سياسة دولية

هل تدعم أوروبا إجراء انتخابات فلسطينية؟ ندوة تجيب

أوروبا الاتحاد (الأناضول)

رأى رئيس منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني زاهر بيراوي أنه حتى لو كانت لدى السلطة الفلسطينية الرغبة في إجراء الانتخابات، فإنها غير قادرة على القيام بذلك بسبب التدخلات الدولية التي تجرد الفلسطينيين من استقلالية قرارهم السياسي وتؤكد أنه "من المستحيل إدارة حياة سياسية حقيقية في ظل الاحتلال".

وأكد بيراوي في ختام ندوة نظمها منتدى التواصل الأوروبي ـ الفلسطيني أول أمس الثلاثاء، حول إمكانية إجراء انتخابات فلسطينية وأهم التحديات التي تواجهها ودور أوروبا في دعم العملية الانتخابية في فلسطين، أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو جادا في الدعوة للانتخابات وتوفير شروط نجاحها.

وقال: "إن الاتحاد يبدو جزءا من المشكلة لأنه غير جاد في الضغط باتجاه إجراء انتخابات فلسطينية بمشاركة كافة الأطراف، وذلك كما يبدو بسبب الخشية من الاصطدام بالموقف الأمريكي الإسرائيلي وحتى العربي الذي يريد انتخابات فلسطينية على مقاس محدد" وفق تعبيره.

واستمعت الندوة، التي جرت عبر نظام الزوم، لخبراء من فلسطين وأوروبا وحضرها عدد من السياسيين والأكاديميين والمحللين والسياساتيين هم هاني المصري المستشار السياساتي لشبكة السياسات الفلسطينية ومدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، والدكتور الأكاديمي أندرس بيرسون ـ أستاذ العلوم السياسية في جامعة لينيوس السويدية، وكذلك هيو لوفات ـ زميل سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، بالإضافة لعضو البرلمان الأوروبي إيفين إنسير والنائب السويدي توماس هامربيرج.

وفي كلمة الافتتاح قال روبرت أندروز، مسؤول العلاقات العامة في منتدى (يوروبال فورم) إن الندوة تأتي على خلفية كل من الوضع المتدهور لحقوق الإنسان في فلسطين على مدى السنوات الأربع الماضية، والغموض النسبي فيما يتعلق بإمكانية إجراء الانتخابات العامة في فلسطين وخاصة بعد فوز بايدن في الرئاسة الأمريكية. وأكد أندروز أن هذه التطورات عززت قلقًا متزايدًا بشأن موقع أوروبا في مسألة الانتخابات الفلسطينية.

وفي مداخلته، ركز المتحدث الأول في الندوة، هاني المصري المحلل الفلسطيني والمدير العام لمنظمة مسارات الفلسطينية غير الحكومية، على فحص إمكانية إجراء الانتخابات الفلسطينية في المستقبل المنظور، حيث أشار إلى أن النظام السياسي الفلسطيني معقد، وأن إجراء الانتخابات، على الرغم من الترحيب بالديمقراطية في فلسطين، ليس بالأمر السهل. 

 

 


وأكد المصري أن تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، والقيود المفروضة على السلطة الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والانقسام الداخلي الفلسطيني، بالإضافة لعدم الاعتراف بلاعبين سياسيين رئيسيين فلسطينيين، تشكل كلها عوائق في وجه الانتخابات في فلسطين.

بالنظر إلى هذه العوائق أمام الانتخابات الديمقراطية في فلسطين، قال المصري إنه يجب تلبية عدد من الشروط والمتطلبات قبل إجراء الانتخابات بشكل معقول في الأراضي المحتلة. وتشمل هذه الشروط الاتفاق الفلسطيني بشأن وظيفة الانتخابات، والاتفاق على برنامج سياسي وطني للمرحلة الراهنة، وكذلك إنهاء الانقسام السياسي بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين في الضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى توفير ضمانات إسرائيلية ودولية بأن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة وأن يتم احترام نتائجها. 

في هذا السياق، قال المصري: إن أوروبا يمكنها إن أرادت دعم هذه العملية كما يمكنها المساعدة في ضمان تلبية بعض الشروط الأساسية المطلوبة لتحقيقها.

بعد مداخلة هاني المصري، تناول الأكاديمي السويدي الدكتور أندرس بيرسون، المتخصص في العلاقات الأوروبية الإسرائيلية الفلسطينية، دور الاتحاد الأوروبي في الجولتين السابقتين من الانتخابات الفلسطينية (1996، 2005 / 2006). 

وفيما يتعلق بالجولة الأولى من الانتخابات الفلسطينية، أشار بيرسون إلى أن الاتحاد الأوروبي شارك بـ 300 مراقب، وأن الإجماع العام من داخل الاتحاد أكد على أن الدورة الانتخابية قد تمت بنجاح دون أي حوادث كبيرة. وقال بيرسون بأن الاتحاد الأوروبي، في ذلك الوقت، اعتبر الجولة الأولى من الانتخابات الفلسطينية إيجابية لعملية السلام نفسها لكون الفائز الرئيسي فيها كان ياسر عرفات، الذي كان طرفا رئيسيًا من اتفاقية عمل أوسلو التي أبرمت عام 1993 أي قبل الانتخابات ببضع سنوات فقط..

 

 


بالانتقال إلى انتخابات 2005 و2006، قال بيرسون إنه بينما وصف الاتحاد الأوروبي الانتخابات بأنها حرة ونزيهة، فإن صعود حماس للسلطة وانتصارها الساحق في الانتخابات التشريعية شكل صدمة كبيرة للسياسيين الأوروبيين. 

