كتاب عربي 21

العلاقات المصرية القطرية.. السياسة قبل الاقتصاد

1300x600

رغم قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، فقد ظلت العمالة المصرية في قطر مستمرة في عملها، وفي إرسال التحويلات المالية الدورية إلى أسرها داخل الوطن، كما استمرت الاستثمارات القطرية في مصر
رغم إمكانية زيادة الصادرات المصرية لقطر في ضوء انخفاض قيمة الصادرات المصرية عالميا، وبلوغ قيمة الواردات السلعية القطرية من دول العالم 31 مليار دولار عام 2019، رغم قلة عدد سكانها البالغ 2.7 مليون نسمه، وارتفاع معدل نصيب الفرد القطري من الدخل القومي ليصل إلى أكثر من 62 ألف دولار عام 2019، ما يساهم في كبر معدلات استهلاكه السلعي والخدمي.. ورغم إمكانية زيادة الاستثمارات القطرية بمصر، في ظل انخفاض قيمة الاستثمارات الواردة لمصر، وارتفاع معدلات البطالة، وإمكانية زيادة عدد السياحة القطرية لمصر، المعروفة بزيادة حجم الإنفاق وطول فترة الإقامة بالمقارنة للجنسيات غير الخليجية..

 

تتدخل السياسة للحد من زيادة الصادرات المصرية لقطر، بل وإلى حد وقف حركة التجارة بين البلدين لمدة ثلاث سنوات ونصف، من حزيران/ يونيو 2017 وحتى نهاية عام 2020، الأمر الذي انعكس على تراجع السياحة القطرية، خاصة مع روح العداء التي بدت من المضمون الإعلامي المصري، كما انخفض عدد السفن القطرية المارة بقناة السويس من 53 سفينة عام 2009 إلى سفينتين فقط عام 2018، مع شكوى المصدرين المصريين من أنه من الصعب استعادة الأسواق التصديرية بمجرد السماح بعودة التجارة، حيث تتعاقد الشركات في بلدان التصدير المتوقف مع دول أخرى بديلة، مما يتطلب وقتا وحوافز لاستعادة تلك الأسواق التصديرية.

ورغم قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، فقد ظلت العمالة المصرية في قطر مستمرة في عملها، وفي إرسال التحويلات المالية الدورية إلى أسرها داخل الوطن، كما استمرت الاستثمارات القطرية في مصر، حتى أن قيمتها البالغة 679 مليون دولار، احتلت بها المركز السادس بين دول العالم المستثمرة بمصر خلال العام المالي الأخير (2019/ 2020)، بل إنها احتلت المركز الثاني بين الدول العربية بعد الإمارات، أي أكثر من قيمة الاستثمارات السعودية بمصر خلال العام!

تتدخل السياسة للحد من زيادة الصادرات المصرية لقطر، بل وإلى حد وقف حركة التجارة بين البلدين لمدة ثلاث سنوات ونصف، من حزيران/ يونيو 2017 وحتى نهاية عام 2020، الأمر الذي انعكس على تراجع السياحة القطرية

أجواء غير مواتية للاستثمار القطري

وهذا رغم الأجواء غير المواتية لعمل الاستثمارات القطرية، والتي تجلت في هجوم مسلح على معدات تنفيذ أحد المشروعات العقارية لشركة الديار القطرية في القاهرة الجديدة وإحراق كرافانات مساكن ومكاتب المهندسين المقيمين بموقع العمل، في أيار/ مايو 2016، وتعطل العمل بالمشروع السياحي الذي تنفذه شركة الديار القطرية على شاطئ البحر الأحمر، والعراقيل التي واجهت افتتاح فندق سانت ريجنس بالقاهرة، الذي كان مقررا افتتاحه في آذار/ مارس 2018، وحتى بدايات عام 2021 بعد قمة مدينة العلا السعودية، ومنها الهجوم الإعلامي على الاستثمارات القطرية، ومن ذلك ما نشرته صحيفة الأخبار القاهرية في نيسان/ أبريل 2016، أي قبل المقاطعة بعام كامل، على صفحة كاملة بعنوان: "الاستثمارات القطرية.. الفساد الأكبر في مصر"، كذلك قيام هيئة الاستعلامات المصرية بحذف ما يخص العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر من على موقعها الإلكتروني.

