كتاب عربي 21

مبادرة الدكتور شلح جديرة بالنقاش

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
طالت الأزمة الداخلية الفلسطينية، وعلى الرغم من توصل كل من فتح وحماس إلى اتفاقات مصالحة ثنائية على طريق تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية فإن الدرب نحو التنفيذ بقي مليئا بالحواجز والعراقيل. لقد فشل التنظيمان في تنفيذ ما كان يتم الاتفاق عليه، واستمرا في جرّ الشعب الفلسطيني إلى المزيد من اللغط والتنافر والانقسام. والملاحظ أن كل تنظيم كان يكيل التهم للتنظيم الآخر في إفشال تنفيذ الاتفاق، وكان كل طرف يؤكد أنه هو الذي يبحث عن مصالحة حقيقية لكن الطرف الآخر يعمل وفق برنامج خاص لا يأخذ المصلحة الوطنية الفلسطينية بعين الاعتبار. وكان يضيع الفلسطيني بين الاتهامات والاتهامات المضادة، ولا يدري بالضبط من الذي يتحمل مسؤولية استمرار الانقسامات على الساحة الفلسطينية، حتى جاءت مبادرة الدكتور رمضان عبد الله شلح.

لم يحمّل الدكتور رمضان أحدا مسؤولية استمرار الوضع المأساوي على الساحة الفلسطينية. لكنه مقتنع كما يقتنع كل فلسطيني أن الساحة الفلسطينية مريضة وبحاجة إلى إنعاش أو إلى تمريض على الأقل، فأطلق مبادرته التي يُشكر عليها. الواضح أن كل الفصائل الفلسطينية عدا حركة فتح رحبت بالمبادرة وأظهرت استعدادها للتعامل معها. تحدث أحد أركان حركة فتح عن المبادرة وامتدحها، لكن لم يصدر تصريح رسمي باسم الحركة يقبل المبادرة ويوافق على مناقشتها بانفتاح وبمشاركة جميع الفصائل ومن يرغب من أبناء الشعب الفلسطيني. وهذا يشكل على الأقل قرينة أن مسؤولية تعثر تحقيق مصالحة داخلية تقع على عاتق حركة فتح بالدرجة الأولى، بخاصة أن مبادرة الدكتور شلح وضعت إصبعها على الجرح في بندها الأول.

دعت مبادرة الدكتور شلح في البند الأول إلى إلغاء اتفاق أوسلو إذا كان الهدف العودة بالساحة الفلسطينية إلى سابق وحدتها، وحركة فتح هي المسؤولة عن توقيع اتفاق أوسلو وتوريط الشعب الفلسطيني به. تقول الحركة إن لها مآخذ كثيرة على الاتفاق، لكن هذا لا يشكل مبررا لاستمرار الالتزام به. وإذا كان لنا أن نستفتي الشعب الفلسطيني، فإنه من المتوقع أن تحمل الأغلبية مسؤولية الانقاسات لاتفاق أوسلو لأن الناس قد اكتووا بنار الاتفاق، وأصبحوا على وعي تام بالورطات التي فرضها الاتفاق علينا جميعا.

فعندما تحدث الدكتور شلح عن إلغاء الاتفاق لم يتحدث من فراغ، وإنما تحدث عن عميق وعي بما أحدثه الاتفاق من ويلات بخاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني والتطبيع واسع النطاق. لقد وضع الاتفاق الفلسطيني ضد الفلسطيني، وأصبح الفلسطيني يعتقل الفلسطيني دفاعا عن الأمن الصهيوني. وكرس انطباعا بأن أعداء الكيان الصهيوني هم أعداء السلطة الفلسطينية وتجب ملاحقتهم وزجهم بالسجون.

إخوة السلاح، وإخوة المقاومة الذين قضوا معا سنوات طويلة في المعتقلات الصهيونية، تحولوا إلى سجان وسجين، وتحولت القلوب عن الصداقة والمحبة إلى كراهية وبغضاء وأحقاد، وتأثر النسيجان الاجتماعي والأخلاقي إلى درجة التمزق والتدحرج إلى الأسفل. اتفاق أوسلو مأساة حقيقية، ومن الصعب أن يتعايش الفلسطينيون معا في ظله، ولم يكن من مفر من الاقتتال. اتفاق أوسلو بنى للاقتتال الداخلي الفلسطيني عندما ألزم الفلسطينيين بملاحقة من يسمون بالإرهابيين، وبالتعامل الحسن مع الجواسيس والعملاء. وكان السؤال الذي يلوح بالأفق دائما: كيف يمكن أن أتصالح مع أخي وهو ملتزم باعتقالي أو قتلي أو ملاحقتي من أجل الأمن الإسرائيلي.

ودعا الدكتور شلح المنظمة إلى سحب اعترافها بإسرائيل لأنها أضاعت ورقة قوية كانت بيد الشعب الفلسطيني. كانت إسرائيل بالنسبة للشعب دولة مغتصبة للأرض وهي المسؤولة عن منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، وهي سبب كل الحروب وسفك الدماء في المنطقة، وكانت تعتبر دولة غير شرعية وعليها إعادة الحقوق إلى أصحابها. الاعتراف بها كدولة حقيقية أعطاها المخرج القانوني الذي كانت تريده على مدى الأيام. ولا غرابة أن الولايات المتحدة وضعت الاعتراف بإسرائيل على رأس شروطها على الفلسطينيين ليحظو بالجلوس مع ممثليها. أمريكا تدرك أهمية الاعتراف الفلسطيني بالكيان الغاصب، وتدرك أهمية منحها الشرعية القانونية على لسان المشردين من ديارهم، وكانت تدرك أن دولا عربية كثيرة كانت تنتظر الاعتراف الفلسطيني لكي تقيم علاقات مع إسرائيل.

منظمة التحرير قدمت الاعتراف مجانا وبدون مقابل، ودون أن تضمّن اتفاق أوسلو اعترافا إسرائيليا بالحقوق الفلسطينية. الحقوق الوطنية الثابتة بقيت ضمن مواضيع التسوية النهائية، ولم يأخذ الفلسطينيون إلا سلطة فلسطينية تعمل وكيلا للاحتلال على نمط حكومة فيشي الفرنسية بل أسوأ.

فحتى يتخلص الفلسطينيون من الورطات التي يعانون منها الآن لا بد من التخلص من اتفاق أوسلو وكل الاتفاقيات التي نبعت منه. من المحتمل أن تلغي إسرائيل السلطة الفلسطينية إذا ألغي اتفاق أوسلو، وأن تطرد العديد من رموزها خارج فلسطين، لكن العودة إلى الإرادة السياسية الحرة بالنسبة للفلسطينيين أهم من الأموال ومن السلطة نفسها. الشعب الفلسطيني ما زال في مرحلة تحرر وطني، ومطلوب منه حشد كل الطاقات لتحقيق هدف التحرير، ولن يتم تحرير من خلال الاتفاقيات مع المغتصبين.
0
التعليقات (0)