كتاب عربي 21

أولويات غير جماهيرية للإنفاق بالموازنة المصرية

1300x600

بلغ إجمالي تقديرات الإنفاق بموازنة الحكومة المصرية في العام المالي الحالي (2020/2021) نحو تريليونين و297 مليار جنيه مصري، تتجه عادة لدفع رواتب العاملين في الجهات الحكومية ولوازم تسيير دولاب العمل اليومي في المصالح الحكومية، من أدوات كتابية وإنارة ومياه للشرب وغيرها، ودفع أقساط وفوائد ما على الحكومة من ديون، ونفقات الدعم الحكومي لأسعار بعض السلع والخدمات، وتنفيذ المشروعات الحكومية الخاصة بالبنية التحتية والمرافق العامة، وتدبير نفقات الأمن والعدالة والدفاع وغيرها من المهام الحكومية.

إلا أن كبر حجم ديون الحكومة المصرية قد أدى إلى ارتفاع قيمة أقساط وفوائد ذلك الدين في الموازنة الحكومية، حتى بلغ تريليونا و122 مليار جنيه، أي ما يوازي نسبة 49 في المئة من إجمالي الإنفاق في الموازنة، وهو ما يُصعب مهمة صانع السياسة المالية، وهي وزارة المالية، في الوفاء بالاحتياجات المختلفة لمواطني بلد يسكنه أكثر من مائة مليون شخص.

وهو ما كان يقتضي الرشد في استخدام باقي مخصصات الإنفاق، وإعطاء الأولوية للاحتياجات الجماهيرية الأكثر إلحاحا، إلا أن تفاصيل توزيع ذلك الإنفاق يشير إلى تصادم ذلك التوزيع مع أولويات المواطن العادي.

 

يقتضي الرشد في استخدام باقي مخصصات الإنفاق، وإعطاء الأولوية للاحتياجات الجماهيرية الأكثر إلحاحا، إلا أن تفاصيل توزيع ذلك الإنفاق يشير إلى تصادم ذلك التوزيع مع أولويات المواطن العادي

والأمثلة كثيرة، حيث كان نصيب مصلحة السجون المليئة بآلاف المعتقلين مليارين و186 مليون جنيه، بينما كانت مخصصات هيئة سلامة الغذاء 152 مليون جنيه، رغم تفشي صور الغش الغذائي الذي يفتك بصحة المصريين، ومنها استخدام الهرمونات والمبيدات المغشوشة في زراعة الخضر والفاكهة.

وبلغت مصروفات هيئة الاستعلامات، وهي الجهة المعنية بتبييض صورة النظام الحاكم داخل البلاد وخارجها، 380 مليون جنيه، بينما بلغت مصروفات المجلس القومي لشؤون الإعاقة والذي يختص بتقديم التسهيلات لنحو 11 مليون معاق؛ نحو 16 مليون جنيه.

344 مليون جنيه للأوبرا


كما خصصت الموازنة لدار الإفتاء الذي يترصد تيار الإسلام السياسي لمصلحة النظام الحاكم؛ 219.5 مليون جنيه، بينما بلغت مخصصات وزارة الهجرة شؤون المصريين في الخارج البالغ عددهم حسب البيانات الرسمية أكثر من عشرة ملايين شخص، ويرسلون تحويلات مالية سنوية تزيد عن الخمسة والعشرين مليار دولار، نحو 47 مليون جنيه.

 

خصصت الموازنة لدار الإفتاء الذي يترصد تيار الإسلام السياسي لمصلحة النظام الحاكم؛ 219.5 مليون جنيه، بينما بلغت مخصصات وزارة الهجرة شؤون المصريين في الخارج البالغ عددهم حسب البيانات الرسمية أكثر من عشرة ملايين شخص، ويرسلون تحويلات مالية سنوية تزيد عن الخمسة والعشرين مليار دولار، نحو 47 مليون جنيه

وبلغت مخصصات دار الأوبرا المصرية وصندوق تمويل مشروعاتها 344 مليون جنيه، بينما بلغت مخصصات المجلس القومي للطفولة والأمومة الذي يرعى 39 مليون طفل مصري؛ نحو 46 مليون جنيه.

وبلغت مصروفات مكتبة الإسكندرية 583 مليون جنيه، والتي تهتم باستضافة وفود داخلية خارجية وإقامة ندوات لتحسين صورة النظام الحاكم، ولا يرتادها سكان المحافظة التي أقيمت فيها، بينما بلغت مصروفات صندوق علاج الإدمان التعاطي والمجلس القومي لعلاج الإدمان معا 210 مليون جنيه، رغم انتشار صور التعاطي والإدمان لأنواع المخدرات، خاصة بين الشباب مع انتشار البطالة والإحباط والفراغ.

