بورتريه

فولكر.. تهديد سوداني بطرده لكنه يرفض الرحيل (بورتريه)

سيبقى فولكر في مكانه وستواصل جميع القوى في السودان مهاجمته والمناداة برحيله- عربي21

تتصاعد الدعوات في السودان إلى طرده، ويتهمه سودانيون كثر بأنه يفتقد لأبسط قواعد الدبلوماسية، يعمل على تكريس تبعية السودان للدول الغربية العظمى عبر تأسيس الهيكل الإداري الحكومي لهذا الغرض. 

ويقول صحافيون سودانيون بأنه يجهل بشكل تام الواقع السوداني وتضاريسه السياسية. 

ورغم ترحيب العسكر به بداية إلا أن المعارضة، التي لا تزال في الشارع تقود المظاهرات، ترى أن الحل لا يكمن في الحوار وإنما في "إسقاط سلطة المجلس العسكري وانتزاع سلطة الشعب المدنية الكاملة". 

درس فولكر بيرتس، المولود في دويسبورغ بألمانيا عام 1958، العلوم السياسية في جامعة دويسبورغ، قام بعدها بالعديد من الأبحاث في العاصمة السورية دمشق في عام 1986، ثم أكمل دراسته فحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة دويسبورغ عام 1990، وهو يتحدث الألمانية والإنجليزية والعربية. 

عمل مساعدا في الجامعة الأمريكية، وقام بالتدريس في جامعة دويسبورغ، وفي جامعة برلين، وفي عدة مؤسسات سياسية ألمانية من بينها مجلس النواب الألماني (البوندستاغ). 

وفي الفترة ما بين عامي 2015 و2018، شغل منصب الأمين العام المساعد، ثم المستشار الأول للمبعوث الخاص للأمين العام لسوريا، وكذلك منصب رئيس فرقة العمل المعنية بوقف إطلاق النار التابعة لمجموعة دعم سوريا الدولية نيابة عن الأمم المتحدة. 

وقبل تعيينه مبعوثا أمميا في السودان كان يشغل منصب كبير المستشارين بمعهد الدراسات الدولية ببرلين. 

وأنشئت البعثة الأممية أصلا وفقا لقرار مجلس الأمن بعد طلب من رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك، للمساعدة في الانتقال السياسي نحو الحكم الديمقراطي. 

وبداية العام الماضي عين فولكر ممثلا خاصا للسودان ورئيسا للبعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس" (UNITAMS). 

وقبل يومين استدعت وزارة الخارجية السودانية، فولكر احتجاجا على تصريحاته بشأن تظاهرات 30 حزيران/يونيو الماضي. ودعا بيرتس، السلطات السودانية "لضمان التزامها بحماية الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير"، قائلا إنه "لن يتم التسامح مع العنف ضد المتظاهرين". 

الخارجية السودانية اعتبرت هذه "التصريحات غير مقبولة وفيها وصاية ومساس بالسيادة الوطنية". 

وقبلها، وجدت بعثة الأمم المتحدة في السودان نفسها تحت حصار مئات الأصوات الغاضبة المطالبة بإنهاء تفويضها ومغادرة البلاد. 

وفي آخر إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي أيار/مايو الماضي، حذر بيرتس من عواقب غياب التوصل إلى حل للمأزق الحالي في السودان، مشيرا إلى أن تلك العواقب ستتجاوز حدود البلاد وستستمر على مدى جيل كامل. 

وفيما يؤكد في تقريره الرسمي بأن حل الأزمة متروك للسودانيين فهو يراقب "المزيد من التآكل في قدرة الدولة، الهشة أصلا". بحسب بيانه. 

ومنذ البدايات شكك سودانيون ومراقبون لمنطقة الشرق الأوسط بقدرات فولكر بعد تجربته في سوريا وما لازمها من إخفاق. 

ويذهب أعضاء في المعارضة السودانية بعيدا في التلميح إلى أن فولكر "يعمل على فتح أبواب الحرب الأهلية في السودان على غرار تجربته في سوريا التي كان نتاجها آلاف الضحايا والدمار الهائل". بحسب تصريحات صحافية عدة. وبناء على التجربة السورية تطالب قوى سودانية برحيل فولكر خشية انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية. 

ويتهم فولكر الذي يعمل ضمن "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، بأنه أقرب إلى اليمين المتطرف في مسألة كيف تحكم الدول الفقيرة، كما أنه شارك ضمن بعثة سوريا في مساعدة نظام بشار الأسد لتصفية المعارضة الوطنية هناك. بحسب مواقع سودانية عديدة. 

