كتاب عربي 21

نظام الأسد... الخيار الأقل سوءا لسوريا؟

راميا محجازي
1300x600
1300x600
 يبدو أن المجتمع الدولي لا يزال يرى في نظام الأسد الخيار الأقل سوءاً لسوريا، وخصوصاً بعد تفاقم الأزمة وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية من التمدد، و فرض نفوذه، و إعلانه مؤخراً قيام دولة الخلافة في المناطق التي يسيطر عليها داخل الشرق السوري والعراق. لقد بات وجود الأسد اليوم أكثر من مرغوب؛ لأنه يلبي حاجة المجتمع الدولي فعلى الرغم من توافر كافة الأسباب والمبررات الموثّقة الكفيلة بإدانته وتحويله مع عصابته إلى محكمة الجنايات الدولية؛ وتكامل جميع المسوغات للتدخل الجدي وضربه في معاقله ؛ لم تتخذ إجراءات جدّية تجاهه إلى الآن ،والشعب السوري واعٍ تماماً وقادر على استيعاب تداعيات هذا التخاذل الدولي تجاه الانتهاكات الانسانية، و المجازر، والاعتقالات التعسفية، والتهجير القسري الذي يمارس ضده من قبل نظام الأسد، والدول الداعمة له. 
     
المشكلة الأساسية التي تعيق  تقدم مسار الصراع لصالح الشعب المضطهد في سوريا تكمن أولاً: في المعارضة الهشة التي مازالت غير قادرة على الإمساك بكافة الخيوط التي تحرك الوضع في سوريا والتحكم بها وضبطها حتى على المستوى الأبسط والمتمثل في تنظيم شؤونها الداخلية وإدارتها. ثانياً: ضعف آلية العمل وأدواته حيث تركزت أغلب جهود المعارضة على توثيق الانتهاكات، والشجب الإعلامي، وتقديم المبادرات، والتفاوض والسعي إلى التسليح، و التمويل، و جمع التبرعات، والإغاثة، وإعداد القيادات الحكومية  لما بعد الأسد، ومناقشة دستور البلد ما بعد الأسد وتنظيم المؤسسات وإدارتها، كل هذا جيد، لكنه بكل تأكيد لم ولن يكفي لإسقاط نظام متمكن مثل نظام الأسد .
     
قد يبرر هذا الضعف في الأداء بتشعب الأزمة، واختلاط الأوراق، وفتح أجندات دولية إقليمية قديمة وجد أصاحبها في الأزمة السورية اليوم الفرصة الذهبية لطرحها مجدداً في المنطقة ؛ لكنه لا يبرر إطلاقاً التغاضي الأحمق عن العمل المشترك بين جميع فصائل المعارضة تحت قيادة موحدة .
     
المعارضة اليوم بحاجة إلى أن تثبت للمجتمع الدولي أنها البديل الأفضل القادر على احتواء الأزمة وعليه لابد لها من العمل على تقديم دراسة واقعية موضوعية تطرح من خلالها رؤيا شاملة وجامعة للمشكلات الإنسانية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية التي يعانيها الشعب السوري بمجمله ، دراسة تتضمن مختلف الملفات المصيرية وتقدم من خلالها مخرجاً منطقيا ترتكز استراتيجيته على أرضية سورية يمكن في حال تطبيقه الحد من حاجة المناطق والأسر المنكوبة للدعم والمعونات الخارجية لسنين قادمة، بالتالي تنتج حلاً لكارثة تتطلب دعماً دولياً ضخماً، حلاً يستوعب الاحتياجات والأولويات، وخصوصاً في المناطق الشرقية المشتعلة والأكثر تأزماً والتي تعاني من صراع  قوات الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية والجيش الحر إضافة إلى قوات البي كي كي الكردية في  أقصى الشمال الشرقي.
  
