ملفات وتقارير

كيان مريب.. ما خطورة تشكيل "اتحاد العرجاني" على أمن مصر؟

تم تدشين الاتحاد بقرية "العجرة" جنوبي مدينة رفح في شمال شبه جزيرة سيناء
تم تدشين الاتحاد بقرية "العجرة" جنوبي مدينة رفح في شمال شبه جزيرة سيناء
أثار الإعلان عن تدشين اتحاد يجمع القبائل العربية في مصر تحت قيادة رجل النظام المصري المثير للجدل وذراعه العسكري في شمال سيناء إبراهيم العرجاني، الكثير من التساؤلات حول الهدف من فكرة الاتحاد غير المسبوقة، والتي يبلغ عدد المنتسبين إليه نحو 10 ملايين مصري، في شرق وغرب وجنوب البلاد.

ومطلع أيار/ مايو الجاري، وخلال مؤتمر شعبي بقرية "العجرة"، جنوبي مدينة رفح في شمال شبه جزيرة سيناء، تم تدشين "اتحاد القبائل العربية"، برئاسة رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، صاحب السجل الإجرامي السابق في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، والرجل القريب من رأس النظام عبدالفتاح السيسي.

وخلال المؤتمر الذي نقلته وسائل الإعلام المصرية بكثافة واهتمام جرى اختيار السيسي رئيسا شرفيا للاتحاد، وإطلاق اسمه على القرية التي شهدت والمنطقة المجاورة على مدار السنوات الماضية مواجهات بين الجيش المصري مدعوما بعناصر العرجاني المسلحة أو ما يُعرف بـ(اتحاد قبائل سيناء)، وما تطلق عليه القاهرة عناصر إجرامية وتكفيرية.

وبحسب ما أعلنه المتحدث باسم الاتحاد، البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، يهدف الكيان الجديد وغير المسبوق لخلق إطار شعبي وطني يضم أبناء القبائل، وتوحيد صفها، ودمج الكيانات القبلية، ودعم ثوابت الدولة الوطنية، ومواجهة تحديات تهدد أمنها، وتبني القضايا الوطنية، وأخيرا "دعما للرئيس السيسي".

التحالف يضم 30 قبيلة، منها: الترابين، والسواركة، والمساعيد، والعيادية، والسماعنة، والسعديين، والرميلات، والبياضية، والعقايلة، والدواغرة، والرياشات، والعبايدة، والتياهة، والحوات، والنجمات، وبلي، والأخارسة، والصفايحة، وبني فخر، وأولاد سليمان، والأغوات، وحجاب، والحويطات، وغيرها.

اظهار أخبار متعلقة






"سجل إجرامي واسم ملوث"
ومع ما يثار عن السجل الإجرامي للعرجاني، ودوره في قتل مجندين مصريين في سيناء خلال مواجهات مسلحة أثناء عمليات تهريب للمخدرات في عهد حسني مبارك، والحكم عليه بالسجن، ثم ظهوره كمقرب من نظام السيسي في سيناء، ودوره في قيادة مليشيات قبائل سيناء، يظل ظهور اسمه على رأس الاتحاد مقلقا للكثيرين.



كما أن بروز اسم العرجاني، لاحقا كرجل أعمال له باع واسع في الكثير من المجالات والأعمال، وبينها إعمار غزة، ثم دور شركته "هلا" في ابتزاز الفلسطينيين الفارين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية عليهم منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتربحه نحو 88 مليون دولار منذ آذار/ مارس الماضي، من إجلاء نحو 20 ألف فلسطيني من معبر رفح مقابل 5 آلاف دولار لكل فرد وفق تقارير صحفية عديدة، يزيد الشكوك حول أدواره المحتملة.

الأمر دفع بمراقبين للتوجس من تدشين ذلك الاتحاد، والقول إنه يمثل خطرا على الأمن القومي المصري، ويعزز لدى القبائل العربية فكرة التمسك بأصولها وعدم الانخراط في المجتمع المصري، ويحيي النعرات القبلية التي تخلى بعض من أفراد القبائل عنها وانخرطوا في المجتمع المدني.

