كتاب عربي 21

غرباء بلا حقوق

ممدوح الولي
محمد الجوادي
محمد الجوادي
جاءت وفاة المفكر الموسوعي الدكتور محمد الجوادي، لتشير إلى استمرار النظام الحاكم في مصر في تجاهل قيمة النجباء من أبناء الوطن، حيث خلت الصحف الرسمية وحتى الخاصة من ذكر خبر الوفاة، فما بالنا بذكر مآثره، رغم صداقة الجوادي لغالبية القيادات الإعلامية، وحرصه على عدم الإساءة إليهم خلال سنوات غربته التي قاربت على العشر سنوات، ورغم حصوله على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وعلى جائزة الدولة التقديرية وعلى جائزة الدولة التتشجيعية، وتأليفه لأكثر من مائة كتاب بمجالات الطب وعلوم اللغة والتاريخ والفكر السياسي.

وهكذا كان حال السلطة مع كل من لا يؤيدها، سواء كان بقامة المستشار طارق البشري أو الدكتور يوسف القرضاوي، مرورا بالعشرات الذين لقوا ربهم في السجون منذ عام 2013 وحتى الآن، لتمتد مواقف السلطة الجائرة إزاء معارضيها، سواء كانوا من المسجونين، أو الموجودين خارج السجون أو حتى الذين غادروا إلى بلدان أخرى.

فمن ما زالوا في السجون يتم استخدام الحبس الاحتياطي كوسيلة لاستمرار بقائهم فيها، ومنع الزيارات عن الكثير منهم لسنوات، وحرمان البعض من التريّض والاحتياجات الأساسية التي أقرها القانون لأي مسجون، ويحصل عليها المسجونون الجنائيون في الجرائم المختلفة، بينما يُحرم منها وزراء سابقون وأساتذة جامعات وعمداء كليات جامعية وعلماء ورجال أعمال وشباب ونساء.

إجراءات مخالفة للدستور والقانون
الموجودون خارج البلاد فإن الكثيرين منهم يتم منع تجديد جوازات سفرهم، مع طلب مغادرتهم من بعض تلك البلدان التي يقيمون بها، والتي تدفعها مصالحها التجارية والسياسية مع النظام المصري للاستجابة لذلك

أما من هم خارج السجون فإنهم ممنوعون من العمل في الجهات الحكومية، بل تم الاتصال بجهات خاصة محلية ودولية لمنع تشغيل بعضهم، وها نحن نشهد إشراف الجنرال بنفسه مؤخرا على اختيار العاملين في وزارة التربية والتعليم بإحدى المنشآت العسكرية بحضور قيادات الجيش، وبالطبع فإنهم ممنوعون من التعامل مع وسائل الإعلام الرسمية والخاصة مهما كانت قيمتهم العلمية والفكرية.

كما تم التحفظ على أموال البعض والاستيلاء على شركاتهم وممتلكاتهم، ووضع الكثير منهم ضمن قوائم الإرهابيين، والتي تعني منع التعامل معهم من قبل الأجهزة الحكومية حتى ولو لاستخراج شهادات ميلاد لأبنائهم أو تجديد تراخيص سيارتهم، إلى جانب منعهم من السفر.

أما الموجودون خارج البلاد فإن الكثيرين منهم يتم منع تجديد جوازات سفرهم، مع طلب مغادرتهم من بعض تلك البلدان التي يقيمون بها، والتي تدفعها مصالحها التجارية والسياسية مع النظام المصري للاستجابة لذلك.

ورغم أن كل تلك الإجراءات سواء داخل السجون وخارجها وداخل البلاد وخارجها تخالف الدستور والقانون، إلا أن هذا الأمر لا يكترث به المسؤولون سواء في السلطة التنفيذية أو القضائية أو البرلمانية، أو حتى الجهات المعنية بحقوق الإنسان سواء كان المجلس القومي لحقوق الإنسان أو جمعيات حقوق الإنسان، حيث تغدق السلطة على هؤلاء من أموال دافعي الضرائب حيث خصص مليارا و572 مليون جنيه لمجلس النواب في موازنة العام المالي الحالي، ينفق معظمها على مكافآت النواب.

