قضايا وآراء

عودة مشعل

1300x600
أفرزت الانتخابات الأخيرة لحركة حماس فوز الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة خالد مشعل بمنصب رئيس الحركة في الخارج، وهو المنصب الذي استحدث مؤخرا عقب سلسلة من التغييرات شهدتها هيكلة حركة حماس، وتقسيمها إلى ثلاثة أقاليم: غزة، الضفة، والخارج.

أهم ما في نتائج هذه الانتخابات حتى اللحظة هو عودة مشعل للواجهة عبر فوزه بمنصب "رئيس حماس في الخارج"، والحقيقة أن ثقل الرجل ووزنه السياسي وقيادته للحركة على مدار 21 عاما هي أهم سنوات الحركة؛ تجعل عودته هي الخبر وليس المنصب الذي تَحصّل عليه، وسأذكر الأسباب.

لا نعرف حقيقة لماذا لم يتنافس مشعل على منصب رئاسة المكتب السياسي، هل احتراما لرفيقه إسماعيل هنية وعدم رغبة مشعل في منافسته، أم هي توزيعات في إطار التوازنات الداخلية بين الداخل والخارج والمحاصصات؟ وحتى لا يغضب تيار عريض بدأ منذ فترة يتشكل في قطاع غزة يطالب بحق الاستحواذ على صناعة القرار بالنظر لتمركز الحركة في القطاع؟
أهم ما في نتائج هذه الانتخابات حتى اللحظة هو عودة مشعل للواجهة عبر فوزه بمنصب "رئيس حماس في الخارج"، والحقيقة أن ثقل الرجل ووزنه السياسي وقيادته للحركة على مدار 21 عاما هي أهم سنوات الحركة؛ تجعل عودته هي الخبر وليس المنصب

أيا تكن الأسباب فإنها لا تبرر سلب مشعل حقه في التنافس على رئاسة المكتب السياسي للحركة، فمن حق أي قيادي في أي فصيل أن يترشح للمنافسة على أي منصب في حركته، ولست من الذين يقتنعون بالمجاملات أو المحاصصات، فهي بتقديري وصفة ليست مناسبة لحركات التحرر الوطني، والتي ينبغي أن تبتعد عن هذا.

تاريخ مشعل وتعرضه لمحاولة الاغتيال الفاشلة في الأردن خلال التسعينات أسهمت بشكل كبير في تكريس كاريزميته، كما أن شخصيته وعلاقاته والبعد العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية الذي كان يبدع الرجل في ربطه بالقضية، كلها تجعله مناسبا للحظة الفلسطينية الراهنة. فهو مقبول رسميا في الإقليم إلى حد ما، كما أن شعبيته في الشارع العربي كبيرة جراء قدراته الخطابية والتأثيرية، وحرصه على التجوال وزيارة العواصم العربية.. كلها مواصفات تحتاجها حماس، خاصة في الفترة الراهنة التي تشهد فيها القضية الفلسطينية حصارا غير مسبوق؛ أولا بسبب تراجعها عن الأجندة الدولية، وثانيا جراء الضربات التي تعرضت لها في الخاصرة عبر هرولة بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، خاصة مع خروج الدول العربية الكبرى من معادلة الفعل، وانشغال كثير من الدول بمشاكلها الداخلية في الوقت الذي تنشغل فيه الشعوب العربية في لقمة العيش.

في ما يتعلق بعودة القرار للداخل وبعض الشعارات في حماس التي باتت تطرح سواء في السر أو حتى في العلن؛ بتقديري أنها غير صائبة، فلم تقم دولة في فلسطين حتى يستعاد القرار للداخل. فالحقيقة أن السلطتين في غزة والضفة هما سلطتان تحت الاحتلال، ومن مجانبة الصواب وضع كل البيض في سلته.
مواصفات تحتاجها حماس، خاصة في الفترة الراهنة التي تشهد فيها القضية الفلسطينية حصارا غير مسبوق؛ أولا بسبب تراجعها عن الأجندة الدولية، وثانيا جراء الضربات التي تعرضت لها في الخاصرة عبر هرولة بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل

ينبغي أن يدرك من يرفع هذه الشعارات أن حركات التحرر الوطني تاريخيا واجهت المحتل من الداخل والخارج، وكثير منها بقيت قياداتها بالكامل في الخارج ولم تعد إلا عقب التحرر نجاح الثورة. فأيهما أفضل؛ أن تُحاصر القيادة السياسية لحركة حماس في الداخل بحصار أولا إسرائيلي، وثانيا مصري وإقليمي ويصبح تحرك رئيس المكتب السياسي للحركة جزءا من مفاوضات ومادة للابتزاز؟ أم أن يبقى المكتب السياسي في الخارج يتحرك في فضاء أرحب؟

يُسجل حقيقة لحماس تمسكها بالانتخابات أداة لفرز القيادات، كما يسجل لها تماسكها وعدم حدوث انشقاقات فيها رغم حجم الخلافات والتباين الواضح في التقديرات بين ما بات يعرف بحماس الداخل وحماس الخارج، لكن ينبغي أن نتذكر أن المشروع الوطني الفلسطيني لا يمكن اختزاله في سلط الداخل لا في فتح معبر رفح، أو تخفيف الحصار، ولا في استمرار تدفق التمويل للسلطة في الضفة. هذه حقوق أساسية للشعب الفلسطيني والحصار المفروض على غزة جائر ومدان، وصمود الغزيين أسطوري ومبهر، لكن رغم كل هذا فإن حماس تحتاج لتطبيع علاقاتها من جديد مع الشعوب العربية، والرهان عليها، والعودة للتعامل كحركة تحرر وطني وليس دولة، وإعادة الاعتبار لفلسطينيي الخارج الذين يفوق عددهم السبعة ملايين.
تغيير وظيفة السلطة والاتفاق على برنامج شامل لمواجهة الاحتلال عبر المقاومة الشعبية هما كلمة السر في نجاح أي مشروع أو أي قائد يتصدر للقيادة في المشهد الفلسطيني في اللحظة الراهنة

تحتاج حماس خالد مشعل ودبلوماسيته، فلعله الوحيد في حماس الذي طرح برنامجا متكاملا قبل ترشحه. ففي ندوة أدرتها شخصيا معه قبل شهور طرح مشعل أفكارا وطنية متقدمة في سياق بناء مشروع وطني فلسطيني جامع، منها فكرة "تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية"، بما يجعلها قادرة على مواجهة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ولتكون في قلب المواجهة والاشتباك مع الاحتلال. واعتبر الرجل أن حل السلطة الوطنية الفلسطينية خيار ممكن إذا فشل خيار تغيير الوظيفة، وإذا توحد عليه الفلسطينيون.

تقديري أن تغيير وظيفة السلطة والاتفاق على برنامج شامل لمواجهة الاحتلال عبر المقاومة الشعبية هما كلمة السر في نجاح أي مشروع أو أي قائد يتصدر للقيادة في المشهد الفلسطيني في اللحظة الراهنة، وآمل أن يترجم مشعل ما قاله في رؤيته التي نشرها منتدى التفكير العربي قبل شهور من ترشحه للمنصب.