قضايا وآراء

هل من الممكن ممارسة السياسة والاقتصاد من منظور أخلاقي؟

مصطفى يوسف
بين نموذج مرسي ونموذج السسي
بين نموذج مرسي ونموذج السسي
انتهى عام 2022 بحروبه وأزماته الاقتصادية منذ أسابيع قليلة، ورغم قسوة هذا العام المنصرم فقد كان في نهايته كأس العالم وتجربته الفريدة في قطر (20 تشرين الثاني/ نوفمبر- 18 كانون الأول/ ديسمبر)، والذي يعتبر الحدث الأبرز الإيجابي والمبهج للعرب في هذا العام الصعب لمنطقتنا العربية.

في مطلع 2023 كان هناك العديد من التساؤلات حول الاقتصاد، حيث إنه في ظل التضخم الجامح لا صوت يعلو فوق صوت الاقتصاد.

هل الاقتصاد يبحث عن الربح فقط بغض النظر عن أثر أي نشاط اقتصادي على البيئة والحياة على هذا الكوكب؟ هل الأجور العادلة ومشاركة الموظفين في الأرباح ترف لا ينبغي الالتفات إليه حتى تنجح الشركات ويتم تعظيم ربحية حملة الأسهم والمديرين التنفيذين؟ هل السياسة عملية براجماتية نفعية بحتة لا مجال فيها للأخلاق والقيم؟ هل ينبغي على الساسة اتباع قواعد نيكولو ميكيافيلي واعتبار السياسة والأخلاق لا يلتقيان؟!

هذه نوعية من الأسئلة المؤلمة والتي يتخيل البعض أن إجابتها أشد إيلاما، سنحاول استعراض تجارب سياسية عديدة في بلداننا العربية وفي أمريكا الجنوبية وأفريقيا والعديد من الدول سواء المتقدمة أو النامية، لكي نستشف هل ممارسة السياسية بمعايير أخلاقية أجدى وأفضل للشعوب أم ممارسة السياسة بالخداع والكذب والتآمر واتباع قاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة..

هل توجد نية حقيقية لكبح جماح الشركات العابرة للقوميات، التي تتبرع بسخاء للسياسيين في العديد من الدول الصناعية لكي يتم سن قوانين وتشريعات تصب في مصلحتها؟ الأمر يحتاج جهدا كبيرا ميدانيا وتوعويا لإجبار هؤلاء السياسيين والشركات على احترام المعايير البيئية بصرامة، وليست تصريحات وقرارات غير ملزمة في مؤتمرات بروتوكولية لا تساوي حتى قيمة الورق الذي كتبت عليه.

تجارب تنموية أخلاقية أدت لمكافحة الفقر وعمل تنمية حقيقية، وأخرى مغايرة أدت لتدهور بيئي واقتصادي

أمريكا اللاتينية المثال المضيء

يعتبر رئيس أورجواي خوزيه موخيكا (2010-2105) من أقل رؤساء العالم دخلا حيث كان راتبه الشهري 12 ألف دولار شهريا تبرع بقرابة ٩٠ في المئة منه للجمعيات الخيرية لدعم شعبه الفقير (يتبقى له فقط 1200 دولار)، ويقتني سيارة فولكس فاجن بيتلز صنعت ١٩٨٧ ويقيم في مزرعة صغيرة تمتلكها زوجته بدلا من القصر الرئاسي الذي أمر بفتحه للمشردين في فصل الشتاء في حال عدم توفر أماكن لهم تقيهم برد الشتاء في مراكز الإيواء، وكذلك استغنى عن طائرة الرئاسة لكي يشتري بثمنها طائرات إسعاف لدعم شعبه.

ومن أورجواي إلى المكسيك، فحينما كانت المكسيك تواجه أزمة مالية حادة قام الرئيس أندريس أوبرادور ببيع الطائرة الرئاسية الشهيرة بفخامتها البالغة قيمتها 218 مليون دولار، والتي كانت تُعرف باسم الفيل الأبيض واعتبرها الرئيس رمزاً للسفه في الإنفاق والفساد المالي وبذخ الحكام السابقين وفساد قادة البلد الذي يعيش أكثر من نصف سكانه تقريباً تحت خط الفقر، وقال إن حصيلة الطائرة الفاخرة التي كان يسافر على متنها الحكام السابقون ستوجه لدعم المستشفيات الحكومية وتوفير أدوية للفقراء الذين يعانون شظف العيش.