وبما أن الاتحاد الأوروبي كان قد أدرج الجناح السياسي لحركة حماس على القائمة الأوروبية للإرهاب في أواخر عام 2003، فقد بادر الاتحاد، بحسب بيرسون، بوضع خمسة شروط على حماس لكي يتعامل معها، تشمل الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقيات السابقة المبرمة مع القيادة الفلسطينية. وهذا يعني فشلا أوروبيا في القبول غير المشروط للواقع السياسي الفلسطيني عام 2006 وبما أفرزته العملية الديمقراطية. 

وبناء عليه أشار بيرسون إلى أن السؤال الكبير الذي يواجه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بدعوته الحالية لإجراء انتخابات عام 2020 هو ماذا سيحدث في اليوم التالي لإجرائها؟ وهنا، ذهب بيرسون إلى القول بأن هناك فجوة في المعلومات حول الموقف الذي سيتخذه الاتحاد الأوروبي بعد دورة جديدة من الانتخابات الفلسطينية.

من جهته شكك السيد هيو لوفات زميل سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) في مداخلته في جدية الاتحاد الأوروبي بشأن دعوته للسلطة الفلسطينية لإجراء انتخابات، وتساءل عن كيفية نظر الاتحاد إلى الأطراف المركزية داخل الطيف السياسي الفلسطيني وخاصة حركة حماس. 

 



ولهذه الغاية، أشار لوفات إلى أن سياسة الاتحاد الأوروبي كانت في "سبات عميق" فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية الفلسطينية منذ الدورة الأخيرة من الانتخابات وحتى الآن. وبسبب حالة الشلل التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي قال لوفات بأنه يجب على الفلسطينيين أن يجتمعوا ويقدموا خارطة طريق للاتحاد الأوروبي (فيما يتعلق بالانتخابات) لكي يضعوا الاتحاد أمام مسؤولياته ويختبروا مدى جديته بشأن إجراء الانتخابات والاعتراف بنتائجها. وأكد لوفات أن هذه الخطوة من قبل الفلسطينيين سيكون بإمكانها فرض إعادة التفكير في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، بدلاً من أن يكون الخطاب المركزي للاتحاد الأوروبي هو الحديث عن الانتخابات. 

كما أوضح لوفات بالقول إن عدم تأكيد الفلسطينيين على رغبتهم في إجراء انتخابات، سيعني أن الموقف الأوروبي السلبي من أطراف فاعلة في المشهد السياسي الفلسطيني مثل حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لن يتغير.

وختم لوفات مداخلته بالتأكيد أن هناك إقرارًا بين المسؤولين الأوروبيين (رغم أنه غير معلن) بأن السياسة الحالية للاتحاد الأوروبي تجاه فلسطين غير ناجحة. ولذلك هناك ـ كما يبدو ـ "استعداد أكبر لدى الاتحاد الأوروبي لمناقشة الشكل الذي سيكون عليه البديل لهذه الحالة من الجمود أو الفشل". وهذا أمر إيجابي كما يراه لوفات.

بعد مداخلة هيو لوفات، قالت السيدة إيفين إنسير عضو البرلمان الأوروبي السويدي ونائبة رئيس لجنة العلاقات مع فلسطين في البرلمان الأوروبي (DPAL) إن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يلعب دورًا مهمًا كوسيط وأن يكون أكثر حزماً تجاه الحكومة الإسرائيلية وممارساتها وذلك لتسهيل مشاركة جميع الفلسطينيين في الانتخابات، وخاصة أولئك الذين يعيشون في القدس. 

 

 


وأضافت إنسير أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يدعم العملية الانتخابية من خلال العمل مع مجموعات المجتمع المدني وكذلك وسائل الإعلام الحرة والمستقلة. وأكدت على دعمها لمشاركة المزيد من الشباب والنساء في القوائم الانتخابية لأي انتخابات مستقبلية مرتقبة. 

وبخصوص إمكانية اعتراف الاتحاد الأوروبي بنتائج الانتخابات الفلسطينية أكدت إنسير بشكل قاطع أنه يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الاعتراف بشكل لا لبس فيه بالفائزين في أي انتخابات مرتقبة في فلسطين شريطة أن تكون هذه الانتخابات وفقا للمعايير العالمية المعتمدة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

النائب السويدي توماس هامربيرغ، المفوض السابق لحقوق الإنسان في مجلس أوروبا كان المتحدث الأخير في الندوة، وركز على التحديات التي تواجه أوروبا عموما (وبلده السويد خصوصا) في علاقتها بالقضية الفلسطينية وفي دعوتها لإجراء انتخابات في فلسطين. وأوضح أن الحكومة السويدية مهتمة بدعم الانتخابات في فلسطين، رغم الشعور السائد بأن تأثيرها محدود. 

 



وفي معرض حديثه عن تجربته على الأرض في فلسطين قال هامربيرغ إن إحدى العقبات الرئيسية التي تواجه أوروبا في سعيها لإجراء الانتخابات هي عدم الاهتمام أو انعدام الجدية ـ من جانب الأحزاب السياسية الرئيسية في فلسطين ـ بالعملية الانتخابية. هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام من جانب إسرائيل.

وقال: إن عدم إجراء الانتخابات سيمكن الإسرائيليين دائما من القول إن الحكومة أو القيادة في فلسطين "غير شرعية" و / أو بعيدة عن الديمقراطية. وأضاف هامربيرغ أن الأوروبيين يشعرون بخيبة أمل متزايدة بسبب عدم وجود تفاؤل وجدية تجاه الانتخابات من قبل اللاعبين الرئيسيين في إسرائيل وفلسطين، وأن ذلك سيكون بمثابة عائق حقيقي أمام أي تحرك جاد من قبل الاتحاد الأوروبي.