رغم أن كل تلك الإجراءات سواء داخل السجون وخارجها وداخل البلاد وخارجها تخالف الدستور والقانون، إلا أن هذا الأمر لا يكترث به المسؤولون سواء في السلطة التنفيذية أو القضائية أو البرلمانية، أو حتى الجهات المعنية بحقوق الإنسان
كما خصص لمجلس الشيوخ 530 مليون جنيه وللمجلس القومي لحقوق الإنسان 40 مليون جنيه، ورغم أن تلك الإجراءات المخالفة للدستور والقانون تتسبب في شرخ وانقسام مجتمعي، فإن السلطات لا تكترث لذلك وتدّعي أنه لا يوجد لديها معتقلون وأنها تراعي قضايا حقوق الإنسان وتقيم المناسبات لذلك، والتي يحضرها الكثير من الشخصيات العامة ورؤساء الجامعات وقادة الأحزاب والبرلمانيين والإعلاميين، لتنطلق بها الخطب الرنانة المشيدة بما تم من جوانب متعددة لمراعاة لحقوق الإنسان في الجمهورية الجديدة!

مصالح غربية لاستخدام ملف حقوق الإنسان

وربما يتساءل البعض عن الصمت الدولي إزاء تلك الانتهاكات، رغم أن السفارات الأجنبية في البلاد ترصد كل تلك الممارسات غير الإنسانية وتبلّغ بها دولها دوريا، وهنا يصبح السؤال بلا معنى، لأن هؤلاء هم من ساعدوا النظام الحالي قبيل استيلائه على السلطة، وصمتوا عن المجازر التي قام بها، حتى حين قتلت الطائرات المئات من المدنيين العزّل، والزج بالآلاف في السجون بلا تهم واضحة، طالما أنه يحقق مصالحهم بالحفاظ على أمن إسرائيل، ومنع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا، ويستوعب المزيد من صادراتهم السلعية والخدمية، ويشتري الكثير من أسلحتهم التي يضمنون عدم استخدامها ضد إسرائيل.

وهو أمر متكرر فعلوه من قبل في دول عديدة، واستمروا في تكراره بعد 2013 وسيستمرون في اتباعه لتظل تلك الدول تابعة لهم، سياسيا وتجاريا وعسكريا وثقافيا وفكريا، ولهذا فإنهم حريصون على القضاء على أي حركة تحرر وطنية بأي بلد، سواء في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا أو آسيا، لتظل لهم الهيمنة.

ربما يتساءل البعض عن الصمت الدولي إزاء تلك الانتهاكات، رغم أن السفارات الأجنبية في البلاد ترصد كل تلك الممارسات غير الإنسانية وتبلّغ بها دولها دوريا، وهنا يصبح السؤال بلا معنى، لأن هؤلاء هم من ساعدوا النظام الحالي قبيل استيلائه على السلطة، وصمتوا عن المجازر التي قام بها، حتى حين قتلت الطائرات المئات من المدنيين العزّل، والزج بالآلاف في السجون بلا تهم واضحة، طالما أنه يحقق مصالحهم بالحفاظ على أمن إسرائيل، ومنع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا
وعندما يستخدمون ورقة حقوق الإنسان فإنه استخدام مُوظف لخدمة مصالحهم، مثلما يحدث مع الأقلية المسلمة بالصين، للتعريض بالموقف الصيني، فإذا حققت الإدارة الصينية مصالحهم فلن يسمع لهم أحد أي صوت ولو خافت، يدافع عن هؤلاء المسلمين المضطهدين سواء في الصين أو الهند أو ميانمار أو كشمير أو غيرها.

لذا فإن تمسك المسلمين بتعاليم دينهم هو الأمل والملاذ، لتكون لهم هويتهم وثقافتهم المستقلة التي تترجم عمليا وتدريجيا، في مناحي التربية والتعليم والثقافة والإنتاج والاستقلال الاقتصادي بمختلف صوره، وهو مشوار طويل يحتاج عقودا لتحققه، لكنه يستحق بذل الجهد والمال بل والأنفس لتحقيقه يوما ما، لتضيف الأجيال المُتعاقبة لبنات في تكوينه.

