حقوق وحريات

منظمات حقوقية تطالب الرياض بالإفراج عن نوبيين محتجزين لديها

اعتقلت السلطات الأفراد على خلفية فعالية لهم في الرياض - (المنظمون)
اعتقلت السلطات الأفراد على خلفية فعالية لهم في الرياض - (المنظمون)

حثت منظمةُ العفو الدولية، مساء الثلاثاء الماضي، السلطاتِ السعودية والملك سلمان، على الإفراج عن عشرة مصريين من أصل نوبي، كانت قد احتجزتهم دون محاكمة منذ تموز/ يوليو 2020، وبدأت الأربعاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، أولى جلسات محاكمتهم أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، ونوّهت المنظمة إلى أن اثنين على الأقل من المعتقلين من كبار السن، ويعانون من أمراض صحية.

كما دعا كل من مركز الخليج لحقوق الإنسان، ومقره في لبنان، ومنظمة القسط لحقوق الإنسان، ومقرها في لندن، السلطات السعودية للإفراج "الفوري وغير المشروط" عن المحتجزين.

وتحدثت "عربي21" مع بعض أسر المعتقلين، لمعرفة طبيعة الاتهامات وأسباب محاكمتهم.

الندوة والاعتقال الأول

وترجع القضية إلى قيام الأسرة النوبية بالرياض بتنظيم ندوة يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بعنوان (النوبة نواة الجيش المصري)، وكانت الصور الموجودة على لافتة الندوة لأبطال نوبيين من الجيش المصري، أشهرهم الصول الراحل أحمد إدريس صاحب فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة سرية في مراسلات الجيش خلال حرب أكتوبر 1973، والمشير الراحل محمد حسين طنطاوي باعتباره من أبناء النوبة.

وصباح يوم الندوة، اتصلت السلطات السعودية برئيس الأسرة النوبية، عادل فقير، والدكتور فرج الله يوسف، واعتقلتهما إلى جانب ثمانية آخرين، تنوعوا بين مسؤول الصفحة التي أعلنت عن الندوة، ومستأجر مقر الأسرة، ومصمم اللافتة، وخمسة آخرين كانوا متواجدين في مقر الأسرة وقت مداهمة السلطات السعودية لمقرها، وبعد الاعتقالات تم إلغاء الندوة.

أخبرنا ذوو المعتقلين أن التحقيقات دارت حول أسباب وضع صورة طنطاوي وعدم وضع صورة السيسي، وأنشطة الأسرة النوبية في الرياض، ورأيهم في قضية إعادة توطين النوبيين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها في ستينيات القرن الماضي عند بناء السد العالي. وهي أسئلة رجّحت لديهم أن الاعتقال مرتبط بوشاية من السفارة المصرية في الرياض، كما أن القنصلية العامة في الرياض أصدرت بيانا بعد اعتقالهم بأربعة أيام يوحي بتنصّلها من مساندة المحتجزين.

 



وأكّد المنظمون، خلال التحقيقات، أن لافتة الندوة لا علاقة لها بأي دلالة سياسية، بل هي تتحدث عن المصريين النوبيين فقط في حرب النوبة، لذا لم يكن في صور اللافتة أي شخصية غير نوبية، فأفرجت السلطات السعودية عن ستة محتجزين عقب التحقيقات، بينما ظل الأربعة أشخاص الأوائل قيد الاحتجاز لمدد تراوحت بين شهر وشهرين، أصيب خلالها فرج الله يوسف بالقدم السكري؛ نتيجة وضع أصفاد في قدمه، مما استلزم نقله إلى مستشفى مكث فيها باقي مدة احتجازه للعلاج.

وخرج المحتجزون جميعا وقد أبلغتهم السفارة المصرية أن الأمور ليس فيها ما يقلق، لكنهم فوجئوا خلال إجازاتهم السنوية بأنهم ممنوعون من السفر على ذمة هذه القضية.

إعادة الاعتقال

وقامت رئاسة أمن الدولة السعودية في 14 تموز/ يوليو بإعادة اعتقال عادل فقير رئيس الأسرة النوبية، لكن بطريقة وحشية، فاقتحمت منزله فجرا، وقاموا بتفتيش المنزل وبعثرة محتوياته، كما استولوا على جميع الحواسب والهواتف في المنزل، وفي الليلة التالية اعتقلت باقي العشرة، وبنفس الطريقة العنيفة.

وأخْفَتْ السلطات السعودية المعتقلين العشرة قسريا، وباءت محاولات أسرهم لمعرفة أماكن ذويهم بالفشل، وبعد ثلاثة أشهر تمكنوا بصورة غير رسمية، من معرفة أنهم متواجدون في سجن الحائر خارج مدينة الرياض، لكن محاولاتهم في الزيارة باءت أيضا بالفشل، إلى أن اتصل أحد المحتجزين بأسرته للمرة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 2020، بعد اعتقالهم بخمسة أشهر.

