سياسة عربية

ناشط جزائري: فيديو "تبون" أشعل الجدل حول صحته ولم يطفئه

الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية حسين جيدل قال إن العسكر سيسعون إلى الاحتفاظ بتبون مهما كانت حالته الصحية- يوتيوب

قال المحلل السياسي الجزائري، والباحث في الأنثروبولوجيا السياسية، حسين جيدل، إن "مقطع الفيديو الذي ظهر فيه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لم يحمل سوى التأكيد على خطورة إصابته بجلطة دماغية، على ما يبدو، وقد أشعل الجدل حول صحته ولم يطفئه"، حسب قوله.

وأكد، في مقابلة مع "عربي21"، أن "فيديو تبون يكشف أيضا عن تعنت النظام في رفض الاستجابة لمطالب الشعب في تغيير طبيعة النظام، بل ويؤكد على استمرار العسكر في تنفيذ خارطة الطريق حتى بعد القطيعة التامة والمقاطعة الواسعة لمسار النظام. ويبقى التأكيد على الإسراع في الذهاب إلى انتخابات تشريعية مثار تساؤلات وشكوك ويعتبر هروبا جديدا إلى الأمام يتحمل النظام وحده تبعاته".

وبعد غياب لنحو شهرين، ظهر "تبون" (75 عاما) لأول مرة في رسالة مصورة نشرها على حسابه بموقع "تويتر"، ونقلتها وسائل الإعلام المحلية، بعدما أثار غيابه الطويل شائعات ومطالبات بتطبيق المادة 102 من الدستور المتعلقة بـ "شغور" منصب رئيس الجمهورية، على غرار ما حدث مع سلفه عبد العزيز بوتفليقة.

وفي ظهوره الأول، بدا "تبون" نحيلا، حيث يعالج في ألمانيا بعد إصابته بفيروس كورونا، مؤكدا أن مرحلة تعافيه بدأت، إلا أنها قد تأخذ بين أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، "لكن إن شاء الله سأسترجع كل قواي البدنية".

ورأى "جيدل" أن "الجدل الدائر حول مرض تبون، وشغور المنصب، وتفعيل المادة 102 كما حدث على عهد بوتفليقة، لم يعد أمرا يهم الجزائريين في شيء، بل يهم العسكر الذين جاؤوا بتبون ليكون لهم واجهة مدنية جديدة. فقد ردد الملايين من أبناء الشعب (تبون المزور.. جابوه العسكر.. ماكانش الشرعية)".

وتابع: "لقد أعلن الشعب الجزائري منذ 22 شباط/ فبراير 2019 القطيعة التامة مع النظام وأكدها بشكل جلي واضح في مقاطعة تامة لاستفتاء 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 اُضطر بعدها النظام صاغرا إلى الاعتراف بنسبة مشاركة ضعيفة لم تتجاوز 23,7% بعد تضخيمها"، مؤكدا أن "تبون والعسكر فشلوا في استدراك شرعية مفقودة اقتداء بما فعله بوتفليقة سنة 2001 من خلال الاستفتاء على المصالحة الوطنية بعدما زور له العسكر انتخابات 1999 إثر انسحاب كل المرشحين".

واستطرد قائلا: "في أقل من سنة فقد النظام 40% من ناخبيه المزعومين، وهو ما كشفت عنه الأرقام الرسمية التي اُضطر النظام إلى نشرها بعد تزويرها وتضخيمها"، على حد قوله.

"العسكر.. وسيناريو بوتفليقة"

وأردف: "سيسعى العسكر إلى الاحتفاظ بتبون مهما كانت حالته الصحية، ومهما كلف الأمر، حتى لو اضطروا إلى تكرار سيناريو بوتفليقة، تفاديا لانتخابات رئاسية جديدة ليسوا قادرين على المغامرة في الذهاب إليها. بل ليس في استطاعتهم تنظيمها ولا تمريرها بعد أن عرى الحراك السلمي زيف كل العمليات الانتخابية".

ورجّح المحلل السياسي الجزائري عدم اجتماع المجلس الدستوري لا قبل عودة "تبون" ولا بعدها، لأن المجلس برأيه "ليس صاحب المبادرة والقرار، بل يأتمر أعضاؤه بأوامر العسكر".

