أخبار ثقافية

الستوريز.. هل يمكننا التخلّي عن مواقع التواصل الاجتماعي؟

جزءٌ من سخطنا وعدم رضانا نابع من تذكرنا بضآلة قدرتنا وتحكّمنا بهذه المنصّات التي نعتمد عليها الآن أكثر من أي وقتٍ- CC0

طرح تويتر مؤخّرًا ميّزة Fleet التي تتيح للمستخدمين مشاركة المحتوى لمدة 24 ساعةً فقط، قبل أنْ يُحذف تلقائيًا، وتُشبه إلى حدٍ كبيرٍ ميّزة القصص، سواء الصور أو الفيديوهات أو النصوص، التي قام عليها تطبيق سناب شات، ثمّ ما لبث أن استحوذ عليها إنستغرام، قبل أنْ يتبعه فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي حين أنّ هذا التحديث قد يبدو تفصيلًا صغيرًا ومعتادًا عليه في مواقع التواصل الاجتماعيّ الأخرى، إلّا أنّه خلق عددا من ردود الفعل المتباينة ما بين مؤيّدٍ ورافضٍ له أو لأيّ نوعٍ من التغييرات أو التعديلات التي قد تطأ تلك المنصّات. هذا النوع من الرفض ليس جديدًا البتّة. 


فحين قام تويتر نفسه بتغيير سرّ الإعجاب من رمز النجمة إلى القلب، أو حين زاد عدد الحروف المسموحة بها في التغريدة الواحدة، أو حين يقوم أيّ تطبيقٍ آخر بتحديثٍ جديد، فدائمًا ما نلاحظ ردود الفعل نفسها ثمّ ما نلبث نتكيّف معها ومع وجودها، لا وبل قد ننخرط فيها أنفسنا بعد أنْ كنّا رافضين لها ساخطين عليها.

قد يكون جزءٌ من سخطنا وعدم رضانا هذا نابعا من أنّه يذكّر بمدى ضآلة قدرتنا وتحكّمنا بهذه المنصّات التي نعتمد عليها الآن أكثر من أي وقتٍ مضى ونعجز عن اعتزالها فيمَ تحوّلنا في كثيرٍ من الأحيان لمجرّد مستهلكين للمعلومات والموضوعات وتفرض نوعًا من الرأي العام وفقًا لأغراضَ متعدّدة؛ سياسية كانت أو اقتصادية أو أيديولوجية وتفرض نوعًا بديلًا من فضاء المعايشة اليوميّة للأحداث الاجتماعية.

لماذا الـStories وما يشبهها؟

 
لعلّ أصل هذه الميّزات قائمٌ على فكرة أنّ الحياة عبارة عن لحظاتٍ عابرة علينا الاستمتاع بها ومشاركتها مع الآخرين ومن ثمّ المضيّ قُدمًا للحظةٍ لاحقة جديدة، لكنّنا معرّضون لتفويتها وكأنها لم تحدث طالما لم ننشرها أو لم يشاهدها الآخرون.. إذ تحفّز فكرة ظهورها لمدة محدودة من الوقت، أي 24 ساعةً فقط، مراكز الدماغ المرتبطة بالمكافأة والعقاب الرمزيين: عدد المشاهدين للقصة والتفاعل معها يحفّز تكرارنا للنشر حتى نحصل على نوعٍ من الحضور المرئيّ واستعراض الذات، ونوعٍ آخر من التفاعل الاجتماعيّ نسعى إليه..  

فيما يصبح "الخوف من فوات الشيء"، أو كما يُعرف اختصارًا باللغة الإنجليزية "FoMO"، عقابًا اجتماعيًا نسعى إلى تجنّبه من خلال تحقّقنا المتواصل لحساباتنا لعلّ شيئًا جديدًا كُتب أو نُشر عليها نخشى فواته وانقضاءه. 

