قضايا وآراء

القول السيار في واقعة ابن المستشار

1300x600
هاجت الدنيا وماجت في مصر عقب قيام طفل يبلغ من العمر 13 عاما، هو ابن أحد المستشارين، بالسخرية من رجل مرور بطريقة مسيئة بينما كان يقود سيارته المرسيدس في حي المعادي الراقي بالقاهرة، ورغم أن الواقعة مسيئة وبالغة الفظاظة والنفور، إلا أنها في الواقع تعبر عن حالة مجتمع يعاني من أمراض عضال نخرت فيه حتى النخاع.

وهذا بعيدا عن أني أعرف جد الطفل معرفة عن قرب، وهو مستشار جليل لم ينشأ في بيئة تتوارث السلطة وما يقترن بها من فساد، وإنما التحق بالسلك القضائي في لحظة نادرة كانت فيها العدالة قائمة، وكان معيار الكفاءة له شيء من الاعتبار، ليصبح بعدها رئيس محكمة جنايات شهدت محاكمات فارقة في تاريخ مصر؛ أشهرها محاكمة الجاسوس عزام عزام وسب جيهان السادات وغيرها، فضلا عن ورود اسم والد الطفل "المستشار أيضا" في كثير من البيانات التي كانت تصدرها حركة استقلال القضاة أثناء فترة حكم مبارك، لكن لم يتسن لي التأكد من مواقفه تلك لعدم قربي منه.

مواقف الكبار

المهم أن الجميع صبوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي جام غضبهم على والد الطفل الذي لم يحسن تربيته بالقدر الكافي، وهو أمر مفهوم ومقدر، ورغم أنه مهما قيل عنه وعما فعله إلا أن ذلك لا يغير حقيقة أنه طفل طائش كمعظم أبناء الطبقات التي توافر معها المال والسلطة ونزق الشباب، وأن هناك وزيرا للعدل قال: "نحن القضاة هنا على أرض هذا الوطن أسياد وغيرنا هم العبيد". هذه واحدة من التصريحات التى أدلى في برنامج "مصر اليوم" أثناء حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، وأضاف أن "اللي يحرق صورة قاضي يتحرق قلبه وذاكرته وخياله من على أرض مصر".

ودافع عن توريث القضاء، حيث انتشر له مقطع فيديو عام 2012 وأعلن فيه بشكل صريح بضرورة تعيين أبناء القضاة بنفس المهنة، بغض النظر عن التقديرات التى حصلوا عليها.

وأضاف: "لا تراجع عن تعيين أبناء المستشارين في السلك القضائي شاء من شاء وأبى من أبى، ومن يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يُرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تكون قوة في مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها".

وتناسوا أيضا ما قاله وزير آخر للعدل عـن رفض تعيين ابن عامل النظافة في القضاء، وحينما تم انتقاده لم يتراجع الرجل، معـتبراً أن ما قاله يرضي ضميره!!

وما قاله الطفل هو في الواقع يعبر عن قناعة تامة تفشت لدى قطاع لا بأس به من المشتغلين في السلك القضائي (وليس أطفالهم فحسب) بأنهم الأعلون، وبالتالي لا يجب غرس الرأس في التراب والتغاضي عن موطن الداء، وهو التوريث في مناصب السلطة الذي جعل رئيس إحدى المحاكم في الدلتا يعين قرابة 40 شخصا من أقاربه في المحكمة التي يترأسها.

ينبغي للقائمين على أمر الدولة وسلامتها الإيمان بأن سياسة التوريث في مناصب السلطة؛ بقدر ما أنها تؤمن استقرارا نسبيا للحكم، إلا أنها قد تؤدي بالنظام ككل للانهيار التام، تماما كما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق.

تساؤلات مهمة

وهناك تساؤلات عديدة في الفيديوهات المنسوبة إلى الطفل أهمها من صورها؟ ومن نشرها على وسائل التواصل؟ ومن أعطاها هذا الزخم الكبير من التفاعل؟ خاصة أن الكثير من أبناء السادة المسئولين في مصر يمارسون تقريبا نفس العربدة، وربما على نطاق أوسع وأعمق وأكثر ضررا، ولكن لم يُسمح لأحد بانتقادهم؟

وكيف تعامل رجال الشرطة مع الواقعة بأدب جم وتساهل لحد الانبطاح، على خلاف ما هو معروف من سلوك للشرطة في العالم كله من غلظة، لا سيما في مصر، وعلى خلاف ما يجب فعله بالفعل مع من يمارس هذه التصرفات الشائنة؟

ولماذا وجدنا الصحف المصرية المعروفة بقربها من النظام تنشر عناوين عن الواقعة تؤدي لاستثارة مشاعر الناس، على خلاف سلوكها المعتاد في مثل تلك الحوادث من التبرير والتلفيق والتغطية؟

ولماذا لم تفرد تلك الصحف صفحاتها لوالده ليوضح فيها ظروف الواقعة، أو حتى يشرح فيها موقفه للمجتمع كما يحدث مع كل من هم منتسبين للسلطة؟

هناك شيء غامض ربما تكشف عنه مجريات الأحداث بخصوص تلك الواقعة.

وهل سيؤدي اعتذار والده عن هذا التصرف الذي صدر من ابنه الى إخماد موجة الغضب؟ أم أن هناك من يسعى لإبقاء النار مشتعلة لغرض في نفسه؟

وطبعا كل ما قيل لا يعفي الطفل أو والده من المسئولية.