كتاب عربي 21

لا كوابح للفتنة في مصر

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
يشكل الإسلاميون في الوطن العربي عموما وفي مصر خصوصا تيارا شعبيا وجماهيريا واسعا، وهم يتمتعون بشعبية واسعة تمكنهم في بعض الأحيان من الفوز في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وهذا التيار لا يقاس بعدد الأعضاء المتحزبين فقط، وإنما أيضا بأعداد المؤيدين له والمناصرين والمتعاطفين. وإذا كان لنا أن نحصي المتعاطفين فإن التيار الإسلامي يحظى بأكبر عدد من المتعاطفين على طول الساحة العربية وعرضها، وأكثر من أي حزب أو تجمع آخر، والسبب هو أن التيار الإسلامي في كثير من الأحيان يعبر عما يجول في خاطر الناس، وعن رغباتهم حول نظام الحكم الأفضل الذي يودون العيش في ظله.

ولهذا ينطوي استبعاد الإسلاميين عن الساحة السياسية، واتخاذ الإجراءات ضدهم على مخاطرة كبيرة من ضمنها تعزيز مقومات الفتنة التي تنطوي على صعوبات جمة، وعلى الكثير من المصائب والأهوال والأحزان. حشر الإسلاميين في الزاوية، وزجهم في أتون الاتهامات والتشهير والإساءة، وحرمانهم من حقوقهم كمواطنين سيؤدي إلى رد فعل قوي مستقبلا قد يتصاعد إلى اقتتال داخلي. وهذه صورة ليست بعيدة عنا، وهي ليست خيالية، فهي تعيش معنا في بعض البلدان العربية، ونحن نلمس النتائج المأساوية التي تمخض عنها الاقتتال الداخلي في بعض العرب.

مصر تعيش حالة هيستيريا ضد الإسلاميين، وهي لا تنفك تستعمل قضاءها لإصدار الأحكام المؤلمة والثقيلة ضد رجالات الإخوان المسلمين وقادة الحركة. سبق للمحاكم المصرية أن أصدرت أحكام إعدام بالجملة ضد منتسبين لحركة الإخوان، وما زال المسلسل مستمرا حتى الآن. ولا يبدو لي أن القائمين على مثل هذه الإجراءات القضائية والأحكام يدركون التبعات الخطيرة التي ستترتب على أقوالهم وأفعالهم. إنهم ببساطة يهددون الأمن القومي المصري، ويدفعون بالشعب المصري إلى مزيد من الآلام والأحزان. ويبدو أنهم لا يرون أن مصر يكفيها ما فيها، ويريدون زيادة الطين بلة.

ليس من الحكمة بتاتا أن يدفع حكم بقطاع كبير من شعبه إلى زاوية الحصار والعزل لما في ذلك من تنمية لمشاعر الكراهية والبغضاء التي يمكن أن تتأجج بين الناس فتنتهي إلى رغبات في الثار والانتقام. الحكمة تتطلب حل المشاكل والعقد بالتروي والتفكير غير المتشنج وبعيدا عن التعصب السياسي والحزبي والانطباعات المسبقة. تهميش قطاع واسع من الشعب، وحتى تهميش قطاع ضيق يعبر عن غباء سياسي وعن ضيق أفق وعدم قدرة على فهم حركة الشعوب. لا شيء أشد وطأة على الإنسان من شعوره بالظلم، والظلم يؤجج المشاعر ويولد الوعي به، ويؤسس في النهاية للبحث عن سبل للتخلص منه، وأهم هذه السبل تاريخيا المواجهة المباشرة بين الظالم والمظلوم وما تعنيه من اقتتال وسفك دماء وتدمير ممتلكات وخراب بيوت. إنه من المهم أن يسأل الحاكم نفسه عن المواطن التي أنزل فيها ظلما بالآخرين وذلك للإسراع في المعالجة. الظلم سيء، والنوم على فراشه أشد سوءا. أما التمادي في الظلم فلن يكون مردوده سوى التعجيل في نهاية الحاكم.

قناعتي الذاتية أن الإسلاميين أخطأوا كثيرا، وما زالوا يخطئون حتى الآن ويصرون على الخطأ. هم يخطئون أساسا في التدريس الديني الذي ينقلونه للأجيال، ويحولون الدين الإسلامي إلى دين تعصب وظلامية وجهل، وهم يتطرفون كثيرا في الفقه الإسلامي إلى درجة أنهم حولوا أزماتهم النفسية والاجتماعية إلى تشريعات وفتاوى تهلك الناس وتنهكهم. لقد تمادوا كثيرا في التضييق على الناس وصنعوا دينا يختلف جوهريا عن الدين الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم. وهم مطالبون دائما بسماع آراء الآخرين عساهم يرون ما يراه الآخرون. هم يغمضون أعينهم ويغلقون قلوبهم، ولا يريدون سماع نصيحة لله، ومستمرون في إثقال الدين الإسلامي في تفاصيل الفقه وتفاصيل التفاصيل حتى حولوا الدين الإسلامي من دين يسر إلى دين عسر.