إن هذا اللهاث المرعب على المنطقة حرف الثورة عن مسارها وشرذم الجهود وشعب الرؤى ناهيك عن المضاعفات التي تسبب بها تمدد داعش في المنطقة الشرقية، وسيطرتها على أهم منابع النفط و الغاز الطبيعي، الذي يعتبر من أهم دعائم الاقتصاد القومي والذي عقد الأزمة الاقتصادية في البلاد و خصوصاً بعد عمليات البيع غير الشرعية، والسرقة، والتسرب، وتوقف معظم شركات الاستثمار عن العمل نتيجة الفوضى التي أنتجها الصراع ، كل هذا أنتج تأزماً أكبر في أحوال المنطقة الشرقية، وفرض النزوح الطوعي والقسري على أهاليها . وأما الأسد فقد استغل إحكام سيطرته على المرافئ والموانئ في الغرب وأهم المطارات ليستقبل عبرها الدعم المستمر من حلفائه هذا الدعم الذي قوى من شوكته، و ثبت أقدامه في السلطة منذ بدء الصراع إلى اليوم  . 
   
على المعارضة اليوم تغيير مسار الأزمة لصالح الشعب؛ لا لصالح الأنظمة، ولا بد لها من تقديم البديل القادر على توحيد البلاد وضبطها بقوة ، إذ لا بد لبديل الأسد أن يفرض نظاماً جامعً وشاملاً للبلاد يسيطرعلى فوضى التسليح والتجييش، ويحمي الحدود. البديل المرضي لكافة أطياف الشعب السوري و للدول التي ستأخذ على عاتقها ضخ الدعم لسنين.

بعد الأزمة.المطلوب من المعارضة اليوم أكبر بكثير من الأعمال الإغاثية وملاحقة مجرمي الحرب و البحث في قضايا النازحين. المطلوب من المعارضة اليوم أن تتكاتف وتكثف جهودها لإيجاد خطة عمل واقعية، قادرة على ضبط البلاد، والنهوض بها والاستثمار المنتج لمقدراتها الطبيعية والبشرية، خطة عمل قادرة على توحيد البلاد مجدداً واستيعاب الكارثة الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، في المناطق المنكوبة والتي ستحتاج إلى أعوام قبل أن تنهض من جديد.

السوريون اليوم بحاجة إلى رأب الخلافات بينهم، والتماهي ضمن جسد واحد لمواجهة المرحلة القادمة، هم بحاجة إلى العمل معاً بجدية، وموضوعية، ومهنية قبل حاجتهم إلى الدعم المالي واللوجيستي الخارجي؛ إذا ما أرادوا حقاً إيجاد مخرج حقيقي للأزمة التي تتفاقم وتتعقد في كل يوم أكثر، و إن لم تضبطها أياد سورية بحزم سيكون من الصعب جدا الحؤول دون كارثة مؤلمة لعقود قادمة .

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل سيتمكن رئيس الائتلاف الجديد هادي البحرة من الإمساك بخيوط فصائل المعارضة  المتناحرة فيوحدها، و يفرض استراتيجية محكمة في ضوء الواقع الذي تعيشه الثورة، وهل سيتمكن من إقناع الغرب بأن المعارضة هي الخيار الجيد الذي ينقذ الشعب و يضمن استقرار المنطقة؟ وهل سيتمكن من إفشال مخطط التقسيم ؟ وهل بإمكانه بإمكانه أن يحرر السوريين من الاحتلال الإيراني ؟ أم سيبقى الأسد الخيار الأقل سوءاً في نظر الغرب ؟

والجواب على هذا السؤال متعلق بمدى تعاون الفصائل المعارضة ، وقادتهم و جديتهم في تحقيق  خلاص الشعب السوري الذي يجب أن يكون هدف الجميع الذي لا تحرف عنه الأنانية، والأغراض الخاصة، والرغبة في السلطة، فليس الوقت الآن وقت التنازع على السلطة، والمعارض الذي يريد أن يصل إلى سلطة ما على ركام جثث الشعب لا يختلف عن أي عنصر من شبيح أو حالش أو داعش. 
التعليقات (0)