وهو ما سار عليه محمد الجوادي ويوسف القرضاوي وطارق البشري ومحمد مرسي، وراشد الغنوشي ومحمد بديع ومحمد رفاعه الطهطاوي وعدنان مندريس ونجم الدين أربكان، وعمر المختار وأمين الحسيني وأحمد ياسين، وعبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري، وكل شاب فلسطيني ضحّى بروحه من أجل بلده، وهؤلاء الآلاف الذين ضحوا بممتلكاتهم وحرياتهم وحياتهم من أجل دينهم في ربوع العالم الإسلامي.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (2)
صلاح الدين قادم
الثلاثاء، 13-06-2023 02:26 ص
الكاتب المحترم، شكرا جزيلا لحضرتك على هذا المقال الرائع الذي اختصرت فيه ما يحدث بمصر بسطور قليلة، اختلافي الوحيد مع سعادتكم هو أن هذا النظام ليس خائن وعميل، لأنه مخلص ووفي مع عدوه التاريخي بشكل غير مسبوق وبدرجة تجعل الخائن والعميل يشعر أمامه بالخجل والعار، هو كيان محتل بلا جدال. على رأسه يجلس شخص لا يدين بدين الأغلبية، ولا ينتمي لثقافة وهوية شعبه، ولا يعمل لصالح الغير في تنفيذ بند أو بنود يطلبونها فحسب، بل يعمل بمنهجية لا تخطئها عين في تدمير وتخريب وتجريف كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. هذه ليست عمالة أو خيانة كما علمنا التاريخ، والمرحوم أبو التاريخ، بل إدارة واعية تعلم ماذا تفعل ولماذا تفعل وفي أي إطار زمني تفعل ما نراه في العلن وليس تحت الترابيزة كما كان يفعل العملاء والخونة. صح لسانك، الحل الوحيد في الدين، وتحديدا بالبحث في كتالوجه العظيم عن باب مقاومة المحتلين.
الكاتب المقدام
الإثنين، 12-06-2023 08:25 م
*** العرض الموجز للمقالة لما ارتكبته وما زالت ترتكبه العصابة الانقلابية من انتهاكات وجرائم في حق الشعب المصري، التي ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، وكان أسوأها انبطاح سلطة القضاء تحت بيادات الانقلابيين، وكنا نحسب القضاء يتمتع بدرجة معقولة من الاستقلالية تكفل له حد أدنى من الحيادية والنزاهة والعدالة، والنتيجة كما لخصها الكاتب بحق: "تتسبب في شرخ وانقسام مجتمعي"، مع تجاهل جهات وشخصيات عامة وسياسيون في الداخل، كان كثيرون يصدقون اتجاهاتهم الوطنية والقومية والليبرالية والاشتراكية، ولكنهم انضموا إلى الانقلابيين داعمين ومؤيدين لهم، ومشاركين لهم في نهب شعبهم، لنذالة وفُجر في الخصومة السياسية مع التيار الإسلامي الذي يحظى بتأييد غالبية المصريين، ولو كره الكارهون والطائفيون، وبرغبة مرضية في استئصال ما يزيد عن نصف الشعب المصري المؤيد لهم، لتنفرد الأقليات بحكم البلاد غصباً، رغم خطورة ذلك على السلم الاجتماعي، مع الصمت الدولي عن انتهاكات انقلاب العسكر، لكون السلطة الانقلابية تحقق لهم مصالحهم الآنية، ورغم أن الرأي العام العالمي كان قد رحب قبلها مع بدايات القرن، وصدق بالوعود والاتفاقيات في الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية، التي دعت للعمل على الحفاظ على حقوق الإنسان، واحترام حقوق المواطنة، ومحاربة الفساد، والعمل على نشر القيم الديمقراطية، وتعزيز المشاركة الاجتماعية والسياسية لشعوب العالم في حكم بلادهم، ولكن صعود وسيطرة اتجاهات وأحزاب عنصرية وطائفية متطرفة على شئون الحكم في العالم الغربي المتقدم، أدت إلى العصف بتلك المبادئ، والعودة إلى الرغبة في السيطرة والتعالي العنصري على شعوب العالم الثالث واستغلالهم، عن طريق تجنيد ودعم حكام انقلابيين يدينون بالعمالة لهم، ويحققون مصالحهم على حساب مصلحة شعوبهم، والجانب الإيجابي في ذلك، رغم الثمن الفادح المدفوع، هو أن الشعب قد أصبح أكثر وعياً بما يحاك له، وأصبح طريق التغيير والإصلاح أكثر وضوحاً وأقرب منالاً، والله أعلم بعباده.

خبر عاجل