حقوق وحريات

كيف تحول الاختفاء القسري لعقوبة "إعدام" بمصر؟ خبراء يجيبون

رصد مركز الشهاب لحقوق الإنسان تعرض 5500 حالة للاختفاء القسري منذ فض اعتصام رابعة- جيتي

أكدت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" أن عدد الذين تم اختفاؤهم قسريا منذ 30 حزيران/ يونيو 2013 وحتى آب/ أغسطس 2018، بلغ 1520 حالة تم رصدها وتوثيقها من خلال ثلاثة تقارير أصدرتها الحملة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الاختفاء القسري.

ورصد بيان للحملة الخميس 30 آب/ أغسطس الجاري، أن الفترة من آب/ أغسطس 2017 حتى آب/ أغسطس 2018، شهدت 230 حالة اختفاء قسري، من بينهم 4 سيدات، بالإضافة لـ64 حالة أخرى لم تتمكن الحملة من توثيقها.

ويشير البيان، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، إلى أن 32 حالة من بين الـ230 ما زالت رهن الاختفاء القسري، بينما يوجد 51 حالة رهن الحبس الاحتياطي، بعد ظهورهم أمام النيابات، وهناك 10 حالات تم إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا، بالإضافة لإطلاق سراح 11 حالة دون مثولهم للتحقيق، وما زالت 126 حالة غير معلوم مصيرها.

وأشار البيان إلى أن ما ميَّز حالات الاختفاء القسري خلال هذه الفترة هو التوسع في استخدامها ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، والذين يتم اختفاؤهم لأسابيع وشهور ثم يظهرون أمام نيابة أمن الدولة على ذمة قضايا ملفقة، بعد أن يتعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة بمقار الأمن الوطني؛ لإرغامهم على الإدلاء بمعلومات أو الاعتراف بجرائم أو للتنكيل بهم، كما وثقت الحملة 8 حالات تعرضت للاختفاء القسري أثناء تنفيذ إجراءات إخلاء سبيلهم.

ورصد مركز الشهاب لحقوق الإنسان تعرض 5500 حالة للاختفاء القسري منذ فض اعتصام رابعة آب/ أغسطس 2013 وحتى آب/ أغسطس الجاري، من بينهم 44 حالة تم تصفيتهم جسديا خارج نطاق القانون.

ويضيف المحامي والحقوقي أحمد عبد الباقي، لـ"عربي21"، أن سلطات الأمن المصرية تستخدم الاختفاء القسري في تصفية المعارضين، وهو ما جرى خلال الشهور الماضية منذ تولي وزير الداخلية الحالي محمود توفيق مهام منصبه، حيث قامت قوات الأمن بتصفية 50 معارضا في اشتباكات تبين أنها مزيفة، بشهادة ذوي المعتقلين الذين كشفوا أن أبناءهم اختفوا قسريا قبل كشف الداخلية عن تصفيتهم جسديا.

ويؤكد عبد الباقي أن ملف الاختفاء القسري لا يخضع لأي إجراءات عقابية ضد الجهات المسؤولة عنه، حيث يتم تجاهل الشكاوي والتلغرافات التي يرسلها أهالي المختفين قسريا للنائب العام والهيئات المعنية بحقوق الإنسان، كما أن جهات التحقيق تتجاهل هي الأخرى إثبات حالات التعذيب التي تظهر على المعتقلين، وترفض التحقيق مع سلطات الضبط التي قامت بتنفيذ عملية الاختفاء القسري.

ويشير الحقوقي المصري أن الحكومة المصرية ترفض الاعتراف بوجود الاختفاء القسري ضمن منظومتها الأمنية، كما اعتقلت الحقوقي عزت غنيم، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، بعد فضحه لحالات الاختفاء القسري. ومارست الداخلية ضد غنيم ما كان يحذر منه، حيث ظهر في النيابة بعد أسبوعين من اعتقاله، وهو ما جرى مع حالات أخرى وثقتها المنظمات الحقوقية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش، والشبكة العربية لحقوق الإنسان، ومركز النديم لضحايا التعذيب، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان.

الأولى عالميا


ويضيف المدير التنفيذي لمنظمة السلام لحماية حقوق الإنسان بجنيف، علاء عبد المنصف، أن مصر عرفت الاختفاء القسري بشكل موسع منذ تولي اللواء مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية في الفترة من آذار/ مارس 2015 وحتى حزيران/ يونيو 2018، حيث استحدث هذا الانتهاك بشكل مُتكرر وممنهج مع المعارضين السياسيين، ما دفع بمصر إلى صدارة دول العالم في هذه الجريمة.

ويشير عبد المنصف إلى أن الاختفاء القسري أصبح سلاحا في يد السلطات المصرية تستخدمه دون أدنى محاسبة قانونية، موضحا أنه رغم أن مصر لم تنضم لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولم توقع على الاتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري، إلا أنها طرف باتفاقيات أخرى تحمل في طياتها حقوقا تحمي الأفراد من الاختفاء القسري، وأهم هذه الاتفاقيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب الدولية.

ويضيف عبد المنصف أن منظمته وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تتلقى عشرات الشكاوى يوميا عن تعرض مواطنين مصريين للاختفاء القسري على يد رجال الأمن، من بينهم 3200 حالة خلال تولي وزير الداخلية السابق فقط، مشيرا إلى أن الأمر لم يتوقف عند من يتم اعتقاله من منزله أو عمله أو من المواصلات أو المطارات، وإنما امتد الاختفاء القسري لحالات حصلت على أحكام بالبراءة، لكنها اختفت قبل خروجها من السجن، ليظهروا بعد عدة أشهر في النيابات بتهم ملفقة، كما جرى مع أنس نجل القيادي الإخواني محمد البلتاجي نكاية في والده المعتقل.

ويشير عبد المنصف إلى أن الاختفاء القسري أصبح مرادفا للموت، فهناك قرابة 200 حالة ماتت نتيجة التعذيب في أماكن احتجاز مجهولة، وغيرهم تم تصفيتهم جسديا في شقق وأماكن يتم ترتيبها من قبل الداخلية؛ حتى تظهر عملية القتل كأنها نتيجة مواجهات مع قوات الأمن.