قضايا وآراء

الرحلة.. تجربتي مع الإسلام

تأثر الكاتب بالأذان منذ صغره- جيتي
شغف مبكر

على الرغم من ولادتي ونشأتي في أسرة مسيحية أرثوذكسية (قبطية) تقليدية، في صعيد مصر، ولكني أتذكر جيداً أنه منذ صغري، وخلال مراحل مبكرة جداً من حياتي، كان لدي شغف غير مفهوم، وغير معروف بالنسبة لطفل في سني، حول الإسلام، ماهيته ومضمونه، وفيمَ يختلف الإسلام عن المسيحية التي ندين بها.. وعند سماعي للأذان، كنت دائماً أتساءل عن معاني كلماته التي يرددها المؤذن (الشيخ)، سواء في الأذان الذي كنت أشاهده في التلفاز، أو ذلك الذي كان يصل إليّ من ميكرفون المسجد المجاور. وكانت الأسئلة التي تدور في ذهني على شاكلة: لماذا يصلي المسلمون بهذه الطريقة؟ ولماذا يردد المؤذن هذه الكلمات تحديداً في نداء الصلاة (الأذان)؟ وما رمزية الحركات الجسدية (الركوع والسجود) وعلاقتها بصلاتهم؟

وبمرور الأيام، بدأت أفهم أكثر حول الإسلام، ووجدت إجابات لكل تلك الأسئلة البسيطة التي كانت تدور في ذهني وأنا صغير. ولا أحتاج هنا أن أتحدث عن "العلاقات الطيبة" التي تربط الكثير من المسلمين بالأقباط في مصر، وكيف كان لدي صداقات وعلاقات مع كثير من المسلمين بحكم الدراسة والجيران، فكانت تربطني علاقات طيبة بالمسلمين، وكان لي كثير من الأصدقاء منهم، ولم يكن الاختلاف في الدين يمثل أي مشكلة في صداقتنا.

كل ذلك أتاح لي الاقتراب أكثر من التفاصيل الثقافية والاجتماعية بل والدينية المختلفة عن الإسلام والمسلمين، حيث وجدت أن الأقباط يتشاركون الكثير من تلك العادات الاجتماعية/ الثقافية مع المسلمين. وأرى في ذلك أمرا طبيعيا

كل ذلك أتاح لي الاقتراب أكثر من التفاصيل الثقافية والاجتماعية بل والدينية المختلفة عن الإسلام والمسلمين، حيث وجدت أن الأقباط يتشاركون الكثير من تلك العادات الاجتماعية/ الثقافية مع المسلمين. وأرى في ذلك أمرا طبيعيا، لأن المجتمع المصري بوصف الغالبية فيه مسلمين، هو مجتمع مسلم وذو ثقافة مسلمة. وفي الصعيد تحديداً، يتشارك المسلمون والأقباط الكثير من العادات/ السلوكيات الاجتماعية النابعة من الإسلام، بوصفها صفات وعادات/ سلوكيات مجتمعية لا تخص أتباع دين معين. وهذا يوضح التأثير والبعد الأخلاقي والثقافي والاجتماعي، للإسلام على غير المسلمين، ويبرز أهمية دور الإسلام، كمحفّز ومحرك وحافظ للأخلاق، بين البشر علي مختلف أديانهم.

محاولة فاشلة للنقد

أتذكر وأنا في المرحلة الجامعية، كان جهاز الاستقبال عن طريق الأقمار الصناعية (الدش)، قد بدأ في الانتشار في مصر، وأصبح في المتناول، بعد أن كان مقصورا على عدد قليل من الناس نتيجة لارتفاع تكلفة شرائه، ومع انتشار هذا الاختراع، بدأ زكريا بطرس من خلال قناة الحياة، يعرف طريقه لبيوت الأقباط، الذين كان الغالبية منهم يرى فيما يقدم بطرس عملا بطوليا، يمثل نوعا من الانتقام من المسلمين بصفتهم الغزاة المحتلين، أكثر منه انتقام من الإسلام نفسه كدين.