"مخطط التقسيم"
بل إن بعضهم ذهب للقول إن ذلك الاتحاد يمثل خطرا على السيسي نفسه، وتوقع أن يقود العرجاني تاجر السلاح والمخدرات وصاحب السجل الإجرامي، انقلابا مسلحا على السيسي، أو على من يأتي بعده، كما فعلها من قبل تاجر الجمال السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) مؤسس قوات "الدعم السريع"، عام 2010، والذي تقود مليشياته حربا على الجيش السوداني منذ نيسان/ أبريل 2023، اقتطعت خلالها نحو نصف السودان.

وقال الخبير العسكري المصري محمود جمال: "يبقى فقط أن يطلّ مرتديًا البدلة العسكرية حتى تكتمل الصورة"، مضيفا عبر موقع "إكس": "في الوطن العربي أمثلة عن تجارب تأسيس مليشيات مسلحة بقرار من الدولة ويكن ذلك خطر بالغ على الدول وأمنها، وبقراءة التجارب تتحول تلك التشكيلات إلى قوة مهيمنة ليس فقط في المجال العسكري بل حتى في المجالين السياسي والاقتصادي".

كما أعرب خبراء وأكاديميون عن مخاوفهم الشديدة من أن يكون ذلك الاتحاد نواة لتقسم البلد العربي الأكثر سكانا بنحو 106 ملايين في الداخل، إلى عدة دويلات، محذرين من أن يكون دور العرجاني المنوط به من قبل جهات أجنبيه وخاصة الاحتلال الإسرائيلي المحتل هو تقسيم مصر.

اظهار أخبار متعلقة



وكتب الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم السياسية الدكتور عصام عبدالشافي، قائلا عبر موقع "إكس": "كارثة حقيقية تتم بهدوء شديد في ظل الاهتمام الإعلامي العربي والدولي بأحداث غزة؛ وهي مخطط تقسيم مصر".

وأضاف: "السيسي بإعلانه عن تشكيل اتحاد القبائل برئاسة العرجاني يتقدم خطوات في هذا المخطط بتقسيم مصر واقعيا وتعزيز دور ميليشيات العرجاني عمليا لتكون بديلا عن الجيش الذي سيتم تفكيكه".

ويرى عبدالشافي، أن "السيسي جاء لهدف محدد، وكل ما قام به منذ انقلاب 2013 هو لتحقيق هذا الهدف"، مضيفا: "مصر سيتم تفكيكها إلى عدة دويلات كما فعلوا ويفعلون بالسودان وسوريا وليبيا واليمن والعراق والصومال"، متسائلا: "هل ينتظر الجيش اكتمال التفكيك أم أنه من بين المتواطئين والمشاركين في التنفيذ؟".




"إخضاع وسيطرة"
وفي رؤيته للهدف من تدشين اتحاد القبائل العربية قال الناشط السيناوي وأحد المنتمين للقبائل في شبه الجزيرة المصرية أشرف أيوب، إن "اتحاد القبائل قديم، وكان يترأسه سابقا على فريج، وتم استخدامه من قبل النظام الحالي للتمهيد لأحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 (الانقلاب العسكري الذي قادة السيسي قائد الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي)".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "النظام الحالي أعاد استخدام الاتحاد في سيناء لمواجهة الإرهاب، ثم حول الاتحاد إلى كيان اقتصادي، ثم كيان سياسي عرقي، وجعل منه بهذا التدشين الرسمي تنظيما عرقيا بديلا عن المواطنة المصرية".

ويعتقد أيوب، أن الهدف واضح وهو "إخضاع القبائل العربية لسطوة وسيطرة وقرارات وتوجيهات وإرادة النظام السياسي، وخططه ومشروعاته ومشروعات الجيش"، موضحا أن "كل المشروعات الجديدة في الجمهورية الجديدة يتم تدشينها الآن على حدود الجمهورية القديمة في الصحراء حيث موطن القبائل".

وأشار إلى "أن أغلب مشروعات نظام السيسي، تم تدشينها على الأطراف حيث توجد مناطق سيطرة القبائل، وأنه حين أراد السيطرة على الأراضي القديمة في الوادي والدلتا اصطدم بممتلكات راسخة وثابتة للأهالي حيث مصر المركزية، فأراد الخروج على الأطراف بعيدا في الشرق حيث شمال سيناء وفي الغرب حيث العلمين الجديدة وفي الجنوب، ليقيم مشروعاته وهنا اصطدم بالقبائل وكان عليه ترويضها وإخضاعها، وهذا الاتحاد إحدى خطط السيطرة".