 

اقرأ أيضا: أول ظهور لتبون بعد أزمة صحية.. هذا ما قاله عن التطبيع (شاهد)

و"المجلس الدستوري الجزائري" منوط به "السهر على احترام الدستور، وصحـة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية ويعلن نتائج هذه العمليات"، وفقا للدستور.

وحول موقف تبون من النظام السابق، قال: "بضغط من الحراك السلمي، وطمعا في كسب تعاطف الشعب واكتساب شرعية جديدة، زجّ النظام بالعديد من عناصر العصابة في السجون بدعوى الفساد، وكانت هذه العملية وسيلة لإعادة بناء مراكز القوى داخل النظام نفسه، إلا أنه بعد تنصيب تبون ووفاة قائد الأركان السابق الفريق قايد صالح بدأت عملية معاكسة تم بموجبها إطلاق سراح أعضاء العصابة بدءا بنجل تبون المتورط في قضية مخدرات وانتهاء بإدخال رجالات الجناح السابق إلى السجون على غرار اللواء واسيني بوعزة واللواء عبد القادر لشخم".

وتساءل: "أي نظام هذا الذي يتحول فيه القادة إلى العصابة، والعصابة إلى قادة في أقل من 6 أشهر؟ هل هذا نظام يؤتمن ويمكن التعامل معه والوثوق به؟ هل هذا نظام يستحق أن تُسند إليه مهمة الانتقال بالجزائر إلى بر الأمان؟ أم أنه نظام أجنحة متناحرة منشغلة بترتيب موازين القوى فيما بينهم حفاظا على نفوذهم وامتيازاتهم؟".

"تعقد الأزمات وانهيار الأوضاع"

ورأى "جيدل" أنه "بعد مرور عام من وصول تبون إلى الحكم ازدادت الأزمة تعقيدا، والأوضاع انهيارا. فالسجون التي يملؤها معتقلو الرأي والصحافيون، والفقر الذي ينهش الملايين، والموت الذي يترصد الكثيرين هي أحسن وصف لإنجازات تبون، حتى أصبحت الجزائر البلد الوحيد في العالم الذي يفقد كل يوم أطباءه بعد أن فقد الكثير من مواطنيه".

وأشار إلى أن "جائحة كورونا كشفت عن ترهل النظام الذي أصبح عاجزا حتى عن توفير السيولة. وأماطت اللثام عن افتقار النظام لأية آلية لتدارك الأمور، بل بينت كذب وزيف نظام أنفق 1300 مليار دولار ليكتشف أنه لا يملك منظومة صحية ولم يبن، ولو مستشفى واحدا، يليق بثراء الجزائر ماديا وبشريا".

وشنّ هجوما حادا على النظام، قائلا إنه "نظام فاقد للشرعية، مفتقر لأية رؤية، مُحاصر داخليا من الحراك السلمي، تقاطعه معظم دول العالم، ليس له تأثير إقليميا ودوليا، عجلة الاقتصاد فيه معطلة والخزينة فارغة، لا يملك حتى إطارات تحسن التواصل، لأنه نظام قاد حملة تصحير سياسي لمدة 30 سنة ليخلق فراغا رهيبا من حوله".

"فشل مبادرة الجزائر لحل أزمة ليبيا"

ومن موقعه كمختص بالشأن الليبي، قال إن ما سمي بالمبادرة الجزائرية بخصوص ليبيا هو "مجموعة أفكار متناثرة متنافرة تكشف عن تخبط وغياب تصور، وتصريحات تبون المتناقضة تؤكد غياب الرؤية المطلوبة، وهذا أهم سبب لفشل الجزائر في العودة إلى المعادلة الليبية".

وزاد "جيدل" بقوله إن "بقاء الملفات الحيوية الحساسة التي تمس الأمن القومي ومستقبل الوطن بأيدي المخابرات فقط هو مقاربة خاطئة وخطيرة. فاستراتيجيات الأمن القومي تشارك في صياغتها كل الكفاءات المخلصة التي تؤمن بقداسة الوطن والمواطن معا".

وأضاف: "جاءت الأزمة الليبية للدفع بالمغرب إلى المشهد من جديد. فاحتضنت مدينة الصخيرات سنة 2015 لقاءً دوليا جمع الفرقاء الليبيين ونتج عنه (اتفاق الصخيرات) الذي أدارت القوى المتدخلة في الشأن الليبي من خلاله الصراع على الأرض الليبية. وفي 2020 وقع الاختيار مرة ثانية على المغرب لاحتضان دورة جديدة مما سمي حوارا بدت معالم فشله حتى قبل انطلاقه.