 

اقرأ أيضا: "المفوضية الأفريقية" تطلب من مصر تعليق إعدام 26 معتقلا

يؤكد من تحدثنا معهم من أسر المعتقلين أن الزيارات والاتصالات مُضيَّق عليها منذ ذلك الوقت؛ فالاتصالات يبدو منها وجود رقيب لأن الردود دائما ما تكون بعيدة عن تفاصيل القضية، وقد صرّح أحد المحتجزين بأنه غير مسموح لهم بالتحدث حول طبيعة القضية، وسبق قطع الاتصال عن أحد المعتقلين أثناء تواصله مع أسرته، أما الزيارات فإنها تكون منفصلة بحاجز زجاجي ويتواصل الطرفان عبر الهاتف أيضا، كما أن الزيارات لا تحدث بانتظام.

وعن الوضع القانوني للمحتجزين، ذكرت المصادر لـ"عربي21"، أنهم نُقلوا في أيار/ مايو الماضي من سجن الحائر إلى سجن عسير جنوب المملكة، الأمر الذي زاد معاناة أسرهم في الزيارة، لأنه يبعد حوالي 700 كلم عن محل إقامتهم في الرياض، وفي أيلول/ سبتمبر الماضي عادوا إلى سجن الحائر لمدة أسبوعين فقط، لتُتلا عليهم اتهاماتهم لأول مرة بعد أكثر من عام على احتجازهم، وخيّرتهم النيابة بين توكيل محامين أو انتداب المحكمة لمحامين للدفاع عنهم.

وحاولت أسر المعتقلين توكيل محامين للدفاع عن ذويهم، لكنهم كانوا يعتذرون بعد معرفة أن القضية تتبع المحكمة الجزائية المتخصصة، خوفا من التضييق الأمني عليهم إذا ارتبطت أسماؤهم بتلك القضايا، ومن يقبل فإنه يطلب مبلغا ماليا كبيرا، وأغلب المعتقلين لا يقدرون عليه، ونتيجة لذلك انتدبت المحكمة محامين لهم، ما عدا اثنين من المعتقلين استطاعا تجاوز عوائق توكيل محامٍ عنهما، لكن باقي المعتقلين يرفضون أن يبوحوا بأسماء المحامين عند سؤالهم عنهم خلال الاتصال التليفوني، مما يرجّح وجود تعليمات أمنية بعدم الخوض في تفاصيل تتعلق بالقضية، ولا يزال ذوو المعتقلين لا يعرفون طبيعة الاتهامات الموجهة إلى أقاربهم، ولا يقدرون على التواصل مع المحامين لمعرفة خطة دفاعهم، خاصة أن هناك شكوكا تتعلق بعمل المحامين المنتدبين.

مجموعة الحوار الدولي تدخل على خط القضية

وخاطبت الأسر عدة جهات مصرية؛ فخاطبوا وزارتي الهجرة والخارجية المصريتين، وخاطبوا مجلس الوزراء، ونواب دائرة نصر النوبة، ومجلس حقوق الإنسان، لكنهم لم يتلقوا أي رد كتابي أو شفهي من هذه الجهات، إلا أنهم وجدوا مبادرة من رئيس مجموعة الحوار الدولي محمد أنور السادات، فالتقوا به، وأكدت المصادر لـ"عربي21" أنهم يثقون في السادات للغاية ويطمئنون لوجوده، وأن ثقتهم به تشمل كل النوبيين وليس أهالي المعتقلين فقط.

أمن الدولة والمحكمة الجزائية المتخصصة

ويعتبر جهاز رئاسة أمن الدولة سيء السمعة في القضايا السياسية، وقد صدر قرار ملكي في تموز/ يوليو 2017، بإنشاء جهاز باسم "رئاسة أمن الدولة" يعنى بكل ما يتعلق بأمن الدولة.


أما المحكمة الجزائية المتخصصة فقد نشأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2008، وهي التي تفصل في قضايا الإرهاب، وبحسب تقرير سابق لـ"منظمة العفو الدولية"، فقد استُخدمت المحكمة "منذ عام 2011 بصورة ممنهجة لمقاضاة الأشخاص بناءً على تهم مبهمة غالباً ما تساوي بين الأنشطة السياسية السلمية والجرائم المرتبطة بالإرهاب".

وتُصدر المحكمة أحكاما مشددة بالسجن ولمدد طويلة، الأمر الذي يلقي بظلاله على محاكمة المصريين النوبيين في المملكة، الذين يعانون من التجاهل المصري الرسمي لقضيتهم.

التعليقات (0)