حول العالم

قناع "نيمبا" متعدد الأوجه.. سفير غينيا إلى العالم

"نيمبا" رمز للخصوبة ودرع للحماية لدى طائفة "باغا" بغينيا السفلى - الأناضول
"نيمبا" رمز للخصوبة ودرع للحماية لدى طائفة "باغا" بغينيا السفلى - الأناضول
هو الرفيق المفضّل لجميع أفراد عرقية "باغا" في منطقة غينيا السفلى (غرب أفريقيا).. "نيمبا" قناع يوفّر لهم الحماية ويمنحهم الخصوبة بحسب الأساطير المتوارثة عبر الأجيال. رمزية تجسّدت من خلال اختياره ليزين ورقة الـ5 آلاف فرنك في غينيا، ليتحوّل بذلك هذا القناع الذي كان إلى وقت قريب يميّز عرقية بعينها إلى رمز لبلد بأكمله، لما يستبطنه من ثراء حضاري حمّال لأوجه عديدة من المعاني.

"مامادو بايلو تراوري" أمين متحف "بوكيه" الواقع على بعد 307 كم من العاصمة كوناكري، قال إن "النيمبا هي آلهة الخصوبة، ولذلك فإنّه من المستحيل أن يقام حفل زفاف من دونه، إذ إنه كلّما كان هناك زواج في طائفة "باغا"، كان نيمبا هو المرافق الأوّل له".

المتحف هو عبارة عن مبنى شيّده المستعمر الفرنسي في 1878، وقد كان يستخدم كنقطة لتجميع العبيد من أجل شحنهم في مرحلة تالية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية. أمّا اليوم، فقد تحوّل هذا المبنى إلى متحف يجمع بين أركانه أقنعة "نيمبا".

يقول "تراوري" المنحدر من طائفة "باغا" المتمركزة بالأساس في محافظات "بوكيه" و"بوفا" بغينيا السفلى: "حين تتعرّض المرأة إلى مشاكل أو عراقيل في الإنجاب فإنّنا نقوم بإرسالها لتقف أمام أحد أقنعة نيمبا، ثم تقوم بالسجود مع ملامسته. وفي معظم الأحيان، فإنّها تحصل على طفل خلال فترة زمنية قصيرة للغاية".

أكثر من 10 عرقيات تتعايش في منطقة غينيا السفلى.. أجواء من السلام تعمّ العلاقات بين أفرادها رغم اختلاف المعتقدات والطقوس الدينية. فكلّ مجموعة عرقية تحافظ على خصوصيتها، مع حرصها ألاّ تمسّ تلك الخصوصية من حالة التعايش السلمي المخيّمة على المنطقة، ومن التقاليد الأفريقية المتوارثة والسائدة، التي قد يحدث وأن تمتزج بهدوء مع المميّزات الخاصة لكلّ عرقية، دون أن تشوّهها أو تفقدها سمتها الأصلية.

ووفقا لتقاليد طائفة "باغا"، فإنّ لقناع "نيمبا" أكثر من دور، فهو رمز للخصوبة، وليس ذلك فحسب، وإنّما هو من يوفّر الحماية للطائفة، فهو رفيق الأزواج، وهو من يسبغ عليهم الطمأنينة والحماية ويبعد عنهم الحسد والعين والأرواح الشريرة، وهذا ما يفسّر الأهمية القصوى التي يحظى بها هذا القناع متعدّد الوظائف لدى طائفة "باغا".

"مايا ييتشي" سيدة في السبعين من عمرها تنتمي لهذه الطائفة، قالت متحدّثة عن "نيمبا" "إنّه الضامن للازدهار ولخصوبة الرجال والأرض على حدّ السواء. وإضافة لذلك، فإنّ قناع نيمبا كان يستخدم أثناء تشييع جنازات أعيان قرى باغا، لتوجيه الموتى نحو عالم الأسلاف".

 وجه آخر أو ملامح مغايرة لهذا القناع ترتسم حين يوضع على الوجوه لأداء رقصة خاصة بهذه الطائفة. عرض استثنائي ومن أجمل ما يمكن للمرء أن يشاهد، بالنسبة لعشاق "النيمبا"، والذين يستمتعون بمتابعة لوحة راقصة على قدر من الروعة، تزيّن حفلاتهم، وتبعث فيها الكثير من البهجة.

"ييتشي" أضافت أنّ "من يرتدي القناع ينبغي أن يكون شابا وقويا، حيث يقوم بوضع تمثال "نيمبا" على قدميه الأماميتين، ويكتفي بتركيز النظر من خلال الفجوة بين الثديين، ويتحرّك بخطوات ملتصقة بحيث إنّه لا يرفع قدميه بل يتقدّم زاحفا عليهما، على وقع إيقاع الطبول الأسطوانية الشكل.. إيقاع يؤمّنه رجال بأجساد قوية، في حين تطلق النساء صيحات مدوّية ويهززن فروع أشجار النخيل دلالة على الفرح".

وأثناء الرقص، يفلت بعض الرجال من الحلقة، ويتوجّهون نحو القناع للمسه بغرض الحصول على خصائصه، بما أنّهم يعتقدون بأنّ تلك الطريقة كفيلة بسريان الخصوبة والقوة إلى أجسادهم.

ومع أنّ "نيمبا" لا يزال يحظى بتقدير كبير في طائفة "باغا"،  إلاّ أنّ "ييتشي" أكّدت أنّه فقد الكثير من التبجيل مقارنة بالحقب الماضية، مضيفة باستنكار أنّ "العالم تغيّر ولم يعد كما كان، والبلد (باغا) تغيّر أيضا. أنا على يقين بأنّ العودة إلى نيمبا ستجلب لطائفتنا الارتياح والحماية".

أمين المتحف عاد ليؤكّد في ذات السياق، أنّ "كلّ نحت له مكانته في الموروث الثقافي الغيني، وقناع نيمبا والمعروف أيضا باسم دمبا، يعدّ أبرزها، بل إنّه من مميزات الثقافة الغينية في الخارج، وليس أدلّ على ذلك من أنّ هذا القناع قد تمّ إعادة نحته من قبل عدد كبير من النحّاتين في مناطق مختلفة من القارة الأفريقية".

اليوم، واعترافا بالعمق الثقافي الذي يمثّله هذا القناع، اختارته السلطات المعنية في غينيا ليزيّن ورقتها المالية من فئة 5 آلاف فرنك. ففي عام 1960، قدّم هذا القناع هدية للرئيس الغيني الراحل "سيكو توريه"، غير أنّه سرق منه.

وفي زيارة له إلى معرض أقيم بالعاصمة اليابانية طوكيو، عثر "توريه" على قناعه المسروق، وقد كان معروضا على إحدى الرفوف.

حصل قناع "نيمبا" على الجائزة الأولى خلال تلك التظاهرة الدولية. وبعودته إلى كوناكري، طالب "توري" باستعادة القناع، فأرسل إاليه حوالي 15 قناعا، بيد أنّه رفضها جميعا، وكان عليه العودة إلى طوكيو من أجل الحصول على قناعه المسروق، بحسب أمين المتحف، الذي ختم قائلا: "نيمبا هو أفضل سفير لنا في العالم".
التعليقات (0)