تقارير

تداعيات الحرب على غزة.. ما واقعية التحذير من عودة "الجهادية العالمية"؟

ظهور الجماعات التي تتبنى عولمة الجهاد أمر وارد، وليس مستبعدا في مثل هذه الظروف..
ظهور الجماعات التي تتبنى عولمة الجهاد أمر وارد، وليس مستبعدا في مثل هذه الظروف..
في رصدها وتحليلها لتداعيات عملية طوفان الأقصى، والحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، استشرفت صحف غربية في تقاريرها ومقالاتها مدى تأثير تلك الحرب على حركات الإسلام السياسي، وانعكاسها على تنظيمات "الجهادية العالمية"، وإمكانية إنعاش تلك الحركات، وإعادة الحيوية والحضور للتنظيمات التي تتبنى "عولمة الجهاد".

صحيفة الإيكونوميست نشرت مقالا في عددها المطبوع في الثاني من ديسمبر الماضي بعنوان "ثورة دينية تجري في الشرق الأوسط: هل تستطيع النجاة من حرب غزة" رجحت فيه إمكانية انتعاش حركات الإسلام السياسي، وإحياء تنظيمات الجهادية العالمية، كردة فعل على المذابح التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، والدمار الفظيع الذي طال مساحات واسعة من البنيان والعمران في غزة.

وبعد استحضار المقال لتجليات وشواهد تراجع الإسلام السياسي، وتراجع "الجهادية العنفية"، ولفته إلى أن "الممارسة الدينية تغيرت بالفعل من التعبئة السياسية بهدف الخلاص المجتمعي، كما يتبناها الإسلاميون، إلى نزوع أكثر شخصانية إلى الروحانية.". وتغير أنماط التدين في السعودية، وزيادة التسامح على نطاق واسع في الدول الإسلامية، حذر المقال من تداعيات عملية طوفان الأقصى على ما أسماه "ثورة دينية تجري في الشرق الأوسط".

وبحسب المقال فإن "السؤال الآن هو ما إذا كان هجوم حماس قادرا على عكس اتجاه هذه الثورة من خلال تأجيج جذوة الإسلام السياسي من جديد، فمن الممكن أن تؤدي الحمية المناهضة لإسرائيل والغرب إلى إثارة جماهيرها من جديد"، وأضاف: "والسؤال هو كيف سيتطور الإسلام السياسي على إثر الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة؟ فمن الممكن أن يظهر جيل جديد من المتطرفين".

إذا كان من الوارد لعملية طوفان الأقصى وما تبعها من حرب دموية تشنها إسرائيل على غزة أن تفضي إلى إنعاش حركات الإسلام السياسي من جديد، ومدها بماء الحياة لتستعيد شيئا من حضورها السابق، فما احتمالية أن تفضي إلى إحياء تنظيمات الجهادية العالمية، كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، و"القاعدة" مرة أخرى؟

الباحث في شؤون الحركات الجهادية بمعهد هوفر في جامعة ستانفورد، كول بونزل استبعد وقوع ذلك، شارحا الأسباب التي دعته إلى ترجيح هذا الرأي في مقال نشره في "فورين أفيرز" بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 بعنوان "هل تعيد أحداث غزة إحياء التنظيمات الإسلامية في العالم؟.. لماذا لا يُرجح أن تؤدي الحرب بين حماس وإسرائيل إلى إحياء "داعش" والقاعدة مرة أخرى.

ولفت بونزل إلى أن إسرائيل "بعد الهجوم المميت الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) سارعت إلى مقارنة هذه الحركة بتنظيم "داعش"، وأعلن الحساب الرسمي للحكومة الإسرائيلية على موقع "إكس" المعروف سابقا باسم تويتر، أن المجموعتين تستخدمان التكتيكات نفسها، تحت اسمين مختلفين".

ونبّه إلى وجود خلاف أيديولوجي عميق بين حماس والجماعات الإسلاموية العالمية (الجهادية)، فتنظيم داعش أعلن تكفيره لحركة حماس منذ أيامه الأولى، بسبب ما سماه مجموعة من التجاوزات، كما امتنع عن الإشادة بوضوح بهجوم السابع من أكتوبر، أما تنظيم القاعدة فتبعا لتفريقه بين الجناح السياسي والعسكري لحركة حماس، فقد احتفى بالهجوم، ودعا إلى توسيع نطاق المعركة، وخلص الباحث إلى أن "تباينات الإسلامويين على المستوى الأيديولوجي من شأنها أن تحد من مدى قدرتهم على اغتنام هذه اللحظة لإعادة تنشيط حركتهم".

من جهته أبدى الباحث الأردني المتخصص في شؤون الحركات الجهادية، الدكتور مروان شحادة تحفظه الشديد على الرأي القائل بأن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على غزة قد يعيد الحياة للجماعات الجهادية، لأنها، في تقديره "خارج التغطية بالنسبة للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن".


                            مروان شحادة.. خبير أردني في شؤون الحركات الإسلامية

وأردف: "ولا أقصد بذلك أن تلك الجماعات تقف موقفا موحدا من القضية الفلسطينية، بوصفها قضية مركزية، إذ ثمة تباين في مواقفها من حركة حماس، وما يجري في قطاع غزة، فتنظيم الدولة الإسلامية يعتبرها من الحركات المنحرفة، إلى الحد الذي قد يصفها فيه بأنها مرتدة، أما تنظيم القاعدة فيصفها بالجماعة الجهادية، ويؤيد جهادها ومقاومتها، مع تحفظه على بعض سياسات ومواقف جناحها السياسي".