لم تكن هذه الطائرة الفخمة الوحيدة التي تقرر بيعها، بل كانت واحدة من 60 طائرة حكومية قرر الرئيس أندريس أوبرادور طرحها للبيع؛ لأنه كان يشعر بالعار والخزي حينما ينعم المسئولون في بلد يعاني أغلبية سكانه من الفقر والحاجة.

ومن المكسيك إلى تشيلي، حيث تم انتخاب رئيس شاب (35 عاما) ينحاز لمعايير السياسة الأخلاقية، وهو الرئيس جابريل بورتيش الذي ينحاز للفقراء وخطط التنمية. ومن أقواله الشهيرة والتي تصب في خانة الديمقراطية الاجتماعية: "إذا كانت تشيلي مهد النيوليبرالية، فإنها ستكون أيضاً قبرها"، ومن أقواله التي تناهض الرأسمالية المتوحشة: "نحن جيل جاء للحياة العامة مطالباً باحترام حقوقه، لا أن يُعامل كسلع استهلاكية أو كصفقة أعمال"، وعن العدالة الناجزة قال: "نحن نعلم أنه ما زالت هناك عدالة للأثرياء، وعدالة أخرى للفقراء، ونحن لن نسمح بأن يستمر الفقير في دفع ثمن عدم المساواة في تشيلي". وقال عن كيان الاحتلال الصهيوني إنه دولة قاتلة.

على النقيض التام كان الجنرال أوغستو بينوشيه، ديكتاتور تشيلي الدموي وعدو الديمقراطية، الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري وقام بتعليق الدستور وتجميد الحياة السياسية، وقمع وتصفية وتعذيب المعارضين لتوجهاته النيوليبرالية ورغبته في تحويل تشيلي إلى أمة من رجال الأعمال وحماة المصالح الأمريكية والرأسمالية العالمية، حيث أطلق عمليات خصخصة يشوبها الكثير من الفساد، وقام بتخفيض الضرائب على أرباح الشركات والثروات، مما أفقر السواد الأعظم من سكان تشيلي.

ومن تشيلي إلى البرازيل، لولا دي سيلفا نصير الفقراء وبولسونارو رجل الولايات المتحدة الملقب بترامب البرازيل

نفذ لولا دي سيلفا برامج تنمية اقتصادية ركزت على تحسين حياة الفقراء وخلق عشرات الملايين من فرص العمل مما أدى إلى تحويل البرازيل خلال تلك الفترة (2003-2011) من بلد ينهش الفقر أغلب سكانه وتثقله الديون المتراكمة، إلى بلد يتمتع بسادس أقوى اقتصاد في العالم فخلال خمس سنوات فقط، سددت البرازيل ديونها بالكامل وتحولت إلى دولة مُقرضة بعد أن كانت تثقلها الديون، وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خمس مرات خلال ثماني سنوات، وتضاعف الحد الأدنى للأجور في البرازيل ثلاث مرات، وأصبحت البرازيل دولة ذات ثقل دولي، حيث إن الرئيس دي سيلفا كان من كبار المهتمين بقضية التغير المناخي.

أما فترة حكم بولسونارو فتمثل النقيض لكل ما يمثله دي سيلفا، وبخاصة في مجال البيئة والتغير المناخي، حيث شهدت رئاسة بولسونارو ارتفاعاً في وتيرة إزالة الغابات في البلاد، وبخاصة غابات الأمازون المعروفة بأنها "رئة العالم"، بنسبة 75 في المئة مقارنة بفترة دي سيلفا، بالإضافة إلى انحيازه التام للشركات متعددة القوميات ورجال الأعمال على حساب الفقراء والبيئة، ما أدى لتدهور الوضع الاقتصادي وازدياد معدلات الفقر والجريمة.

القارة السمراء وبدايات الحكم الرشيد النزيه

قامت رئيسة مالاوي جويس باندا (من نيسان/ أبريل 2012 إلى أيار/ مايو 2014) بمحاربة الفساد المستشري في مالاوي، الذي أدى إلى وقوع أكثر من 65 في المئة من سكان مالاوي تحت خط الفقر، فقامت بتخفيض راتبها 30 في المئة، وقامت ببيع الطائرة الرئاسية وأمرت ببيع 60 سيارة رئاسية حتى تساهم في حل المشكلة الاقتصادية العويصة وإطعام الجوعى في مالاوي.

