كتاب عربي 21

توقيت غير مناسب لرفع أسعار البنزين بمصر

1300x600

بينما أشارت تقارير بحثية لتباطؤ الحكومة المصرية في توفير لقاحات الوقاية من فيروس كورونا، وتدني متوسط توزيع اللقاحات إلى 28 جرعة يوميا لكل مليون مواطن، رغم زيادة أعداد المصابين خاصة في محافظة سوهاج الواقعة بجنوب البلاد، وهو ما ما كان يتطلب تشجيع المواطنين على استخدام وسائل المواصلات الخاصة، وتجنب وسائل المواصلات الجماعية لتقليل فرص انتشار العدوى، لكن قامت الحكومة برفع أسعار البنزين الذي تستخدمه أكثر من ثمانية ملايين مركبة ما بين 3 إلى 4 في المائة.

وجاء القرار في توقيت تشهد فيه مصر تراجعا في القوة الشرائية أثر على تعميق الركود في الأسواق، نتيجة توجيه قدر أكبر من الإنفاق على النواحي الصحية والوقاية من الفيروس، خاصة مع ارتفاع أسعار العلاج من الفيروس في المستشفيات الخاصة إلى أسعار عالية لا تقدر عليها غالبية المصريين تجاوزت العشرة آلاف جنيه في اليوم الواحد، والتي يتم اللجوء إليها نتيجة الشكوى من تدني مستوى الخدمة في المستشفيات الحكومية.

جاء القرار في توقيت تشهد فيه مصر تراجعا في القوة الشرائية أثر على تعميق الركود في الأسواق، نتيجة توجيه قدر أكبر من الإنفاق على النواحي الصحية والوقاية من الفيروس

وإذا كانت الحكومة تبرر قرار زيادة سعر البنزين بسبب زيادة متوسط سعر خام برنت، خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 61 دولارا للبرميل، مقابل 44.5 دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي، فإن لجنة التسعير التلقائي لتحديد أسعار المنتجات البترولية التي بدأت عملها أواخر عام 2018، تعتمد في تعديلها للأسعار على عاملين رئيسين هما: سعر الخام في الخارج وسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.

وكان سعر خام برنت الذي تعتبره وزارة المالية المصرية أساسا للتسعير للمنتجات البترولية، قد انخفض إلى 31 دولارا للبرميل خلال الربع الثاني من العام الماضي، وزاد إلى 43 دولارا في الربع الثالث، ثم إلى 44.5 دولار في الربع الأخير من العام الماضي، وهو ما استفادت منه مصر باستيراد كميات أكبر من الخام لتكريرها محليا، حيث زادت الكميات التي تم تكريرها في العام الماضي بنسبة 13 في المائة عن العام الأسبق.

انخفاض سعر النفط وفائض الميزان البترولي

ولقد استفادت مصر حسب جهاز الاحصاء الحكومي من انخفاض أسعار النفط خلال العام الماضي، بانخفاض قيمة وارداتها النفطية من خام ومشتقات معا إلى 6.5 مليار دولار مقابل 9.2 مليار دولار في العام الأسبق، بنسبة تراجع 30 في المائة.

فقد توقف استيراد البنزين والسولار لعدة أشهر مع بداية الربع الثاني من العام الماضي، نتيجة انخفاض الاستهلاك المحلي منهما، جراء إجراءات حظر السماح للسيارات بالسير على الطرق الإقليمية خلال ساعات الليل في تلك الفترة، وتقليل فترة عمل المحلات التجارية وتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات.

وأكدت بيانات المصرف المركزى المصري - والتي تعتمد طريقة مختلفة لحساب الواردات - ذلك الانخفاض في قيمة الواردات النفطية إلى 6.8 مليار دولار في العام الماضي مقابل 11.5 مليار دولار في العام الأسبق، بنسبة تراجع 41 في المائة، الأمر الذي مكن الميزان البترولي المصري من تحقيق فائض في العام الماضي بلغ 258 مليون دولار، كفرق بين قيمة الصادرات النفطية البالغة سبعة مليارات دولار والواردات البالغة 6.76 مليار دولار، خاصة مع إعلان وزارة البترول المصرية انخفاض كمية استهلاك المشتقات البترولية بنسبة 13 في المائة خلال العام الماضي.

أما العامل الثاني المؤثر في تحديد سعر المشتقات والخاص بسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، فهو يشهد استقرارا لصالح الجنيه المصري خلال العامين الماضي والحالي.

ولا يمكن اعتبار سعر 61 دولارا لبرميل برنت في الربع الأول من العام الحالي مرشحا للاستمرار خلال باقي فصول العام، خاصة بعد إعلان مجموعة أوبك وحلفائها خلال الشهر الحالي زيادة الإنتاج تدريجيا، بداية من الشهر المقبل وحتى شهر تموز/ يوليو القادم بما مجموعه 1.1 مليون برميل يوميا، مما سيؤثر على زيادة العرض مقابل الطلب المتأثر سلبيا بتداعيات كورونا على قطاعات الصناعة والنقل والسياحة في العديد من كبرى الدول المستهلكة للنفط.

ولهذا كان توقع صندوق النقد الدولي بلوغ متوسط سعر برميل النفط 58.5 دولار خلال العام الحالي، وانخفاض السعر إلى 55 دولارا للبرميل في العام القادم.

