حقوق وحريات

اختفاء مواطنين ألمانيين في مصر هل يعيد أزمة الإيطالي ريجيني‎؟

عاصي: سمعة حقوق الإنسان بمصر سيئة للغاية ما يجعل اختفاء أي أجنبي داخل مصر محل شك بأن يكون مصيره مثل ريجيني

أكد خبراء وحقوقيون أن تهرب السلطات المصرية من تقديم إجابات على بيان الخارجية الألمانية حول اختفاء شابين ألمانيين من أصول مصرية، منذ قرابة الشهر، يشير إلى تورط الأمن المصري في عملية اختفاء قسري جديدة بحق مواطنين غير مصريين.

وكانت الخارجية الألمانية أكدت، في بيان رسمي، أنها فتحت تحقيقا عاجلا في بلاغات قدمتها أسرتا الشابين الألمانيين، عيسى الصباغ ومحمود عبد العزيز، واتهما فيها السلطات المصرية باحتجازهما دون إبداء أي أسباب.

ووفقا لتقارير صحفية ألمانية، فإن السلطات المصرية احتجزت الشاب عيسى الصباغ (18 عاماً) بمطار الأقصر منذ يوم 17 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث كان في طريقه لزيارة جده المقيم بالقاهرة. ووفقا لتأكيدات والده محمد الصباغ، فإن الاتصال مع نجله توقف بعد وصوله لمطار الأقصر وهو متجه للقاهرة.

ووفقا لوالد الصباغ، فإن عم الشاب المختفي يعمل محاميا بالقاهرة، وقد حصل على معلومات من النيابة المصرية تفيد بأن سبب احتجاز عيسة يرجع لتشابه في الأسماء، ولكنه ما زال مختفيا منذ ذلك التاريخ، دون تقديم أي إفادات رسمية عن مكان أو سبب احتجازه، مؤكدا أن نجله عاش بمصر في الفترة بين 2008 و2017، ولم يكن له أي اهتمام بالسياسة.

وبعد عشرة أيام من اختفاء الصباغ، أوقفت سلطات مطار القاهرة الأخوين محمود ومالك عبد العزيز (23 عاماً) أثناء قدومهما من المدينة المنورة، حيث يدرس محمود الشريعة الإسلامية منذ عام ونصف.

ونقل الإعلام الألماني عن مالك بأن السلطات المصرية أطلقت سراحه بعد يوم من احتجازه مع شقيقه في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بينما ظل شقيقه محمود (23 عاما) محتجزا دون إبداء أي أسباب، موضحا أنه حصل على معلومات بأن شقيقه محتجز بمقر المخابرات الحربية بمدينة نصر، نافيا ارتباط شقيقه بأي نشاط سياسي أو ديني.

من جانبها، لم تقدم السلطات المصرية حتى كتابة هذه السطور أي إفادة أو رد أو تعليق على البيان الذي أصدرته الخارجية الألمانية، الاثنين الماضي، عن اختفاء الشابين الألمانيين. ووفقا لبيان سفارة ألمانيا بالقاهرة، فإنها تجري اتصالات مع السلطات المصرية لمعرفة ملابسات اختفاء الشابين، دون توضيح موقف السلطات المصرية.

وفي إطار متصل، دشن نشطاء ألمان حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الشابين وإطلاق سراحهما، والتحذير من أن يكون مصيرهما مثل مصير الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني"، الذي اختفى في القاهرة مطلع 2016، وعثر على جثمانه ملقى في الصحراء وعليه أثار تعذيب.

من جانبه، يؤكد الحقوقي والقانوني أسامة عاصي لـ"عربي21" أن اختفاء الشابين الألمانيين، وفقا لبيان الخارجية الألمانية، تم منذ قرابة الشهر، ولم يفصل بينهما سوى عشرة أيام، كما أن اختفاءهما موثق بوثائق دخولهما الأراضي المصرية، وبالتالي فإن وجودهما في حوزة السلطات المصرية ليس محل شك.

ويشير عاصي إلى أن صمت السلطات المصرية وعدم تقديم أي إفادات حول مصير الشابين، يثير العديد من الشكوك، ويعيد للأذهان قضية الباحث الإيطالي ريجيني، الذي أنكرت السلطات المصرية في البداية علمها بوجوده، ثم نفت صلتها بمقتله، وأخيرا تبين تورطها في تعذيبه ثم قتله.

ويضيف الحقوقي والقانوني أن سمعة ملف حقوق الإنسان في مصر سيئ للغاية، ما يجعل اختفاء أي مواطن أجنبي داخل الأراضي المصرية محل شك بأن يكون مصيره مثل ريجيني، وهو ما يدعم خطورة ملف الاختفاء القسري، الذي لم يعد قاصرا على المواطنين المصريين، وإنما امتد كذلك للأجانب.

ويتفق مدير مركز تواصل للدراسات والبحوث الدولية أحمد العليوي مع رأي عاصي، بأن موقف الحكومة المصرية الغامض يثير حولها الشكوك، ويضعها في موقف حرج، خاصة أنها مقبلة بعد شهرين من الآن على مواجهة عاصفة في اجتماعات المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف آذار/ مارس المقبل.

ويؤكد العليوي لـ"عربي21" أن الإعلام الألماني بدأ يتفاعل مع قضية الشابين، وهو ما يمثل وسيلة ضغط على الحكومة الألمانية التي تواجه انتقادات حقوقية وسياسية نتيجة علاقاتها بنظام الانقلاب العسكري بمصر، وبالتالي إذا تأكد تعرض الشابين للتعذيب أو القتل كما جرى مع ريجيني، فإن الأوضاع الدبلوماسية بين مصر وألمانيا يمكن أن تشهد توترا ملحوظا.

ولا يستبعد خبير العلاقات الدولية "أن تكون الصفقة التي عقدتها الحكومة المصرية مؤخرا لشراء غواصة ألمانية بقيمة 500 مليون يورو، تأتي في باب الرشاوي التي اعتاد النظام العسكري بمصر تقديمها للدول مقابل التغاضي عن أفعاله الإجرامية، مثل عقود استخراج الغاز الطبيعي التي أبرمها مع شركة إيني الإيطالية، لتخفيف الضغط عليها في قضية ريجيني، وعقود محطة الضبعة النووية التي أبرمتها مع روسيا بعد حادث سقوط الطائرة الروسية بشرم الشيخ".

ويؤكد العليوي أن السلطات المصرية "لم تتعلم الدرس من قضية ريجيني، وهو ما يعكس مدى الغرور الذي أصابها نتيجة تغاضي المجتمع الدولي عن جرائمها المتزايدة في اعتقال المعارضين والاختفاء القسري والتصفيات الجسدية والمحاكمات غير العادلة، وأحكام الإعدام الجائرة".

 

اقرأ أيضا: برلين تعلن فقدان أثر ألمانيين في مصر