مصر والانهيار الاقتصادي

ونصل إلى سياسات الجنرال السيسي وإنفاقه المُبالغ فيه على القصور الرئاسية، فقد قام ببناء قصرين رئاسيين جديدين في العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة بقرابة ستة مليارات جنية (رغم وجود أكثر من عشرة قصور رئاسية في مصر على أرقى مستوى)، وتم شراء أربع طائرات في عام 2016 من شركة داسون الفرنسية بمبلغ 300 مليون يورو ( اليورو تجاوز 33 جنيها)، ومنذ بضعة أسابيع تم شراء الطائرة البوينج 747 والملقبة بملكة السماء بتكلفة تناهز 487 مليون دولار (الدولار سعره يقارب 31 جنيها)، في حين اكتفى الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي بشقة بالإيجار يدفع إيجارها من جيبه الخاص، وحاول تطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي في الغذاء وزراعة القمح والاعتماد على المنتجات المحلية لعلاج عجز الموازنة.

أدت سياسات الجنرال السيسي التي اتبعت سياسات الإنفاق غير الرشيد وعدم الشفافية، وتحكم المؤسسة العسكرية في كل مفاصل الاقتصاد والتوسع في مشروعات ذات طابع إبهاري، مثل العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة وأطول برج في أفريقيا وأكبر جامع في إفريقيا "في وسط الصحراء" وقطار كهربائي يخدم الصفوة والعديد من المشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية، إلى زيادة غير مسبوقة في الدين المحلي والخارجي تجاوزت 450 مليار دولار أمريكي مما أدى إلى انهيار قيمة العملة المحلية الجنية المصري، وارتفع سعر الدولار الأمريكي إلى قرابة 31 جنيها. ويعتبر أكثر من 60 في المئة من المصريين طبقا للبنك الدولي إما فقراء أو تحت خط الفقر، في ظل الجمهورية الجديدة في عهد الجنرال السيسي.

وكان الدولار الأمريكي في فترة الرئيس محمد مرسي يساوي 6.35 جنيه مصري، نظرا للنزاهة والتقشف الحكومي وخطط التنمية التي كانت ترتكز على الصناعة والزراعة، وتزيد من فرص العمل وتنتشل الملايين من المصريين من براثن الفقر آنذاك (2012-2013).

المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والتسامح والغفران.. جنوب أفريقيا ورواندا مثالان رائعان

يعتبر الزعيم نيلسون مانديلا من أيقونات السياسة الأخلاقية، وكان مثالا للتقشف والنزاهة والتواضع، فقد كانت جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري غابة موحشة، ورغم ذلك كان الشيء المضيء الذي ميّز المناضلين من أجل الحرية، الذين أصبحوا قادة البلاد (وفي القلب منهم مانديلا)، هو قدرتهم على العفو والمغفرة حيث كانوا يسعون وراء الحقيقة والمصالحة وبناء دولة قانون بدلا من الانتقام. فمن أقوال مانديلا الملهمة أن الشجعان لا يخشون التسامح من أجل السلام، وهذا ما جعل جنوب أفريقيا من دول البريكس القوية اقتصاديا رغم مرورها بتجارب أليمة نتيجة سياسة الفصل العنصري.

تعتبر تجربة رواندا افي المصالحة الوطنية مثالا ناصعا، رغم أنه منذ قبل عاما (عام 1994) كانت هناك مجزرة من أبشع مجازر التاريخ الحديث، حيث إنه تم قتل وذبح قرابة المليون رواندي خلال 100 يوم فقط. فقد تم اللجوء إلى تقاليد التسامح والعدالة والمحاكمات العادلة التي جعلت المجتمع الرواندي يلتحم ويعمل سويا بعد تسوية مرارات الماضي، وتحقق رواندا الآن واحدا من أعلى معدلات النمو أفريقيا وتتطور تكنولوجيا واقتصاديا بشكل ملحوظ وذلك بعد المصالحة الوطنية.