ولفت إلى أن "توقيت تدشين الاتحاد يأتي بعد نحو شهرين من صفقة رأس الحكمة غرب البلاد بمشاركة الإمارات"، ملمحا إلى أنه "هنا وفي غيرها مثل العلمين الجديدة اصطدم بسيطرة القبائل العربية على مساحات واسعة من الأراضي ويطلب تهجيرهم منها وتسليمها لرجال دولته من النيوليبرالية الجديدة، ويسلم بعضها للجيش".

وقال إن الدولة دائما ما كانت تقوم بتخوين القبائل على أطراف وحدود مصر في سيناء شرقا وفي مطروح غربا، وفي حلايب وشلاتين وفي توشكى وأرض الورد والنوبة جنوبا وتتهمها بعدم الولاء للدولة المركزية، وبل وجعلتها منبوذة متهمة على مدار التاريخ، وهو هنا أراد أن يستبق أية حالة غضب محتملة بعد السيطرة على أراضي القبائل ووأد أي ثورة قبائلية محتملة".

اظهار أخبار متعلقة


"ميليشيات مزدوجة المهام"
وفي قراءته لمشهد تدشين اتحاد القبائل العربية قال السياسي المصري عمرو عبدالهادي، إن "الموضوع جد خطير؛ لأن السيسي، يجهز جيدا للفوضى كلما يتذكر أن مدده الرئاسية تقترب من نهايتها، حتى يصبح استمراره في الحكم مؤكدا".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف عبدالهادي، أن "السيسي يعلم جيدا أنه بمجرد انتهاء حرب غزة، سيعود الحديث مجددا  في أمريكا حول من سيخلفه في حكم مصر، وكيفية خروجه الآمن من الحكم".

لذلك فهو يرى أن "السيسي، يحافظ على علاقات جيدة مع روسيا، حتى تسانده في الفوضى التي يؤسس لها منذ بداية حكمه"، ملمحا إلى أن "خيارات السيسي، أصبحت قليلة، وأولها تعديل الدستور للبقاء مدى الحياة، كما فعلها حسني مبارك وأنور السادات من قبله".

وتابع: "أو يلجأ إلى توريث الحكم لأحد أبنائه أو إحداث فوضى، وحرب حتى يستطيع الاستمرار في الحكم مدى الحياة".

وخلص السياسي المصري للقول إن "العرجاني، هو اليد الطولى لمحمد دحلان (القيادي في فتح) وإسرائيل في مصر، والسيسي استخدمه سابقا لتوريط محمد مرسي (الرئيس الراحل) حين تم اغتيال الجنود والضباط في شهر رمضان في سيناء".

وأكد أنه "الآن يستخدم دحلان العرجاني لزرع ميليشيات مزدوجة المهام تحسبا لما هو قادم حتى يواجهوا الفلسطينيين والمصريين مستقبلا بطريقة غير رسمية شكلا، لكن بتخطيط وتحريض رسمي من السيسي".

"أخطر من حميدتي"
من جانبه، قال السياسي المصري خالد الشريف: "عند غياب الدولة وتصدر العصابات المشهد تظهر المليشيات والكيانات الإجرامية للاستحواذ على والسيطرة على المشهد".

القيادي في حزب "البناء والتنمية"، يعتقد في حديثه لـ"عربي21" أن "فكر ة اتحاد القبائل برئاسة العرجاني أقرب إلى أن يكون ميليشيا لملء الفراغ في سيناء، وإدارة عمليات إجرامية".

وتوقع أن تكون "مثل تلك الميليشيات التي تمتلك العتاد والسلاح والأموال أكبر خطرا على الدولة المصرية بل على المنطقة"، ملمحا إلى أزمة السودان بقوله: "ولنا في حميدتي مثلا وعظة، والذي حوًل السودان لساحة حرب وفوضى".

ويرى أن "هذا العرجاني، أخطر من حميدتي، وسيناء أكثر خطورة من السودان، فهي هدف الصهاينة والغرب، ومطمع جميع الأعداء، وبوابة مصر الشرقية؛ خاصة وقد عانينا فيها من الإرهاب المصطنع خلال السنوات الماضية".

ويعتقد السياسي المصري في نهاية حديثه أن "واجبنا الوطني يحتم أن نحذر من تلك الكيانات المشبوهة لأنها خطر حقيقي على مصر والمنطقة العربية".