لكن مهما بلغوا من المغالاة والتعقيد الديني وتكفير الآخرين يبقى الحل الأمثل هو التحاور معهم ومواجهة حججهم بحجج أخرى. الانتقام ليس حلا، وهو ليس من شيم رجل الدولة العاقل والرزين. إنه من شيم الغوغاء والجهلة والمتعصبين. من المفروض أن يجنح المصريون نحو الحوار قبل أن نصل إلى حيث لا يفيد الندم. يجب فتح الحوار مع الإخوان المسلمين والتوجه نحو المصالحة من أجل وحدة الشعب وترسيخ قيم التسامح والتفاهم. من المفروض أن نتوجه في الساحة العربية ليس نحو العيش معا فقط وإنما نحو الحياة معا أيضا. نريد أن نحيا معا من أجل تعزيز العمل معا وتعزيز الثقة المتبادلة بين الناس أنفسهم، وبين الناس والحاكم. ولا شيء يحقق هذا مثل العدل، العدل هو سيد الحكم، وما من حاكم عدل إلا حقق التميز والرقي والنهوض والتقدم في مختلف مجالات الحياة. ولهذا الأمل كبير في أهلنا المصريين بأن لا يبالغوا في الشيطنة المتبادلة وأن يعودوا إلى عقولهم عسى في ذلك ما يعيدهم إلى سواء السبيل. ما يجري في مصر شطط وتخريب وتدمير، والمسؤولية تقع أولا وأخيرا على السيسي ومن حوله من أعوان.
2
التعليقات (2)
Dr. Walid Khier
الخميس، 23-06-2016 12:14 م
يحتوي المقال علي العديد من المغالطات و التعميم المخل رغم ما يبدو عليه ظاهرياً من عقلانية الطرح و التحليل، و سأكتفي بإثنتين منهم هنا: 1- المقال يصور الأحداث الجاريه في سياق خلاف سياسي بين تيارات مختلفه سياسياً و ايديولوجياً، ويهيب بالطرف الجائر التعقل لتفادي الإنسداد السياسي الذي يؤدي إلي الإنفجار. بينما وقع الأمر أن مصر سقطت غنيمه لتشكيل عصابي كبير يتألف من القوات المسلحه و القضاء و الشرطه، و يعتبر البلد ملكاً خاصاً له محرم علي من سواه. و هذا التشكيل حالياً في مرحلة التحول إلي عشيره في المجتمع، أو ارستقراطيه اقطاعيه جديده مغلقه علي أعضائها تستعبد عموم الشعب. فدخول هذه الكليات والتعيين في المناصب يخضع لفرز أولي علي أساس القرابه، و الاستمرار فيها يخضع لعدة مراحل من الفرز تستبعد المشكوك في ولائهم لهذه الشريحه. لذلك فأن الأمر ليس خلافاً سياسياً بالمره بل إحتلالاً داخلياً من فئه من المنتفعين و المصابين بسعار الجاه و السلطه. 2-يتهم المقال الإسلاميين بتكفير المخالف، و لا يشرح لنا من يقصد. فهل يقصد الاخوان المسلمين؟ أم الجماعه الإسلاميه؟ أم الصوفيه؟ ام حزب النور السلفي (أو بالأصح الوهابي)؟ أم عموم السلفيين؟ هذه التيارات الاختلاف بينها و بين بعض كاختلاف ألإتجاهات الأساسيه الأربعه رغم أن كلها تعد تيارات اسلاميه. ثانياً، يلجأ مره آخري للتعميم المخل برمي تهمة التكفير دون أن يذكر وقائع محدده. فهل مثلاً عندما يصرح احدهم أن الدوله كمؤسسه لا دين لها يفترض في الإسلاميين خلع لقب الإمام الأكبر عليه؟ هل عندما ينادي آخر بالزواج المختلط بين الأديان في تحدي سافر و إزدراء واضح لأحكام الإسلام أن يندييه الإسلاميين بفضيلة الشيخ؟
محمد من مصر
الخميس، 23-06-2016 11:47 ص
عن أى مصالح تتحدث يا دكتور وعن أى سيسى ...الذى يحاصر أهلك فى غزه أم الذى يطالب العرب جميعا بإقامة وتدفئة السلام مع "إسرائيل" الذى قتل ويقتل أهله فى سيناء وفى كل ميادين مصر أم الذى يملئ سجونه بأكثر من 60 ألف معتقل الذى ضيع مصر وأهلها فى كل مكان اقتصاديا وسياسيا و تاريخيا وفرط فى النيل ووووو أم غيره لقد خذلتنى يادكتور عبدالستار وقد كنت أتابع تحليلاتك وبشفغ وأنت تتحدث عن المقاومة ضد الاحتلال وتفضح خيانات سلطة أوسلو التى تعرضت كثيرا لأذها والأن تريد للمصريين أن يسلموا أنفسهم لمن هو أسؤ وأشد خيانة من عباس أبو مازن الله يسامحك ياشيخ خرجتنى من شعورى عالصبح

خبر عاجل