ومن القارة السمراء إلى الشرق الأقصى.. ماليزيا: مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا ونجيب رزاق بطل فضيحة صندوق التنمية الماليزي 1MDB

ارتبط اسم رئيس وزراء ماليزيا الأسبق نجيب رزاق بواحدة من أكبر فضائح الفساد المالي والاختلاس من الصندوق الماليزي للتنمية، فقد حول لحساباته الشخصية 700 مليون دولار وزعم أنها هدية شخصية له، هذا بخلاف استيلائه على أموال أخرى، مما جعل المحكمة تدينه بأشد العبارات وبسجنه بأحكام نهائية لـ12 عاما. وتعاون نجيب رزاق مع العديد من رجال الأعمال والمتنفذين المشبوهين والمؤسسات المالية التي لا تتمتع بسمعة حسنة، مثل بنك الاستثمار جولد مان ساكس الذي هو ليس فوق مستوى الشبهات وهناك العديد من القضايا المرفوعة ضده بتهم فساد وجرائم وتبييض أموال (تمت تسوية فضيحة جولد مان ساكس مع ماليزيا بعدما دفع البنك 309 ملايين دولار تعويضات لماليزيا).

نجيب رزاق مثال للسياسي النفعي اللا أخلاقي، الذي حوّل الاقتصاد الماليزي إلى اقتصاد ضعيف بفساده ونقل تبعية القرار السيادي الماليزي لدول لها مصالح تتعارض مع مصالح ماليزيا القومية، وعلى النقيض التام كان مهاتير محمد الذي قاد نهضة ماليزيا بعدما كان أكثر من 70 في المئة من السكان الماليزيين تحت خط الفقر، خلال سنوات حكم مهاتير محمد، أصبحت ماليزيا واحدا من نمور آسيا، وزاد دخل الفرد السنوي من ألف إلى 16 ألف دولار، وانخفضت نسبة الفقر إلى أقل من 4 في المئة، وأصبحت نسبة البطالة دون 3 في المئة، وارتفع حجم الاحتياطي النقدي من ثلاثة مليارات إلى 98 مليارا، وقفز حجم الصادرات من نحو 15 مليارا إلى 200 مليار، وذلك عن طريق تطهير ماليزيا من الفساد، ورفع الكفاءة والتحلي بالأمانة.

وكان الاهتمام بالتعليم والتصنيع هما حجر الزاوية للنهضة الماليزية التي قامت على أسس أخلاقية؛ من انحياز واضح للقضية الفلسطينية ومكافحة الفساد واستقلال القرار الوطني وعدم التبعية.

مثالان عبر المحيط من الولايات المتحدة: جون كينيدي ودونالد ترامب

كان الرئيس كينيدي مثالا للتسامح ومكافحة العنصرية والانحياز للحق في قضايا عديدة مثل القضية الفلسطينية وحقوق الأمريكيين من أصل أفريقي الذين عانوا من التهميش واللا مساواة. كان سلوك الرئيس كنيدي ملهما للكثير من شعبه نحو قبول الآخر وتقليل العنصرية وتشجيع الاندماج وتلاحم الأعراق وخلق مجتمع كوزموبوليتاني ناجح.

وعلى النقيض التام كان الرئيس ترامب يستدعي كل مكونات العنصرية واليمين المتطرف ضد المسلمين والسود واللاتينيين بشكل كرّس للانقسام المجتمعي والعنصرية الفجة التي آذت المجتمع الأمريكي كثيرا، وشجّع الهجرة المضادة من أمريكا إلى كندا ودول أخرى.

كأس العالم قطر 2022 والتجربة الملهمة

وفي نهاية عام 2022 كان لا صوت يعلو فوق صوت كأس العالم، فقد أبهرت قطر العالم بتنظيم أكثر من رائع يفوق أي دورة سابقة، والأجمل أن هذه الدورة من كأس العالم تعتبر الدورة المتميزة والوحيدة التي تلتزم بمعايير أخلاقية راقية تعكس قيم الثقافة العربية والإسلامية؛ التي تعتبر المكون الثقافي الرئيسي للمجتمعات العربية والخليجية.