"سيل من الغضب"
ووسط غضب لا حصر له بين النخب المصرية، تساءل السفير المصري السابق محمد مرسي: "ما هذا الاتحاد؟، وما صفته؟ وهل هو جمعية أهلية، أم أقرب لحزب سياسي؟ وما علاقته بمؤسسات الدولة؟ وما دوره تحديدا؟ وهل هو ظهير شعبي للدولة والحكومة؟ وما حاجتنا الحقيقية له؟ وهل تشكيله يعني فشل الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية؟.

وتابع تساؤلاته عبر صفحته بـ"فيسبوك": "وما الفارق بينه وبين النشأة المتشابهة تقريبا لكيانات أخرى كما حدث في السودان؟"، "وكذا كيانات أخرى في لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن؟".

الدبلوماسي السابق وأحد أبناء قبائل الصعيد العربية، أكد أن "اللعب بالنار أمر جلل، وأنه لا يمكن لأي مؤسسة أو نظام حكم مهما كانت قوته أن يحكم السيطرة علي ألسنة اللهب".



وقال الإعلامي محمد ناصر، إنه حذر في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2023، من تبعات توسع نفوذ العرجاني، وتحوله إلى غول لن يقدر عليه أحد ولا السيسي نفسه.

وأشار ناصر، عبر فضائية "مكملين"، إلى دور "الحشد الشعبي" في العراق، وقوات "فاغنر" في روسيا، و"الدعم السريع" في السودان، محذرا من احتمال طمع العرجاني في حكم مصر، ومتسائلا: هل العرجاني جاء بأوامر إسرائيلية؟.



وتساءل البرلماني السابق محمد أبوحامد، عبر صفحته بموقع "إكس"، عن عدم تقدم نواب البرلمان ببيان عن ماهية اتحاد القبائل العربية؟ ودورهم؟ وحدود نفوذهم، وصلاحيتهم، التي تجعل أحد زعماء الاتحاد يمشي في موكب مهيب وحراسة، وتتعمل له أغاني، وكأنه رئيس دولة أو مسئول كبير فيها؟



ومع سيل الانتقادات الجارية منذ الإعلان عن تدشين الاتحاد والحديث عن المخاوف والمخاطر التي قد تطال الدولة المصرية جراء ذلك حاول المتحدث الرسمي باسم الاتحاد مصطفى بكري نفي أية اتهامات تطاله بالقول، الخميس، عبر فضائية "صدى البلد" المحلية: "اعتبره فصيل من فصائل القوات المسلحة وبيشتغل معهم".


ما أثار موجة من الانتقادات والغضب والتساؤلات حول مدى قبول الجيش بمثل هذا الوضع، ومدى حاجته إلى مليشيات تتولى حماية جزء من الدولة، ووضع المواطن عند التعامل مع تلك العناصر.


فيما أشار البعض وبينهم الخبير العسكري محمود جمال إلى نص "المادة 200" من الدستور المصري، بشأن أدوار القوات المسلحة، والحظر "على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية".

وذهب الناشط المصري تامر شيرين شوقي، للقول: "مهما كان هذا الرجل مهما أو مخلصا أو بطلا في الكواليس كما تتخيلون؛ فهذه بداية النهاية، وبداية طريق اللي يروح ما يرجعش"، متسائلا: "أين أجهزة الدولة؟"، مضيفا: "هل لا يتعلمون من تجربة حميدتي في السودان، وفاغنر في روسيا، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق؟"، مستكملا تساؤلاته: "هل ما زال هناك شك أين نحن ذاهبون عمدا وخيانة؟"، خاتما بالقول: "لا قبل لأحد بما هو قادم".

 
وأشارت الأكاديمية المصرية علياء المهدي، إلى جانب آخر قائلة: "كنا نعيب على الإخوان فكرة العشيرة والقبيلة"، مؤكدة أن مصر طوال تاريخها لم تسمع عن اتحاد قبائل، معربة عن مخاوفها من أن يتم على نفس المنوال تدشين اتحادات أبناء "النوبة"، و"الشرقية"، و"كفر الشيخ"، و"مسلمي مصر"، و"أقباط مصر"، ونحول مصر إلى طوائف مثل لبنان.



التعليقات (0)