سياسة دولية

هل بالغت فرنسا برد فعلها على فشل صفقة الغواصات؟

فرنسا غواصة فرنسية
فرنسا غواصة فرنسية

أثار الغضب الفرنسي المتصاعد، بعد إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات فرنسية، تساؤلات عن أسبابه وهل كان مبالغا به أم لا، وجاء إلغاء كانبيرا الصفقة بعد توقيعها اتفاقا أمنيا مع واشنطن ولندن، تستفيد منه بأنها تحصل على غواصات تعمل بالوقود النووي.

وقامت فرنسا لأول مرة بسحب سفيرها من واشنطن، وعلى الرغم من عودته، إلا أن هناك أيضا تساؤلات عن ردود الفعل التي يمكن لباريس اتخاذها ضد الولايات المتحدة وأستراليا.

غضب محق

ويرى البروفيسور الفرنسي يرتراند بادي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية الفرنسية، بأن "غضب فرنسا محق وصادق بمعنى غير مبالغ به".

وأوضح بادي خلال حديثه لـ"عربي21"، بأن "مرد الغضب الفرنسي المتصاعد هو أن إلغاء صفقة الغواصات يُلحق الضرر بأمرين مهمين للسياسة الخارجية الفرنسية، أولا الإضرار بمكانتها كقوة عالمية، ثانيا التأثير السلبي على الفوائد التي تجنيها من حلف شمال الأطلسي".

وأضاف: "ولكن الحوار الأخير بين بايدن وماكرون يعطي دليلا على أن فرنسا تتوقع أولاً من واشنطن أفعالا تعبر عن الوفاء الأمريكي، وثانيا اعتراف أمريكي حقيقي بالمرتبة التي تزعم فرنسا أنها تحتلها في العالم".

أسباب عدة منها اقتصادية

من جهتها، أشارت الدكتورة سيلين إلهام جريزي، الأكاديمية والمحللة السياسية من باريس، إلى أن "هناك أسبابا عدة أدت لهذا الغضب الفرنسي المتصاعد، أولها الجانب الاقتصادي، حيث خسرت فرنسا مليارات الدولارات نتيجة خسارة هذه الصفقة".

وتابعت سيلين خلال حديثها لـ"عربي21": "السبب الثاني هو تزعزع الثقة التي كانت بين فرنسا من جهة وأمريكا وأستراليا من جهة أخرى، والسبب الثالث الإحساس بالخذلان بأن الدول الثلاث ضمن تحالف اوكوس طعنت فرنسا في الظهر عبر إلغاء صفقة الغواصات".


وأضافت: "أيضا خروج واشنطن السريع من أفغانستان وضع الأوروبيين بشكل عام والفرنسيين والألمان بشكل خاص في ورطة، حيث هدد ذلك مصالحهم في المنطقة ووضعهم في حرج بإدارة أزمة الهجرة الأفغانية، بمعنى هناك أن مجموعة من المشاكل التي خلقتها واشنطن لأوروبا وتحديدا فرنسا، وجاءت صفقة الغواصات لتكملها، بالمحصلة هي مجموعة من التراكمات جعلت الغضب الفرنسي يتصاعد".

وحول إذا ما كان الغضب الفرنسي مبالغا به أم لا، اعتبرت بأنه "غضب مبرر، خاصة أن فرنسا كانت تنتظر الخير من جو بايدن، حيث كانت ترى بأنه قد يكون مختلفا عن ترامب الذي عُرف عنه اتخاذ القرارات الأحادية، لذلك استمرار نفس النهج من قبل بايدن حتى ولو  بطريقة مختلفة زاد من غضبها، حيث أغلقت واشنطن في ظل حكمه الأبواب في وجه الأوروبيين".

إلا أنها استدركت بالقول: "ولكن نعم هناك مبالغة إلا أنها محسوبة جيدا من طرف فرنسا، لأنها ترى أنه يجب ألّا تخرج خالية الوفاض من هذه الصفقة وأن تسعى لمقايضتها بملفات أخرى".

الرد الفرنسي

ويبقى السؤال المهم، هل سيبقى الرد الفرنسي مقتصرا على سحب سفيرها من واشنطن، أم أنها ستتخذ ردود أفعال أقوى من ذلك.

ولفتت الباحثة سيلين جريزي، إلى أن "باريس ستكتفي مبدئيا بسحب السفير والذي أعادته، وستكتفي أيضا بإلغائها حفل في سفارتها بواشنطن، وإلغاء اجتماع وزراء الدفاع بينها وبين بريطانيا، وبالتالي لن تسارع لاتخاذ خطوات أقوى من ذلك".

وأكملت مستدركة بالقول: "لكنها بالتأكيد ستبحث عن طرق أخرى تعوضها عن خسارتها، منها مثلا أن تقوم أمريكا وأستراليا بتعويضها بطريقة غير مباشرة، عبر استئجار كانبرا غواصات منها لحين انتهاء الغواصات النووية".

كارثة انتخابية

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في فرنسا، تأتي صفعة إلغاء صفقة الغواصات لتنضم لعدة صفعات تعرض لها ماكرون ومنها الأزمة الاقتصادية، وتنامي شعبية منافسيه من اليمين المتطرف، بنفس الوقت، تدني شعبيته في معقله "اليسار الفرنسي" وذلك نتيجة لتصريحاته ضد المسلمين وغيرهم والتي اعتبرت أنها عنصرية ويمينة.

ما يدفع للتساؤل عن تأثير إلغاء الصفقة على حظوظ ماكرون الانتخابية، وهل سيسعى لاستخدام غضبه وسعيه لتعويضها في حملته الانتخابية؟

تشير المحللة السياسية سيلين إلى أن "وضع ماكرون داخليا فيه نوع من الهشاشة أيضا فهناك رفض له"، وتضيف متسائلة: "لكن هل سيستخدم قضية الغواصات لأغراض انتخابية، الجواب نعم ولا، ففرنسا في طريقها الآن لانتخابات وطريقة إدارة الأزمة قد تؤثر سلبا أو إيجابا على نتيجة ماكرون فيها، خاصة أنه في وضع محرج فشعبيته متدنية جدا، أيضا له مجموعة قوية من المنافسين، وبالطبع إضافة لخسارته صفقة بـ 5 مليار يورو، والتي كان بإمكانها توفير فرص عمل كثيرة وتساهم بحلحلة الوضع الاقتصادي".

وتابعت: "بالتالي قد يكون حسن إدارته للأزمة لصالحه بمعنى طريقة تعامله مع الدور الريادي لفرنسا، بمعنى الرجوع للريادة خاصة بعد خروج بريطانيا باتفاق البريكست ومشاكل ألمانيا الداخلية، ولهذا إذا حل الموضوع بطريقة إيجابية قد يمنحه ذلك نقاطا إضافية لشعبيته، ولكن اذا خسرها قد تكون المسمار الأخير بنعش ماكرون وحكومته برغم أن الصورة الانتخابية الحالية ضبابية".

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية الفرنسية، ومركز دراسات السلام الدولية وحل النزاعات، يرتراند بادي: إن "هناك تقليدا اتبعه جميع الرؤساء الفرنسيين خلال الجمهورية الخامسة، وهو أنهم يستمدون شرعيتهم المحلية من مكانتهم الدولية، وهذا هو السبب في أنهم كانوا جميعا ينشطون للغاية على الساحة الدولية ويروجون لسياسة خارجية فائقة الإنجاز، لهذا أعتقد بأن الإذلال الدولي الذي تعرض له ماكرون عشية الانتخابات الرئاسية هو كارثة انتخابية بالنسبة له".

التعليقات (0)