وتكثر الأمثلة، ولكن المهم أيضا فعالية ذلك الإنفاق، فهناك نفقات كثيرة للجهات الرقابية ومع ذلك لم تنخفض معدلات انتشار الفساد، حيث خصصت الموازنة مليارين و777 مليون جنيه للجهاز المركزي للمحاسبات، المعني بمراقبة النشاط المالي بأكثر من 20 ألف جهة حكومية وأهلية، ومليارا و398 مليون جنيه لهيئة الرقابة الإدارية، ومليارا و655 مليون جنيه للبرلمان الذي افتقد دوره الرقابي.

كذلك يتم توجيه الملايين للجهات المعنية بتوفير البيانات رغم استمرار الشكوى من نقص الإفصاح وغياب كثير من البيانات الحكومية، حيث بلغت مصروفات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 372 مليون جنيه، ولمركز معلومات مجلس الوزراء 215 مليون جنيه؛ والذي يقوم برصد الشائعات والرد عليها، ومركز معلومات قطاع الأعمال العام والذي قام مؤخرا بحذف البيانات المالية لشركات القطاع القابضة والتابعة من موقعه الإلكتروني؛ 21.5 مليون جنيه.

12% من الإنفاق للاستثمارات

ربما يقول بعض المتخصصين إن الأمثلة السابقة تخص جهات فرعية وأن العبرة بالمكونات الكبرى للإنفاق، وهنا نذكر أنه عادة ما يتم توزيع استخدامات الموازنة على ثمانية أبواب: تشمل الأجور والدعم والاستثمارات وفائدة وأقساط الديون وشراء السلع والخدمات للجهات الحكومية وحيازة الأصول المالية. وإذا كان بند الأجور يخص موظفي الحكومة فقط، وحيازة الأصول يخص الهيئات الاقتصادية وفوائد وأقساط الدين يهم الجهات الدائنة للحكومة، فإن بند الاستثمارات الحكومية يخص كل المواطنين، الذين يستفيدون من مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي والطرق والإنارة العامة والمستشفيات والمدارس، لكن تلك الاستثمارات كان نصيبها النسبي من مجمل الإنفاق 12 في المئة فقط.

 

تشير سوابق الحساب الختامي لأداء الموازنة في السنوات المالية السابقة، منذ العام المالي 2013/2014، والذي يمثل العام المالي الأول للنظام الحاكم، إلى أن كل تلك السنوات شهدت إنفاقا فعليا للاستثمارات يقل عما وعدت به الموازنة في بداية العام المالي

وتشير سوابق الحساب الختامي لأداء الموازنة في السنوات المالية السابقة، منذ العام المالي 2013/2014، والذي يمثل العام المالي الأول للنظام الحاكم، إلى أن كل تلك السنوات شهدت إنفاقا فعليا للاستثمارات يقل عما وعدت به الموازنة في بداية العام المالي.

تقسيم آخر للإنفاق في الموازنة يسمى التقسيم الوظيفي يتم على عشرة أبواب تشمل: الخدمات العامة والدفاع والأمن والعدالة والشؤون الاقتصادية والبيئة والإسكان والصحة والتعليم والشباب الثقافة والشؤون الدينية والحماية الاجتماعية، ولأن بعض تلك البنود تشمل العديد من الوزارات، فإن تقسيم الإنفاق في الموارنة حسب الوزارات البالغ عددها 34 وزارة قد يكون أكثر ملاءمة وفهما من قبل المواطنين.

وبالأرقام المجردة نجد وزارة التضامن الاجتماعي في المقدمة بحوالي 152 مليار جنيه، وحتى لا تأخذنا الدهشة من ضخامة الرقم، فإنه يحتوي على 130 مليار جنيه تقول الحكومة إنها تدعم بها أصحاب المعاشات، وهو ادعاء غير حقيقي، فهو يمثل قسطا من مديونية قديمة لهيئة التأمينات الاجتماعية لدى الخزانة العامة.

وكان المفترض بلوغ قيمة قسط العام المالي 170 مليار جنيه، لكن الحكومة لم تعد سوى بنحو 130 مليار والباقي سيتم إصدار سندات به، أي مديونية جديدة وبما يعني إطالة فترة مستحقات التأمينات.

