صحافة دولية

FP: إحياء الصفقة النووية يمنح أمريكا نفوذا أكبر على إيران

في حالة انتهاك إيران للاتفاق، يمكن للحكومة الأمريكية إعادة فرض العقوبات بدعم من أوروبا وأيضا من الصين وروسيا- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحثة "مهسا روحي"، قالت فيه إنه بينما يفكر المسؤولون في الولايات المتحدة بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، تركز الكثير من الجدل حول ما إذا كانت واشنطن ستفقد سطوتها على طهران.

 

وبحسب "روحي"، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، فإن بعض الخبراء والمسؤولين يجادلون بأنه إذا عادت إدارة بايدن للانضمام إلى الصفقة -المعروفة أيضا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)- فإن أمريكا ستهدر النفوذ الذي تم بناؤه في السنوات الأخيرة من خلال استراتيجية الضغط الأقصى للرئيس السابق دونالد ترامب.


وفي حين تسببت العقوبات الأمريكية في تحديات كبيرة للاقتصاد الإيراني، وحدّت من وصول طهران إلى الموارد المالية، إلا أنها لم تنجح في تغيير سلوكها فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وفق "روحي".

 

وفي الواقع، لم تقدم إيران تنازلات إضافية، وبدلا من ذلك، انخرطت في استراتيجيتها الخاصة لتعزيز النفوذ، من خلال تكثيف أنشطتها النووية، وبرنامج الصواريخ، والأنشطة الإقليمية.

 

وإيران ليست أقرب إلى امتلاك القدرة على صنع قنبلة فحسب، بل إن الخطاب السياسي للمسؤولين الرئيسيين حول ما إذا كان ينبغي تجاوز هذه العتبة قد تغير، وفق الكاتبة.


وترى الباحثة أن النفوذ لا يكون مجديا إلا إذا كان من الممكن استخدامه بفعالية لتحقيق النتائج السياسة المرغوبة، إذ إن الاستمرار في بناء النفوذ فقط من أجل إلحاق الألم أو زيادة الضغط ليس استراتيجية تفاوض فعالة أو مستدامة.

 

وقد يؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة من السعي وراء صفقة مثالية "غير موجودة"، وتجاهل فرص التقدم التدريجي مع اقتراب إيران من القدرة على إنتاج أسلحة نووية.

 

ومن خلال إحياء الاتفاق النووي، لن تهدر الحكومة الأمريكية أي نفوذ ناتج عن العقوبات، ولكن إذا لعبت أوراقها بحكمة، وفق الكاتبة، فقد تعزز موقفها لمتابعة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني والأنشطة الإقليمية.


وردا على جهد الضغط الأقصى، سعت طهران إلى زيادة نفوذها، فكثف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC) عملياته العسكرية البحرية في الخليج العربي، مستهدفا طرق التجارة البحرية عبر مضيق هرمز؛ للإشارة إلى قدرته على الإضرار بمصالح أمريكا ومصالح حلفائها.

 

وكان أحدث مثال في أوائل كانون الثاني/ يناير، عندما استولى الحرس الثوري الإيراني على سفينة ترفع علم كوريا الجنوبية على الأرجح، كرد فعل على 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة امتثالا للعقوبات الأمريكية.


وزادت إيران من أنشطتها النووية، ما يقربها من امتلاك القدرة على بناء سلاح نووي إذا اختارت القيام بذلك.

 

وأشار مسؤولون إيرانيون، في كانون الثاني/ يناير، إلى أنهم يعتزمون توسيع برنامجهم النووي من خلال استئناف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 بالمئة، وهو أعلى بكثير من الحد المنخفض البالغ 3.67 بالمئة الذي حدده اتفاق 2015.

 

علاوة على ذلك، ولتقليل تأثير العقوبات والضغط الأمريكي، ركزت إيران على الاستثمار في البنية التحتية للاقتصاد المقاوم لتنويع الاقتصاد بطرق تجعلها أكثر انفتاحا وأقل اعتمادا على التجارة الخارجية، خاصة مع الغرب، فإيران اليوم بعيدة كل البعد عن شفا الانهيار. وبدلا من ذلك، من المتوقع أن تشهد البلاد تعافيا اقتصاديا في عام 2021.


ويجب على أمريكا، وفق مقال "مهسا"، أن تحاول بسرعة العودة النظيفة إلى الاتفاق باتباع نهج الامتثال مقابل الامتثال؛ لأن ذلك يمكنه أن يوقف البرنامج النووي الإيراني سريع النمو في مساره.