انخفاض حاد لمخصصات دعم المشتقات

وكان يمكن للحكومة الاستمرار في تثبيت سعر البنزين خاصة مع الانخفاض الحاد لقيمة الدعم للمشتقات البترولية، والذي انخفض من 121 مليار جنيه في العام المالي 2017/2018 إلى 85 مليار جنيه في العام التالي، ثم لأقل من 19 مليار جنيه في العام المالي 2019/2020، رغم أن تقدرات وزارة المالية كانت قد حددته بنحو 57 مليار جنيه في بداية العام المالي. ولقد توزع ذلك الدعم ما بين 16.5 مليار جنيه لدعم البتوجاز وملياري جنيه لدعم المازوت.

وفي العام المالي الأخير (2020/2021) بلغت قيمة الدعم خلال النصف الأول منه 8.4 مليار جنيه مقابل 15.3 مليار جنيه في الفترة المقابلة، بنسبة تراجع 45 في المائة، مما يعني إمكانية بلوغ الدعم خلال العام المالي كاملا حوالي 16 مليار جنيه، والتي ستتجهه إلى البتوجاز الذي وافق صندوق النقد الدولي على تأجيل خفض الدعم عنه حاليا، في حين تحقق الزيادة السعرية الأخيرة للبنزين 2.4 مليار جنيه سنويا، في حالة استمرار الاستهلاك الحالي والبالغ 26 مليون لتر يوميا.

وركز الخطاب الرسمى المصري خلال تبريره لرفع سعر البنزين، بأن الارتفاع للسعر لن يشمل السولار الذي تعتمد عليه وسائل النقل، مما سيقلل من التأثير على أسعار نقل السلع المختلفة، لكن الأمر ليس بذلك التبسيط.

وتشير البيانات الرسمية للمركبات المُرخصة في إدارات المرور بنهاية عام 2019 إلى وجود 8.3 مليون مركبة تعمل بالبنزين، منها 3.9 مليون سيارة خاصة، و3.7 مليون موتوسيكل، و220 ألف سيارة نقل، و124 ألف سيارة أجرة، و40 ألف سيارة حكومية، و26 ألف أوتوبيس.

كل الموتوسيكلات والتوك توك بالبنزين

بلغ النصيب النسبي لاستخدام البنزين كوقود 73 في المائة من إجمالي عدد المركبات المرخصة في مصر، وتصل تلك النسبة مائة في المائة للموتوسيكيلات التي تنتقل بها الشريحة المتوسطة والفقيرة في أنحاء القرى وأحياء المدن، وتتكرر نسبة مائة في المائة لاستخدام البنزين لعربات التوك التوك ذات العجلات الثلاث، والتي أصبحت الوسيلة الأولى للتنقل بالقرى والمناطق الشعبية لتناسب حجمها مع ضيق الطرق والأزقة والطرق غير المرصوفة.
يجيء رفع سعر البنزين كخطوة إضافية لزيادة الأعباء على أصحاب السيارات، بعد أن أصدرت الحكومة قانونا في كانون الثاني/ يناير الماضي لتنظيم انتظار المركبات في الشوارع، يزيد من تكلفة انتظار السيارات في الشوارع والميادين

وإذا كانت إدارات المرور ترصد عدد عربات التوك توك في أنحاء البلاد بنحو 227 ألف عربة وتمتنع عن ترخيصها، فإن مسؤولي وزارة التنمية المحلية قد ذكروا أن عددها يتجاوز المليونين ونصف المليون، بما يشير إلى اتساع انتشار تأثيرها الجماهيرى مع زيادة أسعار خدماتها.

وهكذا نجد أن نسبة 39 في المائة من إجمالي السيارات الحكومية تستخدم البنزين، ونسبة 38 في المائة من سيارات الأجرة تستخدم البنزين، وكذلك نسبة 16 في المائة من الأتوبيسات ونسبة 15 في المائة من سيارات النقل، ولأن الأسواق المصرية تتسم بالعشوائية فإن سيارات النقل ستتخذ من الزيادة الأخيرة في سعر البنزين مبررا لرفع أسعار خدماتها.

ويجيء رفع سعر البنزين كخطوة إضافية لزيادة الأعباء على أصحاب السيارات، بعد أن أصدرت الحكومة قانونا في كانون الثاني/ يناير الماضي لتنظيم انتظار المركبات في الشوارع، يزيد من تكلفة انتظار السيارات في الشوارع والميادين، كما أصدرت في شباط/ فبراير الماضي قانونا بفرض رسوم دورية، لتركيب ملصق الكتروني على كل مركبة أيا كان نوع وقودها، وكذلك فرض رسم جديد سنوي على أصحاب المركبات لتطوير منظومة النقل الذكي، إضافة إلى ما يعانيه سوق السيارات حاليا من ارتفاع للأسعار بسبب زيادة نولون الشحن للسيارات المستوردة، وقلة أعداد الموديلات المتاحة للبيع، مما أعاد ظاهرة فرض زيادة سعرية للاستلام الفورى للسيارات المُشتراة، تصل لعشرات الألوف من الجنيهات حسب نوع السيارة، بديلا عن انتظار تسلمها لعدة أشهر.

 

twitter.com/mamdouh_alwaly