رفض بقاء فولكر لم يصدر فقط من المعارضة فالمؤسسة العسكرية المسيطرة على مقاليد الحكم في السودان عبرت أكثر من مرة عن عدم رضاها عن تحركات بعثة الأمم المتحدة بعد الأزمة العميقة التي خلفتها إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021. 

السلطات الحاكمة تلقت نصائح من قانونيين لمطالبة مجلس الأمن بإلغاء مهمة البعثة استنادا إلى عدم شرعية الطلب الذي تقدم به رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والذي تم بموجبه تشكيل البعثة. 

الحملات والدعوات بالطرد، وصلت إلى قمتها بعد بيان أدلى به فولكر بيرتس، أمام مجلس الأمن الدولي حول الوضع في السودان في 28 آذار/ مارس الماضي، أشعلت غضب البرهان لدرجة تهديده بالطرد. 

وتناول بيان بيرتس ما يجري في البلاد بالتفصيل، بما في ذلك عمليات الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء، وتوصيف ما حدث في 25 تشرين الأول/ أكتوبر بأنه انقلاب، وهي ضمن أمور أخرى أغضبت البرهان. 

المطالبة بطرد فولكر لا تقال بصمت وبالخفاء وإنما بشكل علني، يقابلها فولكر بالتجاهل وبعدم الاكتراث، مؤكدا أن اتهامات عديدة تلاحقه بالميل لطرف دون الآخر. ويقول في تصريحات صحفية: "بعضهم قال إننا أقرب للحرية والتغيير خلال فترة حكم عبد الله حمدوك، والبعض قالوا إننا أقرب للعسكر لأننا كنا نجتمع معهم، في حين يقول آخرون إننا نفرض عليهم الحوار، وهذه كلها آراء نحترمها". 

وردا على الدعوات لطردها، قالت البعثة الأممية في بيان صحفي إنها موجودة في السودان بطلب من حكومته وتحمل تفويضا من مجلس الأمن الدولي، ولم يخف فولكر قناعته بأن أنصار النظام السابق وموالين لهم وراء المطالبات بطرده. 

وبشأن الانتقادات الموجهة له والمطالبات بإبعاده، قال: "بعضها اتهمني بأني أساعد الانقلابيين، لكننا نتفاوض مع كل من له تأثير على الأحداث من كل الأطراف، ويهمنا الوصول لحلول مستدامة". 

فولكر يقول إن الأزمة السياسية لا تقتصر على الصراع بين المدنيين والعسكريين، بل هناك صراعات بين كل مكونات الفاعلين، موضحا: "هناك أزمة بين العسكريين، والعسكريين والمدنيين، ولو لم تكن هناك أزمة بين العسكريين، لما كانت هناك أزمة بينهم والمدنيين، هناك اختلافات داخل المكون العسكري، واختلافات كثيرة بين الأطراف المدنية المتعددة، وحتى أن هناك صراعات بين مجموعة سلام جوبا، لو كان مجرد صراع بين المكون العسكري والمدنيين لكان الحل أسهل، المسألة أكثر تعقيدا". بحسب فولكر. 

تعيين بيرتس رئيسا للبعثة، كان في الأصل، خيارا وسطا، بعد احتدام الصراع في أروقة مجلس الأمن، وبين المكونين المدني والعسكري، على تعيين مرشحين آخرين. كان المكون العسكري، رشح الجنوب أفريقي نيكولاس هايسوم، ورفضه المدنيون. بالمقابل، رفض المكون العسكري وكل من الصين وروسيا المرشح الفرنسي الدبلوماسي جان كريستوف بليار، حيث جاء التوافق على الألماني فولكر بيرتس، لإنهاء الخلافات بين أعضاء مجلس الأمن، وحسم تباين الرؤى بين المكونَين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية السودانية. 

لكن طرد فولكر يتطلب قرارا جديدا من مجلس الأمن وحتى لا يتم اللجوء إلى ذلك بوصفه مستحيلا في ظل الانقسام الدولي حاليا بسبب الحرب في أوكرانيا، يرى دبلوماسيون وقانونيون أن الحل قد يكون باعتبار فولكر شخصا غير مرغوب فيه ويطلب منه مغادرة البلاد، ليكون أمام المجتمع الدولي تسمية بديل. لكنهم في نفس الوقت يستبعدون اللجوء لهذه الخطوة لأن السلطة الحاكمة غير راغبة في الدخول في صدام مباشر على هذا النحو مع الأمم المتحدة. 

لذلك سيبقى فولكر في مكانه وستواصل جميع القوى في السودان مهاجمته والمناداة برحيله، لكن لا يبدو وكان يسأل الرحيل.