وواصل شحادة حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وحركة حماس، في تقديري هي شكل جديد من الحركات الإسلامية الوطنية التي ينحصر نشاطها وجهادها ومقاومتها في فلسطين المحتلة، ومن الممكن مقارنتها بحركة طالبان على اعتبار أنها حركة إسلامية وطنية ووصلت إلى السلطة عن طريق القوة، وكذلك حال حماس، وهي تحاول المحافظة على ما وصلت إليه بعد خلافات فلسطينية فلسطينية، في ظل الاحتلال الصهيوني المجرم".

ولفت إلى أن "تلك الجماعات حاولت في أكثر من مناسبة أن يكون لها حضور في القضية الفلسطينية، مع أن خطابها الجهادي لا يخلو من تضمين القضية باستمرار، لكنهم كما ذكرت سابقا أنهم خارج التغطية فيما يجري الآن، حتى نصرتهم غير فاعلة، وتنحصر في البيانات والمنشورات الإعلامية، وليس لها أي اشتباكات عسكرية مع قوات العدو الصهيوني في غزة، وعموم فلسطين، وهي فيما يبدو عاجزة عن تنفيذ أي عمل ضد العدو الصهيوني، أو الولايات المتحدة والدول الأخرى التي تدعم الكيان".

بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني من غزة، إياد القرا، إن "إحدى القضايا التي لا يتم عادة الحديث عنها هي ما بعد الحرب على غزة، فهي ستنتج في مآلاتها جيلا أكثر صلابة، وأكثر تمسكا بحقوقه، ولديه روح الانتقام من الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما حدث تماما بعد حرب 2014، فالجيل الذي قام بعملية السابع من أكتوبر هو ذاته الجيل الذي تعرض للقتل والمذابح والمجازر حينذاك".


                                               إياد القرا.. كاتب فلسطيني

وأضاف: "وظهور الجماعات التي تتبنى عولمة الجهاد أمر وارد، وليس مستبعدا في مثل هذه الظروف، خاصة في حالة غياب الحكومة المركزية، أو غياب الجهات القادرة على احتواء هؤلاء الشباب الذين شاهدوا تلك المجازر، ومن ثم يتم صهرهم في بوتقة وطنية تتبنى الخط الوسطي في الأفكار والمواقف".

واستدرك القرا في حواره مع "عربي21" قائلا: "لكن علينا في الوقت نفسه أن نأخذ بالحسبان بيئة غزة المحزبة، وواقع المقاومة التي ما زالت حتى الآن قادرة على المواجهة والصمود، وهو ما سيدفع الشباب للانضمام لها بعد الحرب على غزة بشكل أكبر، وهي قادرة على احتوائهم وضمهم إلى صفوفها أكثر من أية جهات أخرى".

ولفت إلى أن "من عوامل ظهور تلك الجماعات استحضار البعد الديني في الحرب، فالاحتلال يمارس حربا دينية من خلال خطابه وشعاراته وتصريحات ومواقف قادته وجنوده، وهذا سيشجع بعض الأشخاص في تبني أفكار عدمية الجهاد، والعودة إلى تلك الأفكار القائمة على ملاحقة اليهود في كل مكان، سواء كان في الدول العربية أو الأجنبية، ردا على ما ارتكبوه من مجازر باعتبار أن الهدف سيكون هو اليهود، وليس مرتبطا بالاحتلال بشكل مباشر في الأراضي الفلسطينية".

وفي ذات الإطار أكدّ الكاتب والباحث المصري المتخصص في حركات الإسلام السياسي، مصطفى زهران، أن "محاولات حركات الجهاد المعولم، وعلى رأسها تنظيما القاعدة وداعش لم تنجح في اختراق الجغرافيا الفلسطينية من جهة، والتموضع في قلب القضية الفلسطينية وجهادها ضد المحتل الإسرائيلي من جهة أخرى، على الرغم من أن ديباجتها الرئيسة التي صاغتها لجذب القلوب والعقول، وكذلك لافتتها التي تحركت بها كانت تحت دعاوى تحرير بيت المقدس".


                     مصطفى زهران، كاتب وباحث مصري في حركات الإسلام السياسي

وتابع: "ومما يعزز هذا التصور، الإشارة إلى ما قام به الشيخ عبد اللطيف موسى "أبو النور المقدسي" قبل سنوات في غزة من إعلان ما أسماه (الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس)، والتي لم تجد قبولا لا في غزة ولا في الضفة الغربية، ما يعد دليلا دامغا على فقدان تلك الدعوات للحاضنة الشعبية، وافتقارها للظهير السياسي في الحالة الفلسطينية".

ونبَّه زهران في تصريحاته لـ"عربي21" إلى أن "تنظيم داعش حينما حاول إعلان تواجده في الساحة الفلسطينية عبر استهدافه قوات إسرائيلية بواسطة إحدى خلاياه النائمة، لم ترقَ عملياته تلك إلى تاريخية المواجهة، وضخامة الحدث، وفي الوقت نفسه بعدها عن مسار نضال الشعب الفلسطيني نحو تحرير وطنه من قبضة الاحتلال، إلى البحث عن تواجده والإعلان عن نفسه لمزاحمة التيارات والجماعات الإسلامية هناك على حساب القضية نفسها".

ولاحظ في ختام كلامه أن "ما يشغل تلك التنظيمات بصورة عامة هو البحث عن مكاسب سياسية، وتحقيق مصالح خاصة بها تضمن لها البقاء بشتى الوسائل والإمكانات على حساب الجميع بما فيهم القضية الفلسطينية، وهو ما أوضحته وكشفت النقاب عنه معركة طوفان الأقصى، إذ أبرزت الوجه الحقيقي لتلك الأهداف، وغابت تلك التنظيمات عن القيام بأي دور حقيقي وفاعل لنصرة غزة، ومواجهة العدوان الوحشي عليها".
التعليقات (0)