قضايا وآراء

الفن والأيديولوجيا

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
عانت الحركة الفنية المصرية في الستينيات، كما عانت بلاد الكتلة الشرقية كلها قبل انضمامها للكتلة الغربية بعد سقوط سور برلين، الذي فصل بين ما يتبع الحلفاء وما يتبع الاتحاد السوفييتي.

وقد اصطلح على تسمية هذا الفن بالفن المؤدلج، أي ما يتبع إطارا فكريا محددا، وما سماه البعض بالفن الملتزم، كالمسرح الملتزم، والسينما الملتزمة، والممثل الملتزم.. إلى آخر هذه التسميات، التي تعني ظاهريا اهتمام الفنان بقضايا مجتمعه السياسية والاجتماعية والثقافية.

وبالطبع لم يكن هذا هو بيت القصيد، وإنما كان تبني الفنان مذهب الواقعية الاشتراكية، الذي فرضه ستالين بقوة الدولة، على جميع مفاصل الحركة الفنية في الاتحاد السوفييتي، ومن يتجرأ ويخرج عن هذ ا الإطار، يحاكم ويتهم بالعمالة والخيانة للغرب البورجوازي، وهذه عقوبتها الإعدام.

وعليه، فقد تجمدت الحركة الفنية السوفييتية داخل هذا المذهب، ولم تتواصل أو تتفاعل مع الحركات الغربية الفنية.

فنجد فنانا بقامة ماير هولد الذي أحدث ثورة في عالم المسرح، وابتكر نظرية البايو ميكانيك، لكنه تعرض للتقارير السرية المغرضة والحقد والغيرة من زملائه، وبالفعل تم القبض عليه، وتم تعذيبه، وحاول أن يقدم اعتذارا لتخليصه من جحيم التعذيب، إلا أن هذا زاد موقفه سوءا، وأكد عليه تلك التهمة المختلقة. وعليه، فقد انتهى به المطاف بإعدامه، لخيانته لأفكار الثورة البلشفية، وانحيازه وانحرافه للقيم الغربية البورجوازية. وقد حاولت زوجته إرسال خطاب مطول من أربع صفحات إلى ستالين، تدافع فيه عن زوجها وعما حاق به، فما كان إلا أن هاجمها رجال الشرطة السرية في منزلها وتمزيقها إربا إربا لتلحق بزوجها، وبالطبع التهم جاهزة.

وقد حضر ستالين أحد معارض الفن التشكيلي، ولاحظ لوحة سيريالية لبيكاسو، فتهكم عليه على الفور، وعلق بأنه لا بد أن هذه اللوحة رسمت بذيل حمار.

بالطبع حلت علينا هذه اللعنة، في مجتمعنا العربي، وبالذات المصري، إذ تفنن رجالات الفن في التغني بالواقعية الاشتراكية، ونبذ بل واحتقار ما دونه من مذاهب وحركات، وتكونت حركة نقدية لا تعترف بالفن إلا إذا كان مؤدلجا، وما دون ذلك لا تعيره أي اهتمام، ولا يلقى الاهتمام النقدي ليدخل دائرة الاهتمام.

وأذكر أنه سئل نجيب محفوظ -مع حفظ الألقاب- عن الناقدين الكبيرين سمير فريد ورؤوف توفيق، وكان رده أنهما بلا شك من أهم وأكبر النقاد المطروحين على الساحة، ولكن يعيبهما أن الفيلم السينمائي الذي يتفق مع أيديولوجيتهما يرفعانه إلى عنان السماء، وفيما عدا هذا، يحتقران أي عمل مختلف وينزلان به أسفل السافلين.

وبالطبع، لك أن تتخيل عزيزي القارئ هذه الفترة من إجابة نجيب محفوظ التي تقولب فيها الفن، وأصبح منمطا، وعانينا ما عانيناه. ولكن لا بد أن تعود الدماء إلى شرايين الحركة الفنية مرة أخرى، وتطل علينا مرة أخرى شمس المعرفة.. محبتي.
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 15-08-2022 04:01 ص
*** وهل لم يكن نجيب محفوظ مؤدلجاُ!!! ...، ومؤدلج تلك مقتبسة من كاتب المقالة، كانت شخصيات نجيب محفوظ الروائية تعكس انتمائاته العقائدية وانحيازاته الفكرية، فكان يظهر المناضل الاشتراكي، أو إن شئت الدقة الشيوعي، في رواياته يظهره في صورة الإنسان الكامل ذو الفكر المتحرر المستقل، والإنسان الذي يضحي بحياته من أجل مجتمعه، وبأخلاقيات يغبطه عليها الرهبان والنساك، وهي صورة مغايرة لما عرفناه عن الشيوعيين وعهدناه فيهم من وصولية وانتهازية وتقلب وأكل على كل الموائد، وعبادة ما جاء به ربهم الأعلى ماركس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، وعلى العكس من ذلك كان يظهر شخصية الإنسان المتدين في رواياته في صورة الإنسان الضعيف الشخصية الانتهازي الوصولي، هكذا، كما أنه لولا أن نجيب محفوظ كان مؤدلجاُ، لما منح جائزة نوبل، ورغم أن الجائزة تمنح على كامل الأعمال الأدبية، فإن مانحوا الجائزة قد أشاروا بشكل خاص إلى رواية أولاد حارتنا، وهي رواية ممنوعة، وشديدة السذاجة بالمعايير الأدبية والنقدية، وشديدة المباشرة في عرض شخصياتها، فهي أقرب إلى المانفستو الذي يعرض فيه نجيب فكره وانتماءه للفلسفة الوجودية، التي روج لها أستاذه سارتر، ولكنه حاز على إعجاب الغربيين بها، لأنه يصور فيها الأنبياء والرسل بصورة تمثيلية تشبيهية فجة، وبأن عهدهم ودورهم ورسالاتهم في الحياة قد انتهت، بعد أن حل علم البشر محل رسالات رب العالمين، ولم يعد الإنسان في حاجة لرب العالمين خالقه، بل أنه تجرأ على الذات الإلهية بتشبيهها في صورة أرضية ناقصة، رغم أن نجيب قد حاول في نهاية حياته الرجوع إلى الحق، فكتب مجموعة كتابات كالتهويمات وأحلام اليقظة وتخاريف المجاذيب، والله أعلم بعباده.