وهكا وبدون قسط التأمينات يتبقى للوزارة 21.8 مليار جنيه فقط، منها 19 مليار جنيه مخصصات معاشات تكافل وكرامة والضمان الاجتماعي ذات القيمة الزهيدة، وبدون تلك المعاشات يتبقى للوزارة 2.8 مليار جنيه، يتم صرف 2.1 مليار جنيه في صورة أجور للعاملين، ليتبقى 695 مليون جنيه، وهو ما يتسبب في قصور الدور الاجتماعي الذي تقدمه الوزارة، وتدني قيمة المساعدات في حالة النكبات نظرا لقلة مواردها.

مليون ونصف موظف بوزارة التعليم

وفي المركز الثاني تأتي وزارة التربية والتعليم بنحو 109 مليار جنيه، وهو رقم ضخم أيضا لكنه عندما نعرف أن الوزارة تقوم بتشغيل مليون و552 ألف شخص، منهم 930 ألف مدرس والباقي ما بين الإدارة المدرسة والإداريين والعمال، فإن أجور هؤلاء تصل إلى أكثر من 82 مليار جنيه، ليتبقى 27 مليار جنيه يخصص منها تسعة مليارات جنيه للصرف على الأنشطة التعليمية والتغذية المدرسية والصيانة، و17 مليار للاستثمارات للمباني المدرسية، في ظل مشكلة ارتفاع كثافة الفصول لقلة عدد المباني المدرسية، حيث يبلغ عدد الطلاب في المدارس الحكومية 21 مليون تلميذ.

وخُصص للصحة 93.5 مليار جنيه، نسبة 44.5 في المئة منها اتجهت لأجور العاملين بالمستشفيات من أطباء وتمريض وعمالة، وللإسكان والمرافق 79.5 مليار جنيه، وللدفاع 76 مليار جنيه ولوزارة الداخلية 56 مليار جنيه، ولوزارة التعليم العالي 48 مليار جنيه، وهي الوزارة التي تشرف على 3.3 مليون طالب، منهم 2.4 مليون طالب في الجامعات الحكومية الثمانية والعشرين، والتي يعمل فيها 102 ألف من أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ولذا بلغ نصيب الأجور من مخصصات الوزارة 47 في المئة.

وجاءت وزارة الإدارة المحلية في المركز التاسع بنصيب 45 مليار جنيه، وهي الوزارة التي تتبعها دواوين عموم المحافظات السبع والعشرين، ووزارة النقل 44 مليارا، والعدل 24 مليارا، ووزارة المالية 23 مليار؛ نسبة 79 في المئة منها لأجور العاملين بمصالح الوزارة، وهكذا حتى نصل إلى أدنى مخصصات في وزارة شؤون المجالس النيابية بنحو 20 مليون جنيه.

 

قائمة مخصصات الوزارات تشير إلى أن مخصصات الأوقاف البالغة 13.3 مليار جنيه، والتي تقوم بدور تحريضي على جهات المعارضة، أعلى من مخصصات وزارة الزارعة ومن مخصصات وزارة الصناعة والتجارة الخارجية البالغة أقل من ثمانية مليارات جنيه

لكن قائمة مخصصات الوزارات تشير إلى أن مخصصات الأوقاف البالغة 13.3 مليار جنيه، والتي تقوم بدور تحريضي على جهات المعارضة، أعلى من مخصصات وزارة الزارعة ومن مخصصات وزارة الصناعة والتجارة الخارجية البالغة أقل من ثمانية مليارات جنيه.

كما بلغت مخصصات الجهات الإعلامية 973 مليون جنيه موزعة ما بين: 393 مليون للهيئة الوطنية للصحافة، و380 مليون لهيئة الاستعلامات، و164 مليون للمجلس الأعلى للإعلام، و36 مليون لوزارة الإعلام، بخلاف ما تخصصه الحكومة للهيئة الوطنية للإعلام التي حلت محل هيئة الإذاعة والتلفزيون، والتي خصصت لها موازنة العام المالي الحالي مليارا و847 مليون جنيه كمساهمات لتعويض جانب من خسائرها السنوية.

بخلاف قيام الحكومة بدفع رواتب العاملين بها بقيمة 220 مليون جنيه شهريا، أي بنحو 2.64 مليار جنيه سنويا، وهو ما يشير إلى بلوغ مخصصات الإعلام الإجمالية في الموازنة خمسة مليارات و461 مليون جنيه، بخلاف ما تقوم به وزارة المالية من تقديم مبالغ للمؤسسات الصحفية القومية على مدار العام، لدفع أرباح للعاملين رغم خسارتها ودفع قيمة حوافز مقررة تعجز عن تدبيرها.

twitter.com/mamdouh_alwaly