ويعرّف مصطلح "الخوف من فوات الشيء" بأنه "الشعور غير المستقر والمُستنزفَ أحيانًا من أن تفوّت ما يقوم به زملاؤك أو معارفك، أو الخوف من عدم معرفة ذلك، أو الخوف من تمتعهم بشيء ما أفضل مما لديك"، وبكلمات أخرى هو حالة عامة تدفع الشخص إلى الرغبة في أن يكون على اتصال دائم مع من يعرفهم خوفًا من فوات حدث أو تجربة ما لا يُشاركهم فيها.

ثمّة مجموعة من الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى الشعور بالقلق من أن يفوتهم أيُّ شيءٍ يحصل من حولهم، ولعلّ أهمها هو الخوف من فكرة الاستبعاد أو الإقصاء الاجتماعيّ، ما يدفعهم إلى تفقّد حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ بين اللحظةِ والأخرى حتى يتأكّدوا من متابعتهم لكلّ المستجدّات والتحديثات.


اقرأ أيضا: ماذا يعني أن تمنح ذاتك حسابا بمواقع التواصل؟


ويزيد هذا الشعور من اعتقاد الشخص بمدى الأهمية الفائقة لاتصاله الدائم بحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، باحثًا عن تواصل أكثرَ إثارة مع الآخرين وساعيًا من خلالها إلى تأكيد ذاته ظنًّا منه أنّها أداواتٌ فعالة لتطوير كفاءته الاجتماعية ووسيلة ممكنة لتعميق روابطه مع الغير.

أمّا على المستوى الفسيولوجي أو العصبيّ، فيرجع الأمر إلى أنّ اللوزة الدماغية، وهي الجزء المسؤول في أجسادنا عن سلوكيّاتنا العاطفية والانفعالية، وتتمثّل وظيفتها في استقصاء الأمور التي تُعين على البقاء، قد أصبح جزءٌ من نشاطها مرتبطا بشكلٍ كافٍ بالإدمان على الهاتف أو الاستخدام المكثّف له وتصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، ما يجعلها تُثير قدرًا عاليًا من التحفّز والإثارة اللذين يتحوّلان إلى توتّر وردود فعل سلبية لمجرّد التفكير بأنّ ثمّة ما قد يفوتنا على تلك الوسائل والمواقع.. 


ففي الوقت الذي نشعر فيه بعدم معرفتنا تفاصيل وأحداث ما يجري حولنا؛ فإنّنا نسنشعر خطرَ استبعادنا خارج المجموعات الاجتماعية التي ننتمي إليها. الأمر الذي ينعكس على تلك اللوزة الدماغية ويحفّز نشاطها السلبيّ الذي يحتّم علينا تكرار التصفّح ومشاهدة تحديثات المنشورات والقصص والفيديوهات وغير ذلك. 

المشكلة تكمن في أن الشخص يضع ذاته في دائرة مغلقة تدور حول رغبته في إشباع حاجاته النفسية الأساسية بالتواصل مع الآخرين والارتباط بهم من جهة، وخوفه من فقدان ذلك من جهةٍ أخرى.

 

ونظرًا لأن تلك المواقع لا تجعله قادرًا على التواصل الحقيقي وإشباع حاجته النفسية بالارتباط مع الآخرين والتواصل الاجتماعي معهم، فسيبقى بالتالي محكومًا بذلك الخوف الذي يتطور مع الوقت إلى نوع من القلق القهري والشعور بالاستبعاد وعدم الانتماء الحقيقي لأيّ مجموعةٍ كانت.

وبتسليمنا بأنّه بات من غير الممكن التخلّي كليًّا عن مواقع التواصل الاجتماعي والانعزال التامّ عن تحديثاتها المتسارعة والصاخبة، وبتسليمنا أيضًا أنّنا لا نملك سيطرةً كليةً على ما نتلقّاها منها وما لا نتلقّاه، فمن الملحّ اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، تحديد أولوّياتنا في هذا العالم الافتراضي، مع تحفّظنا أيضًا على وصفه بالافتراضي.