 

ولن تقوض هذه الخطوة النفوذ الأمريكي، بل ستعززه، بحسبها، وسيسمح لأمريكا بإيقاف عقارب الساعة بشأن التقدم النووي الإيراني، والتخفيف من احتمالية المواجهة العسكرية بين إيران والاحتلال الإسرائيلي أو أمريكا، واستعادة الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف.

 

والأهم من ذلك، أن العودة إلى الصفقة ستتيح المزيد من الوقت لاتفاقيات المتابعة بشأن القضايا الإقليمية ومجالات الخلاف الأخرى. هذه القضايا حاسمة للمصالح الأمنية لأمريكا وشركائها الإقليميين، ومن غير المرجح أن تنخرط طهران في أي محادثات حول هذه القضايا ما لم تتم استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة.


ويعتبر تخفيف العقوبات أحد المكونات المهمة للضغط الأمريكي. ومع التزام كلا الجانبين بالامتثال، فإن رفع العقوبات عن إيران لن يمنح طهران دفعة اقتصادية قوية بما يكفي لتثبيط المزيد من المفاوضات أو لتمويل أنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار كما يخشى البعض.

 

ستظل العقوبات غير المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة سارية، وفقا للتصور الذي تطرحه الكاتبة، وحتى مع رفع العقوبات المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة على الورق، فإن الجانب العملي لتفعيل التجارة والمعاملات لن يكون سريعا. لن تبدأ إيران إلا في عملية بطيئة للتعافي الاقتصادي. لكن الراحة ستمنح أمريكا اليد العليا على طاولة المفاوضات، وتبادل المزيد من الحوافز الاقتصادية الفورية مقابل تنازلات إضافية.


في حالة انتهاك إيران للاتفاق، يمكن للحكومة الأمريكية إعادة فرض العقوبات، ليس فقط بدعم من أوروبا، ولكن أيضا من المحتمل الصين وروسيا. تشترك جميع الأطراف الأخرى في الاتفاق الأصلي في مصلحة مشتركة: منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. والمصلحة المشتركة لمنع الانتشار العالمي هي التي أوجدت هذا التحالف في المقام الأول.

 

اقرأ أيضا: "الطاقة الذرية": إيران أخطرتنا بوقف السماح بالتفتيش المفاجئ

 

وإذا تجاوزت إيران الخط الأحمر فيما يتعلق بقدراتها، فإن هذه الدول لديها مصلحة متأصلة في ممارسة الضغط لمتابعة أهدافها الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية، ومن المرجح أن يكون الرد متعدد الأطراف على أي انتهاك مع عودة أمريكا إلى الصفقة أكثر مما لو بقيت واشنطن خارجها.


والتهديد بإعادة فرض العقوبات أقوى اليوم مما كان عليه قبل أربع سنوات. وفي حين فشلت استراتيجية الضغط الأقصى في تحقيق النتائج المرجوة من سياسة واشنطن، فقد أظهرت قوة العقوبات الأمريكية أحادية الجانب على الرغم من المعارضة الدولية. أصبحت العواقب الوخيمة للعزلة عند مواجهة العقوبات الأمريكية واضحة وضوح الشمس لمعظم الإيرانيين.


ويتعرض الرئيس الإيراني حسن روحاني لضغوط من الفصائل المتشددة، وبسبب الاستياء العام المتزايد من التحديات الاقتصادية في البلاد. إنه يحتاج إلى تأمين بداية عملية على الأقل لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في الأسابيع المقبلة. وهناك تصور متزايد بين النخبة السياسية في طهران بأن أفضل استراتيجية لدفع أمريكا لإنهاء حملة الضغط الأقصى هي تخييرها بين تصعيد المواجهة غير المحسومة إلى الحرب، أو إيران ذات القدرة النووية.


والافتراض هو أن طهران يمكن أن تستفيد من إحجام واشنطن عن الدخول في مواجهة عسكرية لدفع أجندتها السياسية، وأنه يمكنها القيام بذلك عن طريق دفع القيود المفروضة على برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية، إلى درجة تجعل الحكومة الأمريكية أمام خيارين: قبول إيران ذات القدرة النووية، وضربة عسكرية ضد إيران، وكلاهما غير مقبول لإدارة بايدن.


ويفترض القادة في طهران، وفق الكاتبة، أن عدم جاذبية البدائل يمكن أن يجعل واشنطن تستنتج أن الوقت ليس في صالحها لمواصلة حملة الضغط من خلال العقوبات، وأنها بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لإحياء الاتفاقية.


