كتاب عربي 21

التهديد الروسي لكازاخستان

1300x600

ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد تصريحاته التي وجَّه فيها إلى دول الاتحاد السوفييتي السابقة رسالة تحذير؛ إلى أن تلك الدول جزء من أراضي روسيا التاريخية. وما ذكره بوتين آنذاك عن طريق التلميح، أعلنه بشكل صريح النائب الأول لرئيس لجنة شؤون رابطة الدول المستقلة بمجلس الدوما الروسي، قسطنطين زاتولين، الذي قال إن المناطق التي يعيش فيها الروس داخل كازاخستان ليست تابعة لها، مدَّعيا بأن المسؤولين الكازاخستانيين يعرفون هذه الحقيقة، كما هدد كازاخستان بمصير أوكرانيا، إن لم تحافظ على علاقاتها المتينة مع روسيا.

الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، هو الآخر وجَّه انتقادات إلى كازاخستان، وزعم أن موسكو أنقذت كازاخستان حين كانت في وضع حرج، وقامت بحماية وحدة أراضيها، وأن استقلال الأخيرة كان مهددا قبل التدخل الروسي، في إشارة إلى الأحداث التي شهدتها كازاخستان في كانون الثاني/ يناير 2022، وقال متسائلا: "لماذا الآن لا تدعم كازاخستان روسيا ضد الفاشيين؟".

هذه التهديدات والانتقادات جاءت من موسكو وحلفائها بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، في القمة الاقتصادية بسان بطرسبرغ، حيث رفض فكرة موسكو فرض الاستقلال على مناطق وجيوب في دول أخرى يقيم فيها ناطقون باللغة الروسية، بحجة "حق تقرير المصير". وأضاف قائلا: "إذا تحقق حق أي جماعة في تقرير المصير في جميع أنحاء العالم، ستظهر أكثر من 500 أو 600 دولة، بدلا من 193 دولة"، مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلى الفوضى. وقال: "لهذا السبب، لا نعترف بتايوان، أو كوسوفو، أو أوسيتيا الجنوبية، أو أبخازيا"، مشيرا إلى أن كازاخستان لن تعترف بمنطقتي دونيتسك ولوغانسك اللتين وصفهما بــ"الكيانات شبه الحكومية".

بوتين يطلب من كافة دول الاتحاد السوفييتي السابقة أن تتورط في حروبه دون أدنى تردد، وتدور دائما في فلك موسكو على غرار الشيشان، إلا أن هذا الطلب لا يمكن قبوله من قبل أي دولة ذات سيادة، مهما كانت علاقاتها مع روسيا متشابكة ومعقدة

بوتين يطلب من كافة دول الاتحاد السوفييتي السابقة أن تتورط في حروبه دون أدنى تردد، وتدور دائما في فلك موسكو على غرار الشيشان، إلا أن هذا الطلب لا يمكن قبوله من قبل أي دولة ذات سيادة، مهما كانت علاقاتها مع روسيا متشابكة ومعقدة. ومن المؤكد أن تصريحات رئيس كازاخستان تعبر عن رفض بلاده التخلي عن سيادتها وتسليم زمام أمورها إلى موسكو، إلا أن هذا الرفض سيكون له ثمن، وأن بوتين لن يصمت بالتأكيد تجاه تمرد توكاييف على رغبته.

هناك تقارير تشير إلى أن روسيا ستغلق محطة بلدة نوفوروسيسك التي يتدفق منها معظم صادرات كازاخستان من النفط، بحجة أنه عُثر على 50 لغما بحريا بالقرب من خط الأنابيب. وكانت كازاخستان دُعِيت للمشاركة في بناء خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان، وتصدير نفطها عبره، إلا أنها امتنعت عن ذلك مراعاة لعلاقاتها مع موسكو، وفضَّلت التصدير عبر خط الأنابيب الروسي. والآن، قد يدفعها تهديد موسكو إلى إعادة النظر في حساباتها والانضمام إلى خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان.

التهديد الروسي يستهدف في الحقيقة جميع دول الاتحاد السوفييتي السابقة، بما فيها أعضاء منظمة الدول التركية، وإن كانت التحذيرات الأخيرة وُجِّهت بالتحديد إلى كازاخستان بسبب تصريحات رئيسها في قمة سان بطرسبرغ. ومن المفترض أن يشكل هذا التهديد إنذارا مبكرا لتستشعر تلك الدول حجم الخطر، وتستيقظ من سباتها قبل فوات الأوان، لتتخذ تدابير لازمة لتخفيف ارتباطها بروسيا، وتتقدم بخطوات ملموسة لتنويع علاقاتها مع دول مختلفة، كيلا تواجه في المستقبل مصير أوكرانيا.
روسيا اليوم منشغلة بالحرب في أوكرانيا، وبسبب هذا الانشغال سحبت بعض قواتها من مناطق عديدة، مثل ليبيا وسوريا. ويبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية ستستمر لمدة طويلة، ومهما هدَّد أعضاء مجلس الدوما ووكلاء بوتين كازاخستان فإن فتح جبهة جديدة قبل حسم المعركة في أوكرانيا سيكون في غاية الصعوبة لروسيا، إن لم يكن أمرا مستحيلا

روسيا اليوم منشغلة بالحرب في أوكرانيا، وبسبب هذا الانشغال سحبت بعض قواتها من مناطق عديدة، مثل ليبيا وسوريا. ويبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية ستستمر لمدة طويلة، ومهما هدَّد أعضاء مجلس الدوما ووكلاء بوتين كازاخستان فإن فتح جبهة جديدة قبل حسم المعركة في أوكرانيا سيكون في غاية الصعوبة لروسيا، إن لم يكن أمرا مستحيلا. وبالتالي، لا يجب أن تستسلم كازاخستان، ولا غيرها من دول الاتحاد السوفييتي السابقة للابتزاز الروسي.

كان هناك من ينتقد استنجاد كازاخستان بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تشكل روسيا عمودها الفقري، بدلا من منظمة الدول التركية، لإنهاء الاضطرابات والمظاهرات الشعبية التي شهدتها في بداية العام الجاري، ومن يتفهم تلك الخطوة، نظرا لحاجة البلاد إلى استتباب الأمن والاستقرار، وعمق النفوذ الروسي فيها. وبعد التهديد الصريح الذي وجَّهته موسكو على لسان زاتولين، لا عذر لكازاخستان إن لم تقترب أكثر من أعضاء منظمة الدول التركية، وتعزز علاقاتها مع تلك الدول الشقيقة، على رأسها تركيا، لتبتعد عن فلك روسيا وضغوطها، وتحمي سيادتها ووحدة أراضيها.

 

twitter.com/ismail_yasa