بل لقد وصل الأمر بالعاملين المصريين في بنك قطر الأهلي بمصر، أنه عندما يسألهم أحد عن مكان عملهم يردون: ببنك كيو إن بي، لتفادي ذكر كلمة قطر تحسبا لإمكانية تعرضهم للمقايضات.

لكنه رغم الخلاف بين البلدين منذ تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن، استمر بنك قطر الأهلي مصر في عمله، وفي زيادة حجم نشاطه حتى بلغ حجم أصوله 290 مليار جنيه بنهاية العام الماضي، ليشغل المركز الرابع بين أصول وودائع البنوك المصرية العامة والخاصة، بل والمركز الثالث في قيمة القروض، حيث يعمل فيه 6686 شخصا من خلال 231 فرعا.

واستطاعت الإدارة المصرية للمصرف مواصلة العمل في أجواء القطيعة، من خلال إقراض المشروعات الحكومية والتبرع للمجالات الاجتماعية، من خلال الجمعيات الرسمية مثل مؤسسة مصر الخير، والمشاركة في رعاية منتديات الشباب التي يقيمها الجنرال في المحافظات، والتبرع لصندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي العمليات الحربية والأمنية، وتقديم الأجهزة الطبية للمستشفيات والمساهمة في تطوير عدد من المدارس بعدة محافظات.

وكانت الصادرات المصرية لقطر قد بلغت أقصى معدل لها عام 2014 حين بلغت أكثر من 300 مليون دولار، بل لقد بلغت 292.5 مليون دولار في عام 2017 الذي تم قطع العلاقات في منتصفه، بينما بلغت الواردات المصرية من قطر مليارا و363 مليون دولار في عام 2017 الذي تم وقف التجارة في منتصفه.

فائض تجاري مصري مع قطر

وهكذا ظلت التجارة المصرية مع قطر تحقق فائضا مستمرا منذ عام 2004 وحتى 2014، ثم تحولت إلى تحقيق عجز منذ عام 2015 وحتى 2019 بسبب مشتريات الغاز، وبعد تحول مصر إلى تصدير الغاز الطبيعي مؤخرا فإن هذا سينعكس على حجم وارداتها من قطر، بما يزيد من فرص العودة لتحقيق فائض تجاري معها مثلما كان الحال قبل استيراد مصر الغاز الطبيعي.

وحسب بيانات جهاز الإحصاء المصري فقد بلغت قيمة الصادرات المصرية لقطر عام 2019 نحو مئتي ألف دولار فقط، بينما بلغت قيمة الواردات 23.5 مليون دولار لتصل قيمة التجارة 23.7 مليون دولار، بعد أن كانت قد بلغت 1.8 مليار دولار عام 2106 قبل المقاطعة.

وبلغ عدد السياح القطريين الواصلين لمصر عام 2016 أكثر من 23 ألف سائح، قضوا أكثر من 132 ألف ليلة سياحية بمتوسط سبع ليال للسائح، وكان عدد السياح القطريين قد بلغ حوالي 25 ألف عام 2102 ثم انخفض العدد إلى 20 ألف في عام 2013، مع بدء الخلاف بين البلدين بعد تولي الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013، وانخفض العدد إلى 19 ألف في 2014.

وتشكل العمالة المصرية في قطر الجالية الرابعة عدديا بعد الهند ونيبال والفلبين، وحسب بيانات البنك الدولي لعام 2018 فقط احتلت قيمة تحويلات العمالة المصرية من قطر المركز الرابع بقيمة مليار و472 مليون دولار، مقابل 4.3 مليار دولار لقيمة تحويلات العمالة الهندية التي احتلت المركز الأول.