وقد تؤدي سياسة حافة الهاوية الإيرانية إلى مواجهة عسكرية بشأن برنامجها النووي، كما تهدد إسرائيل. والمتشددون الإيرانيون واثقون بشكل مفرط من نفوذهم النووي، واستدامة اقتصاد المقاومة على المدى الطويل.

 

ويواجه اقتصاد المقاومة الإيراني تحديات خطيرة: هناك استياء داخلي متزايد من وتيرة النمو الاقتصادي الذي يتحول إلى ضغط سياسي. بينما تكافح إيران لإدارة الوباء، ورد أن "الشراء المسبق" لما يقرب من 17 مليون لقاح كوفيد-19 من برنامج مشاركة اللقاحات COVAX قد تأخر؛ بسبب العقوبات المالية الأمريكية.

 

لكن الحفاظ على هذا الموقف سيأتي بتكلفة باهظة تتمثل في السخط المحلي وتأخر التنمية الاقتصادية.

 

قد يؤدي توسيع الأنشطة النووية والعسكرية إلى تعريض الدعم السياسي الذي ما زالت تقدمه روسيا والصين للخطر. وبالتالي، من خلال التمسك بما تعتبره نفوذا، تخاطر إيران بتبديد فرصة فريدة للتوصل إلى اتفاق مع إدارة أمريكية أبدت استعدادها للتعامل دبلوماسيا معها، وهي في وضع فريد يمكنها تحقيق ذلك.


ولكي تتمكن إدارة روحاني من إقناع المتشددين بالتراجع عن خطوات التقدم النووي، والعودة إلى الامتثال للاتفاق، فإنها ستحتاج إلى بدء عملية العودة إلى الاتفاق خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

 

وإذا لم يكن هناك احتمال واضح لإحياء الاتفاق، فقد تتخذ إدارة روحاني إجراءات أكثر صرامة، مثل وقف عمليات التفتيش النووية الدولية، في استعراض للقوة أمام خصومها السياسيين قبل الانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو، والتي سيخسرها روحاني إذا لم يستطع إحياء الصفقة. كما أن من المقرر، فعلا، تقليص عمليات التفتيش إذا لم تعد أمريكا إلى الصفقة بحلول 21 شباط/ فبراير، ما يشير إلى ضغط الوقت على الحكومة في طهران.


وتجدد الكاتبة التأكيد على أن العودة إلى الصفقة لن تعرض النفوذ الأمريكي للخطر، بل سيعززه للمفاوضات المستقبلية، إذ إن الاستمرار في التركيز على التمسك بالنفوذ، وإضافة الضغط ببساطة لإلحاق الألم، سيستمر في تحقيق نفس النتائج، أي عدم إحراز تقدم في الأهداف السياسة الرئيسية. وفي نفس الوقت سوف يهدر فرصة التواصل الدبلوماسي الذي قد يكبح برنامج الأسلحة النووية الإيراني.


ومن خلال العودة إلى الصفقة، ستحتفظ أمريكا بالنفوذ، الذي بنته؛ من خلال إظهار الآثار الاقتصادية المدمرة لعقوباتها أحادية الجانب، وتستخدم ذلك النفوذ من خلال الدبلوماسية المستمرة والجهود متعددة الأطراف لتحقيق نتائج سياسية مرغوبة أكثر. كما ستضع استعادة الصفقة إدارة بايدن في موقف أقوى بكثير للمضي قدما في التفاوض على اتفاقيات إضافية تعالج قضايا ومخاوف أخرى، مثل برنامج إيران الصاروخي والأنشطة المزعزعة للاستقرار في الخارج في منتدى إقليمي.

 

وتشير أربعة عقود من العقوبات وتاريخ المفاوضات الأمريكية والأوروبية مع إيران، وفق الكاتبة، إلى أنها قاومت الضغط فقط من خلال مضاعفة الجهود في برنامجها النووي، ودعم وكلائها الإقليميين.

 

وتختم الكاتبة بالقول إن طهران سبق أن قبلت تنازلات مقبولة ومحددة بوضوح، وامتثلت لها فقط من خلال إطار عمل متفق عليه مثل صفقة 2015. وبعد أربع سنوات من الفشل في إجبار إيران على تغيير أي سياسات للأفضل، حان الوقت لواشنطن لإعادة التفكير في كيفية استخدام النفوذ بفعالية.