قضايا وآراء

لا حواضن سياسية واقتصادية لانتفاضة ثالثة

1300x600
تتسارع العمليات ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، مع عدم تبنيها من قبل بعض الفصائل الفلسطينية التي تصدر بيانات عن استعدادها لعقد المصالحة الفلسطينية والتي امتدت جلساتها بين القاهرة ومكة وغزة وأخيراً وليس آخراً في الجزائر؛ لكن دون جدوى، لتكون الأجندة الفصائلية الضيقة سيدة الموقف على حساب دم ومعاناة الشعب الفلسطيني المكلوم في كافة أماكن تواجده.

المقدمات والمعوقات

ثمة عوامل أساسية لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة؛ لا تقتصر بطبيعة الحال على ما يجري في مدينة القدس من محاولات متسارعة لفرض الأمر الواقع التهويدي، أو قضية الأسرى على أهميتها البالغة، بل تتعدى تلك الملفات إلى كل ما يتصل بسياسات الاحتلال، بدءاً من الاستيطان الذي جعل حياة كل فلسطيني في الضفة مستحيلة، وكذلك في القدس والداخل الفلسطيني.

ومن العوامل التي قد تؤسس لانتفاضة ثالثة، الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الفلسطينيون كنتيجة الإجراءات الاحتلال العدوانية العنصرية الفاشية، ومن بينها الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تمارس عليهم، مثل حجز الإيرادات الفلسطينية المستحقة لدى إسرائيل؛ عقابا على خطوات فلسطينية باتجاه التحرر من أسر الشروط الأمريكية الإسرائيلية التي تريد حشر الجانب الفلسطيني في حلبة مفاوضات بشروط تؤدي إلى تقزيم الحقوق الوطنية الفلسطينية إن لم يكن شطبها نهائياً، بعد مفاوضات بائسة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود لم تفض إلى أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني.
ثمة عوامل أساسية لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة؛ لا تقتصر بطبيعة الحال على ما يجري في مدينة القدس من محاولات متسارعة لفرض الأمر الواقع التهويدي، أو قضية الأسرى على أهميتها البالغة، بل تتعدى تلك الملفات إلى كل ما يتصل بسياسات الاحتلال

لكن في مقابل العوامل التي تؤسس لانتفاضة فلسطينية ثالثة، هناك شكوك حقيقية في وجود حواضن شعبية واقتصادية كمرتكزات أساسية للانتفاضة واستمرارها بغية تحقيق أهداف وطنية فلسطينية معينة.

في الجانب الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر، يؤكد محللون اقتصاديون أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية خلال العقود الماضية من الاحتلال، أدت إلى سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على عناصر الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني. وتبعاً لذلك سيطرت إسرائيل على أهم مفاتيح هذا الاقتصاد ومقدراته والمتمثلة أساساً في حركة العمال والتجارة الخارجية، فضلاً عن المصادر المائية المتاحة، وأبقت اتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقيات اقتصادية السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني، الأمر الذي أوقع السلطة الفلسطينية التي قامت في ربيع 1994 في شرك المساعدات الدولية المشروطة، ما جعل أداءها واستمرارها مرهونين بتلك المساعدات التي لم يتحسسها المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع بشكل مباشر، هذا جنباً الى جنب مع استمرار الانقسام الفلسطيني الحاد والمتمثل بوجود إدارتين؛ الأولى في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة.

الارتقاء بمنظمة التحرير

أدى التعنت الإسرائيلي خلال مفاوضات مديدة مع منظمة التحرير الفلسطينية وبدعم من الإدارات الأمريكية، إلى عدم حصول الفلسطينيين على أي حق من حقوقهم الوطنية، وتُوج ذلك بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية عام 2018 واستمرار إدارة بايدن كما سابقاتها بالانحياز للتوجهات الاسرائيلية الرامية إلى تهويد الزمان والمكان الفلسطينيين.
في مقابل العوامل التي تؤسس لانتفاضة فلسطينية ثالثة، هناك شكوك حقيقية في وجود حواضن شعبية واقتصادية كمرتكزات أساسية للانتفاضة واستمرارها بغية تحقيق أهداف وطنية فلسطينية معينة

ورغم مرور 28 عاماً على إنشاء السلطة الفلسطينية، لا تزال مرتهنة بشكل مطلق لأموال المانحين وشروطهم المجحفة، وتالياً عدم استفادة المواطن الفلسطيني الذي لم يتحسسها أصلاً. وكمتابع فإن العمليات ضد جيش الاحتلال منذ عدة شهور؛ لن تتحول إلى انتفاضة حقيقية ومستمرة تحقق أهدافا معينة، مع استمرار الانقسام الفلسطيني، وفي وقت تغيب فيه أجندة وسبل كفاحية مدروسة وجماعية وحواضن سياسية. فالوحدة الوطنية غائبة وخاصة في الميدان؛ ولهذا لا يمكن الحديث عن انتفاضة واستثمار نتائجها سياسيا، وكذلك إمكانية الحد من سياسات إسرائيل التعسفية.

ودون ذلك تصبح الانتفاضة مجرد مادة إعلامية خصبة للتحليلات السياسية والاستراتيجية وأخبار الفضائيات ومراسليها. وفي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني وتواتر العمليات ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي، تتطلب الضرورة تجديد وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان الغائب الأكبر بعد اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلوا).

فدور المنظمة المطلوب هو تمثيل كل الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني 48، وفي المهاجر القريبة والبعيدة، والدفاع عن حقوقه في القدس ويافا، وكذلك حق العودة لأكثر من ستة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني إلى وطنهم فلسطين، والمطالبة بتفكيك المستوطنات كمعالم احتلالية إجلائية تهويدية وليس تجميدها كما يشاع، فضلاً عن تكثيف الجهود لإطلاق سراح (4500) أسير وأسيرة فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، ومن بينهم شيوخ وأطفال، وتالياً العمل بشكل مدروس لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وجرهم إلى العدالة الدولية لنيل عقابهم, وثمة إمكانية لذلك بعد نيل فلسطين العضوية في عدد كبير من المنظمات الدولية، ومن بينها المحكمة الجنائية الدولية.