الثلاثاء، 08-03-2022 04:35 م
شكرااا معلومات رااااائعة تستحق الإشتراك
لؤي
الخميس، 03-03-2022 06:38 م
برشاا
صفاء
الإثنين، 28-02-2022 06:16 م
لم أفهم شيء