ثم احتضنت مدينتا (بوزنيقة) و(طنجة) لقاءات بين الليبيين؛ فأعطى المغرب من خلالها صورة الدولة الفاعلة إقليميا القادرة على حل النزاعات، الحريصة على الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة إذا أُسند لها دور واسع. وخلال هذه الفترة كانت مواقف النظام الجزائري متذبذبة غامضة عاجزة عن إحداث اختراق على الجبهة الليبية بسبب غياب الرؤية وتشبث جناح من النظام بدعم (حفتر) تحت ذريعة الحياد السلبي حتى بعد أن تدفق الآلاف من المرتزقة وتدافعت قوى تهدد الاستقرار كالإمارات وروسيا والسعودية إلى المجال الحيوي للجزائر، وخصوصا أن بعض هذه القوى هي آلة في أيدي قوى خارجية معادية لمصالح شعوب المنطقة".

وواصل حديثه بالقول: "هنا يخرج الدور الإسرائيلي إلى العلن في مالي والنيجر وتشاد، ويأتي إعلان ترامب عن أحقية المغرب في الصحراء الغربية ليكشف عن تنسيق حثيث بين المغرب وإسرائيل دام سنتين ونصف كما صرّح بذلك مؤخرا وزير الخارجية المغربي".

"النظام مصدر كل الأخطار"

واستنكر تصريحات رئيس الوزراء الجزائري، عبد العزيز جراد، بشأن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، قائلا: "استفاق النظام الجزائري كالعادة متأخرا متعللا بالأخطار الخارجية التي تحاول زعزعة الجزائر، بينما يبقى النظام نفسه هو مصدر كل الأخطار، لأن تخلي الجزائر عن دورها الريادي إقليميا ودوليا وانهماك أجنحة النظام في صراع النفوذ على حساب مصالح الوطن، وانغماس رجال السلطة في قمع الأحرار ونهب الثروات وإفراغ الوطن من الكفاءات هو مَا شجع الكثيرين على التدخل في المجال الحيوي للجزائر. وما رد فعل النظام إلا دليل آخر على التخبط والترهل والانهيار".

وكان "جراد" قد انتقد ما وصفه بـ"المناورات الأجنبية" الهادفة إلى زعزعة استقرار الجزائر، مشيرا إلى رغبة إسرائيل في الاقتراب من الحدود الجزائرية، وذلك في أول رد فعل للجزائر على قرار ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

وقال "جيدل" إن "قضية الصحراء الغربية التي كانت محل تجاذب إقليمي ودولي خلال فترة الحرب الباردة ووقفت عقبة كؤودا دون توحيد دول المغرب الكبير، هي اليوم أيضا مطية لترتيبات جيوسياسية وأجندات أجنبية تهدف إلى إعادة بناء مشهد إقليمي جديد يحظى فيه المغرب بدور واسع على حساب النفوذ الذي يقتضيه الوضع الجيوستراتيجي للجزائر".

واستطرد قائلا: "عمل المغرب منذ عام 2006 تقريبا بكل حزم وعزم على تنفيذ مخطط إعادة انتشار إقليمي واسع بمساعدة عدة دول. وتسارعت خطواته بعد انكفاء الجزائر وانطوائها دوليا وإقليميا ابتداء من سنة 2013 بعد مرض بوتفليقة ودخول أجنحة النظام في صراع خفي وآخر جلي".

وعن تصريحات "تبون" التي قال فيها إن بلاده لن تشارك ولن تبارك "الهرولة" نحو التطبيع مع إسرائيل، قال: "هذه التصريحات هي صرخة في واد؛ فالإمارات التي تقود قاطرة التطبيع كانت إلى الأمس القريب قبلة لقيادة الأركان الحالية والسابقة، طلبا للمشورة وبحثا عن دعم دولي بعد أن زعزعت ثورة الشعب السلمية أركان النظام".

إلا أنه استدرك بقوله: "رغم ذلك تبقى مسألة التطبيع العلني أمرا صعبا يحمل خطورة داخلية على النظام الجزائري، حتى ولو حاول جناح من الأجنحة المغامرة بذلك. فالجميع يتذكر غضب الشعب الجزائري وتصديه لمحاولات بوتفليقة فتح قنوات حوار مع إسرائيل من خلال مصافحة إيهود باراك".