مقالات مختارة

تنبؤات سيئةٌ.. تَجنَّبها العالَم

جيفري كمب
من حيث السياسة الأميركية والأوروبية يبدو أن الحرب قد عززت الحكومات في ألمانيا وفرنسا- الأناضول
من حيث السياسة الأميركية والأوروبية يبدو أن الحرب قد عززت الحكومات في ألمانيا وفرنسا- الأناضول
في الصيف الماضي، كانت العديد من وسائل الإعلام مليئة بالتنبؤات القاتمة حول الأزمات القادمة التي تواجه العالَم نتيجة للحرب في أوكرانيا. لقد أطلقت الحرب العنان لسلسلة من الأحداث التي توقعت اضطراباً اقتصادياً وركوداً عالمياً في الأشهر القادمة، كما توقعتْ أن ينطوي التصعيد الخطير في الحرب على استخدام الأسلحة النووية أو يؤدي إلى تدمير محطات الطاقة النووية.

وكان على رأس القائمة ظهور تضخم جامح لم نشهده منذ السبعينيات. ثم كانت هناك الآثار المحتملة للتخفيضات في صادرات الوقود الأحفوري الروسي إلى أوروبا واحتمال انتشار نقص الغذاء بسبب انقطاع إمدادات الحبوب وزيت البذور والأسمدة من البحر الأسود إلى الأسواق العالمية. وشكّل التضخم خطراً على جميع الحكومات، وتمت مناقشته بشكل خاص في واشنطن ومناقشة تأثيره المحتمل على انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر. كان التأثير الأكثر انتشاراً للتضخم هو ارتفاع أسعار البنزين. ونظراً لأن الاقتصاد الأميركي لا يزال يعتمد بشكل كبير على النقل البري لكل من التنقل وتسليم السلع الأساسية، فقد كان من المفترض أن تتم معاقبة إدارة بايدن في صناديق الاقتراع، والنتيجة ستكون «موجة حمراء» من انتصارات «الجمهوريين» في انتخابات الكونجرس وانتخابات حكام الولايات.

وفي ظل هذه الظروف، فإن اعتماد أوروبا على روسيا من أجل النفط والغاز الطبيعي سيجعل حكوماتها عرضةً بشكل فريد للضغط الروسي لإنهاء الدعم لأوكرانيا أو أن تتجمد منازل الأوروبيين من شدة البرد ونقص الوقود، كما سيشاهدون حالة لا سابق لها من إغلاق الصناعات الثقيلة وارتفاع معدلات البطالة بمجرد حلول طقس الشتاء البارد. كما توقعت هذه التنبؤات أن تؤدي أزمة الطاقة إلى حدوث انقسامات في التحالف الغربي، ما يمنح روسيا يداً رابحة.

وكانت هناك مخاوف من وقوع حوادث نووية وشيكة ناجمة عن تصعيد متعمَّد من جانب روسيا أو بسبب حوادث لمحطات الطاقة النووية الأوكرانية التي كانت في مرمى نيران المواجهات العسكرية. 
وفي ظل هذه السيناريوهات المذكورة أعلاه، كانت احتمالات التصعيد بين روسيا وحلف «الناتو» ستزيد بشكل كبير من احتمالات اندلاع الحرب العالمية الثالثة. لكن ها نحن في فبراير 2023 ولم تحدث كل هذه الكوارث. وفي حين أن استمرار الحرب لا يزال خطيراً للغاية، فإن الوضع العام، من نواحٍ كثيرة، أفضل مما كان متوقعاً. ولا يزال التضخم يمثل مشكلةً، لكن يبدو أن ارتفاعه الحاد قد توقّف. ومع ذلك، فإن انقطاع الإمدادات الغذائية عن أجزاء من أفريقيا لا يزال يمثل مشكلة خطيرة للغاية.

وكان أحد العوامل التي ساعدت الصورة الاقتصادية الكلية هو الشتاء الدافئ غير المعتاد حتى الآن
في نصف الكرة الشمالي، والجهود الناجحة لأوروبا من أجل تنويع إمدادات الغاز والنفط بتكلفة معقولة، وهذا بفضل الخطوات الاستثنائية المتخذة أوروبياً في سبيل الاستعداد لأسوأ الحالات وتصميم مواز لتقليل الاعتماد على روسيا. وقد ساعد هذا الخيار وجود مصادر جديدة للنفط والغاز من الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا الشمالية والتشييد السريع لمنشآت جديدة لتخزين ومعالجة الغاز الطبيعي المسال وتكرير البترول. لقد أثبتت الأسواق الدولية أنها بارعة في التكيف مع أنماط التجارة الجديدة، كما أظهرت الأسواق نفسها، ومعها الحكومات والصناعات وعامة السكان.. مرونة كبيرة في مواجهة الأزمات.

ومن حيث السياسة الأميركية والأوروبية، يبدو أن الحرب قد عززت الحكومات في ألمانيا وفرنسا. فقد حققت إدارة بايدن نتائج في انتخابات التجديد النصفي أقوى مما كان متوقعاً في الأصل. وتشير التوقعات الآن إلى أن العالَم سيتجنب ركوداً كبيراً هذا العام إذا استمرت الاتجاهات الحالية. أحد الأسباب هو أن الولايات المتحدة والصين وأوروبا ستحافظ على مستويات نمو أفضل من تلك المتوقعة.

ويمكن أن تخرج الأخبار السارة الموصوفة أعلاه عن مسارها بسبب عدد من الأحداث في كل من أوكرانيا، وفي بؤر التوتر الأخرى، في العام المقبل، لكن التوقعات الأولية للظلام تم تأجيلها في الوقت الحالي على الأقل.

(الاتحاد الإماراتية)
التعليقات (0)

خبر عاجل