قضايا وآراء

المعارضة المصرية وصرخات السجناء

قطب العربي
1300x600
1300x600
لم يكن إضراب الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة، رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية السابق، عن الطعام في محبسه احتجاجا على ظروف الحبس الذي بدأه أمس السبت (25 أيلول/ سبتمبر) هو الأول، فقد سبقه مئات السجناء إلى الإضراب عن الطعام سواء بشكل فردي أو بشكل جماعي؛ ليُسمعوا صوتهم لسجانيهم وللعالم الذي انشغل عنهم بعديد القضايا الأخرى.

لم يتوقف الأمر على الإضراب عن الطعام، بل وصل إلى حد الانتحار أو التلويح به. وقد أشرت في مقال سابق بتاريخ 29 آب/ أغسطس الماضي إلى ظاهرة الانتحار في السجون المصرية (والتي شملت عدة حالات فعلية)، وكان أحدث مظاهرها تهديد الناشط السياسي علاء عبد الفتاح بالانتحار لقسوة ما يعانيه داخل محبسه وحرمانه من أبسط حقوقه، حتى أن والدته الأستاذة الجامعية ليلى سويف ترابط أمام السجن بشكل شبه دائم أملا في الحصول على خطاب من نجلها يطمئنها على حالته.. هذا الحق البسيط جدا حرمت منه أيضا أسرة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق، والذي يعاني العديد من الأمراض التي تحتاج رعاية طبية خاصة، حسبما نشر نجله على صفحته قبل أيام.

يتصاعد القمع وحرمان سجناء الرأي تحديدا من أبسط حقوقهم داخل محابسهم، في الوقت الذي أطلق فيه النظام المصري ما وصفه بـ"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، والتي جاءت توقيا لضغوط دولية، واستباقا لقرار أمريكي باقتطاع جزء من المعونة السنوية (تم فعلا اقتطاع 130 مليون دولار من تلك المعونة بسبب استمرار الانتهاكات)، وهي الاستراتيجية التي عاود السيسي الافتخار بها في كلمته في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة.

شتان بين الاستراتيجية النظرية لحقوق الإنسان التي احتفى بها النظام وحاول صناعة حدث دولي كبير منها، وبين الممارسة العملية، إذ لم يكد يمر يوم أو يومان بعد مهرجان الاستراتيجية حتى أعلن السيسي في تصريحات لأحد البرامج التلفزيونية عن إنشاء مجمع سجون جديد هو الأكبر، إذ يضم ثمانية سجون، تضاف إلى 78 سجنا في عموم مصر، أنشئ نصفها تقريبا في عهد السيسي، أي أنه بدلا من احترام حقوق الإنسان بالإفراج عن سجناء الرأي الحاليين وتفريغ السجون للجنائيين، يعمد النظام لبناء المزيد من السجون لاستقبال المزيد من السجناء.

وبينما تتصاعد استغاثات سجناء الرأي لإنقاذهم، أو احترام آدميتهم في محابسهم إلى حين إطلاق سراحهم، وبينما خفتت أصداء مهرجان"الاستراتيجية" بعد فشلها في تجنب اقتطاع جزء من المعونة الأمريكية، يستعد النظام المصري لتنظيم مؤتمر كبير داخل السجون المصرية برعاية السيسي وربما بحضوره/ في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، لكن الاستعدادات لعقد هذا المؤتمر بدأت قبل عدة شهور، وشملت تلك الاستعدادات عمليات فرز و"غربلة" للسجناء، من حيث عدول بعضهم عن أفكارهم، أو تقديمم تعهدات جدية بتطليق العمل العام تماما حال الإفراج عنهم، وتقديم  ضباط الأمن الوطني وعودا لبعضهم بإمكانية الإفراج عنهم شريطة أن يتحدثوا في هذا المؤتمر بشكل إيجابي عن المعاملة في السجون، لتتطابق مع البروباجندا التي دشنتها السلطات المصرية في عدة زيارات إعلامية لبعض السجون، وإظهارها كمنتجعات سياحية، من حيث نوعية الأطعمة التي تقدم للسجناء، وأماكن الرياضة والترفيه، بما يغري بدخول السجون والبقاء فيها وليس الخروج منها!!!

لا يمكن لوم أي سجين يشتري حريته ببضع كلمات كاذبة، ولكن الخبرة السابقة مع هذا النظام تشي بعدم وفائه بوعوده. ونتذكر هنا حملة الاستتابة والاعتذارات التي انطلقت في السجون المصرية في العام 2016، برعاية بعض المحامين الداعمين للنظام مثل المحامي مختار نوح وزميله ثروت الخرباوي، والتي وعدت كل من يكتب اعتذارا بالخروج من السجن. وقبِل ذلك عدد قليل من السجناء في حين رفضته الغالبية، ولكن حتى الذين كتبوا تم تجميعهم في عنبر واحد، ولم يتم إطلاق سراحهم بل واصلت سلطات السجون ابتزازهم، وإن منحتهم بعض الحقوق التي لا تتوفر لغيرهم.

لا يقتصر القمع في السجون على سجناء التيار الإسلامي، بل يشمل سجناء اليسار والليبراليين والمستقلين. والأمثلة التي استهللت بها المقال تعبر عن هذا التنوع، فحالات الانتحار الفعلية شملت الجميع، والإضرابات عن الطعام احتجاجا على المعاملة غير الآدمية شملت الجميع، واستغاثات السجناء طلبا للإنقاذ صدرت من الجميع، ووجهوها إلى الجميع، وهذا يستوجب موقفا موحدا من المعارضة المصرية سواء داخل مصر أو خارجها لتبني قضية هؤلاء السجناء.

لقد فشلت تلك المعارضة بشقيها الداخلي والخارجي في التوحد على أهداف الحد الأدنى خلال السنوات الثماني الماضية، وهو ما شجع النظام على المزيد من القمع والانتهاكات، أي أن المعارضة بتفرقها وخلافاتها تتحمل جزءا من المسؤولية الأخلاقية عما يتعرض له السجناء ويدفعهم للانتحار.

وإذا كانت المعارضة قد فشلت في التوحد في أهداف سياسية تخص استعادة المسار الديمقراطي بسبب تعدد رؤاها، واستمرار الشكوك بينها، فإن قضية السجناء (وهم من كل التيارات) يمكن أن تكون قضية موحدة لا خلاف عليها، ولا تحتاج إلى لجج وجدالات.

وتمتلك المعارضة المصرية بتوجهاتها المختلفة (الإسلامية والليبرالية واليسارية) أدوات ضغط على النظام من خلال المجتمع المدني الدولي والمنظمات الحقوقية وهيئات الأمم المتحدة، والتواصل مع كل الجهات المعنية بحقوق الإنسان في العالم لنقل مظالم هؤلاء السجناء الذين يموتون تباعا في محابسهم بسبب الإهمال الطبي أو بسبب الانتحار يأسا من الحياة.. فهل تستجيب المعارضة المصرية لصرخات واستغاثات سجنائها؟!

twitter.com/kotbelaraby

التعليقات (0)