وفيما يخص تاريخ المعونات القطرية لمصر، فقد أوضحت بيانات المصرف المركزي المصري عدم ورود أية معونات قطرية لمصر منذ العام المالي 2004/2005 وحتى عام 2010/2011، لكنه في العام المالي 2011/2012 قدمت قطر معونة بقيمة نصف مليار دولار خلال فترة تولي المجلس العسكري السلطة، وفي العام المالي 2012/2013 قدمت قطر معونة بقيمة 501 مليون دولار في عام تولي الرئيس محمد مرسى.

وفي العام 2013/2014 مع بدء تولي الجيش السلطة، بلغت المعونة القطرية 127 مليون دولار، ويبدو أنها كانت قيمة شحنات غاز طبيعي أخذت مسارها البحري قبل تولي الجيش السلطة في الثالث من تموز/ يوليو 2013.

استفادة مزدوجة من العلاقات الاقتصادية

أما إقراض قطر لمصر وحسب بيانات المصرف المركزي المصري، فلم تظهر سوى في الربع الثالث من عام 2012 مع تولي الرئيس محمد مرسى، في صورة ودائع قصيرة الأجل، تلتها ودائع أخرى قصيرة الأجل بقيمة 3.5 مليار دولار في الربع الرابع من نفس العام. وفي الربع الأول من عام 2013 قدمت قطر نصف مليار دولار أخرى كودائع قصيرة الأجل، ليصبح الإجمالي لها 4.5 مليار دولار خلال الربع الثاني من 2013.

ولأنها كانت ودائع قصيرة الأجل فقد حل أجل سداد جانبا كبيرا منها بقيمة ثلاثة مليارات دولار في الربع الثالث من عام 2013، وسداد مليار دولار في الربع الرابع من العام، ليتبقى نصف مليار دولار فقط مع نهاية عام 2013، تم سداده في الربع الرابع من عام 2014 ليصبح الرصيد صفرا عام 2015.

ورغم ظهور قروض قطرية لمصر عام 2016 بقيمة 38 مليون دولار، فقد تم سدادها خلال عامي 2017 و2018، لينتهي عام 2018 ورصيد تلك القروض صفر.
نظرا لاستمرار حالة الجمود والترقب في العلاقات السياسية بين البلدين حاليا بعد عودة العلاقات الدبلوماسية، فإن ذلك سينعكس على التبادل التجاري والسياحي

ولا يعني ذلك أن العلاقات بين البلدين كانت تسير في صالح طرف واحد منهما، بل إنها تسير في صالح البلدين. ففي ضوء ما قدمته قطر خلال عام الرئيس مرسى، فقد تمكنت من الاستحواذ على أحد المصارف العاملة بمصر في آذار/ مارس عام 2013 والذي تحول إلى قطر الأهلي مصر.

وقال لي أحد كبار معاوني الرئيس مرسي إنه بسؤاله لمسؤول إماراتي أواخر فترته، عن سبب عداء الإمارات للرئيس مرسي، فقال لأنكم أدخلتم القطريين للاستثمار بمصر، وعندما رد عليه المسؤول المصري: ولكن الجيش فعل ذلك أيضا، قال المسؤول الإماراتي: ولكنه استأذننا أولا!

وأخيرا ونظرا لاستمرار حالة الجمود والترقب في العلاقات السياسية بين البلدين حاليا بعد عودة العلاقات الدبلوماسية، فإن ذلك سينعكس على التبادل التجاري والسياحي، ورغم وجود مجلس أعمال مصري قطري منذ سنوات طويلة، إلا أنه قد جمد نشاطه خلال فترة الخلاف، حتى صدور إشارات صريحة من قبل السلطات المصرية لاستئناف نشاطه.


twitter.com/mamdouh_alwaly