وعلى النقيض التام، في منطقتنا العربية نماذج أخرى تروج للتطبيع والانسلاخ من القيم العربية والإسلامية والتعاون مع شركات غير أخلاقية مثل NSOالإسرائيلية للتجسس على الصحفيين والمعارضين، والترويج للكيان المحتل والتطبيع معه والاستثمار فيه من منطلق أن هذا أمر نفعي براجماتي ولا دخل للأخلاق في السياسة أو الاقتصاد كما يروج المستفيدين والمطبعين.

رغم تعرض قطر لحملات إعلامية ممنهجة من إسرائيل وبعض الدول الداعمة لإسرائيل والمروجة للتطبيع معها، والعديد من الدول الأوروبية التي تروج لأمور تتنافى مع ثقافتنا العربية والإسلامية وضد الفطرة الإنسانية السوية، رغم كل هذه الحملات والأكاذيب والأباطيل ترسخ لدى شعوب العالم في قاراته الست قيم الإسلام والمروءة والكرم وعدالة القضية الفلسطينية، وشعرت السيدات بالأمان نتيجة تحديد أماكن المشروبات الكحولية وتقليل الأوقات المسموح بتقديمها مما جعل هذه الدورة أكثر الدورات أمنا وأمانا، واستطاعت قطر أن ترسخ للشعوب العربية والإسلامية أننا نستطيع أن ننجح ونبهر العالم بالاعتزاز بقيمنا وثقافتنا وديننا ولا نكون مسوخا كما تفعل للأسف دول أخرى.

قيم القادة وأثرها في ترسيخ مفاهيم القيم لدى الشعوب

نخلص من التجارب الثرية للقادة الأخلاقيين إلى أن النجاح قرار يستلزم إرادة سياسة مخلصة، لديها الرغبة الحقيقية في الاستقلال والانحياز لجموع الناس، وليس للفئة المتنفذة أو أصحاب المصالح والعلاقات مع الشركات العابرة للقوميات. بإمكان أي دولة أن يكون لديها شخص ملهم مثل نيلسون مانديلا، وتقوم بمصالحة مجتمعية عادلة مثل رواندا، بإمكان الشعوب الاختيار بين نموذج نجيب رزاق الفاسد أو نموذج مهاتير محمد المنحاز لشعبه وللعدالة والشفافية والتنمية..

هناك مساحة للاختيار ما بين مثال دونالد ترامب وجون كنيدي، الانحياز للربيع العربي أو الثورة المضادة، نموذج بينوشيه ديكتاتور تشيلي المروج لليبرالية المتوحشة أو غابرييل بورتيش الديمقراطي النزيه، وكذلك نموذج لولا دي سيلفا المنحاز للفقراء أو بولسونارو رجل النيوليبرالية في البرازيل، وكذلك نموذج الجنرال السيسي القادم عبر انقلاب عسكري وحوّل مصر لدولة أمنيّة ينهشها الفقر وينفق على مشروعات عديمة الجدوى، وحوّل مصر إلى واحدة من أكثر الدول هشاشة اقتصادية.. أو نموذج الدكتور محمد مرسي؛ صاحب خطط التنمية ومثال التقشف والنزاهة ودولة القانون. كلها اختيارات تقوم إما على الانحياز لمنظومة القيم والأخلاق أو للنفعية اللا أخلاقية.

كأس العالم كان تجربة ملهمة تنظيميا وقيميا وأخلاقيا، وجعل العرب والمسلمين بل والشرفاء والمخلصين من الغربيين والأفارقة والآسيويين في مقارنة جلية بين نموذج قطر الأخلاقي والنماذج الأخرى. وفي تقدير كاتب هذه السطور أن النموذج الأخلاقي انتصر لأن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

وقيل على لسان الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه أن الله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن، فقيم القادة تلهم الشعوب وتؤثر في الأجيال الجديدة، وتساهم في خلق وعي قيمي تنويري حقيقي يرتكز على الأخلاق والعدل والمساواة، ومن ثم النهضة الحقيقية المستدامة المترابطة مجتمعيا والمتصالحة مع البيئة.

نتمنى أن نخطو ونبني على إثر هذه التجربة الملهمة ونستمر في هذا الطريق المضيء، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وكأس العالم قطر ٢٠٢٢ جعلنا نقطع مئات الأميال وأحيا في نفوسنا الأمل.
التعليقات (0)