مقالات مختارة

"مزّيكا على تمثال أمريكا"!

1300x600

جلست كغيري متسمرا ساعات أمام التلفزيون أتفرج بنوايا طيبة على الخروج المخزي لـ”ترامب” من البيت الأبيض. ودخول الرئيس الجديد. وأتفرّج كذلك على “صورة الأمريكي” الطبيعية، لا التي صدّرتها لنا الأفلام!


حاولت مثل كثيرين أن أقفز عن المسافة التي تفصلني عن “أمريكا الأسطورية” بالتدقيق في الوجوه والملابس و”الكمامات” ورجال الشرطة ووو.. علّني أعثر على ما يفيدني: ما هي أمريكا؟!


عشرون رجلا من المافيا الإيطالية، مدرّبون منذ الخامسة من أعمارهم على السلاح، يصيدون الذباب بالرصاص، لكنَّهم يصوبون بنادقهم جميعا على “سلفستر ستالون” .. فلا يصيبونه بخدشٍ صغير، ويقتل هو بمخزن رصاص واحد سبعة عشر رجلا منهم، ويخنق الثلاثة الباقين بيده!


هكذا هي صورة الأمريكي التي اشتغلت عليها “هوليوود” لعقود طويلة، فأفلحت في تكريسها في الأذهان كأسطورة؛ أكثر مما فعل ”البنتاغون” نفسه.


إذ على الأمريكي ألا يموت، وألا يُهزم، وألا ينفد الرصاص من مسدسه؛ لأن ذلك يحدثُ للبشر العاديين فقط، وللأعراق الأقل شأنا!


والبطل في الأفلام الأمريكية، حتى العاطفية منها، نادرا ما يموت، أو يمرض أو تسقطُ محفظته من جيبه، وهو يقفز بين بنايتين بارتفاع 165 طابقا!


ولا أعرف حقيقة كيف ينظر المخرج الأمريكي لهذا الأمر، وإن كان يربطه بالهيمنة الأمريكية على العالَم، وأن موت بطله لو حدث سيُعدُّ فألا سيئا أو مؤشرا إلى ضعف قبضة الـ “سي آي إيه”، أو سيجعل أمريكا في مصافّ الشعوب والدول العاديّة!


فلو وضعنا جانبا الافلام “البشرية” الأمريكية، التي “أنسنت” الأمريكي وجعلته يقع في الحب، أو يتورط في حادث سير، وهي ليست قليلة بالطبع حتى لا نتجنَّى على السينما عموما، فإنَّ الكثرة الباقية من هذه الأفلام التي ”تؤسطر” الأمريكي تدفعك للتفكير أحيانا: هل “هوليوود” فرعٌ في جهاز المخابرات الأمريكية، مهمَّته إرهاب العالَم بسطوة ونفوذ وعضلات “الأمريكي”؟


لا يختلف ذلك عن المقولة الشهيرة لوزير الدعاية الألماني في حكومة هتلر جوزيف غوبلز، حين قال: “اكذب، ثم اكذب.. ثم واصِل الكذب حتى يُصدِّقك الناس”، بل إن غوبلز نفسه استعان بالسينما، لترويج النازية، بل إن السينما الأمريكية نفسها صنعت فيلما مثيرا عن أفلام غوبلز!


المثير في الأمر أيضا، أن ذلك كان مفهوما حين كانت وسيلة التواصل الوحيدة بين الدول والعوالم المختلفة هي السينما، فلم يكن هناك “إنترنت” ولا فضائيات ولا سبيل لرؤية الآخر الا السفر إليه، فكانت السينما هي الوسيلة الوحيدة لترى العالم، وكان المنتج يوصل لك ما يريدك أن تعرفه عنه! في ذلك الوقت كان يمكن أن نصدِّق أن الأمريكي يمشي بسيارته على الماء، وأنَّه يتعلَّم الصينية في ثلاثة أيّام، لكنَّ ذلك غير مفهوم الآن؛ حين صار العالَم مفتوحا بعضه على بعض، وصرنا نشتغل في شركات متعددة الجنسيات، ونرى الأمريكي يحمل معه “سندويتش بيض” إلى الشغل صباحا!


فضلا عن أن أمريكا، الآن، هي أكثر حاجة من أي وقت مضى إلى أنسنة صورتها، وصورة مواطنها، كي لا تظلَّ محافظة على صورة الكاوبوي الشرّير، الذي يستحق القتل.


وربما على أمريكا، أيضا، أن تقفز عن هذه المساحة الإنسانية القصيرة بين الثقافات، وأن تفهم الآخر، وتؤمن به، وبحقوقه، قبل أن تقنعنا أنها قادرة على القفز بين ناطحتي سحاب!

 

(عن صحيفة الغد الأردنية)