والحقيقية، شاهدت الكثير من حلقاته، ولكن لم أكن أجد فيها شيئا يجذبني، لم أجد أكثر من شخص مهرج، يلوي الحقائق، في محاولة للانتقام من الإسلام، والتحقير من شأنه، وكأنه ثأر شخصي. ولكن كما أسلفت كان بطرس بفضل النبرة الانتقامية، صار يتمتع بالكثير من الشعبية في أوساط الحاقدين من الأقباط.

وانتهت تلك المرحلة دون أن ينجح بطرس، من خلال خطاب الكراهية الذي كان يقدمه عن الإسلام، في تغيير موقفي وعلاقاتي مع الكثير من الأصدقاء المسلمين، الذي كان بعضهم يحتل مكانة الإخوة.

الربيع العربي والتطبيع
مثّل الربيع العربي لحظة مربكة بالنسبة لي ولملايين الشباب، الذين كانوا يحلمون بالتغيير، ولكن يفتقدون الخبرة في إدارة معارك سياسية، وانتهى الأمر بالتلاعب بالشعوب/ الشباب وآمالهم. ونشأت خلال تلك الفترة حالة غريبة من حالات الصراع، تم من خلالها تشويه الإسلام (وما زال هذا العمل مستمرا)، وربطه بالتطرف والإرهاب

وتمضي الأيام سريعاً، حتى وصلنا إلى لحظة تاريخية هي الأهم في تاريخ مصر والعالم العربي، وهي "الربيع العربي"، لحظة ثارت فيها الشعوب على الظلم والطغيان، في رسالة أرادت أن تقول الشعوب من خلالها بأنها لم تمت بعد، على الرغم مما مرت به من ظلم وتجبر تحت حكم الطغاة، وبأنها ما زالت على قيد الحياة.

مثّل الربيع العربي لحظة مربكة بالنسبة لي ولملايين الشباب، الذين كانوا يحلمون بالتغيير، ولكن يفتقدون الخبرة في إدارة معارك سياسية، وانتهى الأمر بالتلاعب بالشعوب/ الشباب وآمالهم. ونشأت خلال تلك الفترة حالة غريبة من حالات الصراع، تم من خلالها تشويه الإسلام (وما زال هذا العمل مستمرا)، وربطه بالتطرف والإرهاب، بطريقة أكثر بكثير مما وقع بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وتم العمل على استهداف الأقليات الدينية في دول الربيع العربي، مراراً وتكراراً، في حالة متعمدة لصناعة الهلع والفوضى والدفع بالأقليات الدينية للدخول في مواجهة مع الإسلام، من خلال دفعها لمهاجمة ما يسمى بـ"الإسلاميين" (لنا حديث مطول بإذن الله حول تلك المصطلحات ومدلولاتها قريباً).

وعلى الرغم من علاقاتي الطيبة بكثير من الأصدقاء المسلمين، إلا أني مررت بحالة من التشوش، دفعتني للتخوف، وترك مصر خلال تلك الفترة، لأبدأ رحلة جديدة في بلد جديد، وجدت الدراسة فيه هي الطريق والسبيل الوحيد للنجاح، فبدأت دراسة الماجستير ثم تابعت دراسة الدكتوراه، والتي كانت عن موضوع "الإسلام والإسلام السياسي: العلاقة والمفاهيم، حالة الإخوان المسلمين بعد الربيع في أوروبا".

وفي تلك الأثناء كنت قد سقطت في فخ التطبيع مع الكيان الصهيوني، من خلال بوابة العمل البحثي والأكاديمي. ولا أريد هنا التركيز علي التفاصيل، قدر ما أود التركيز عل النتائج فيما يخص هذا التطبيع، وانعكاسه على دراستي وبحثي حول الإسلام، بفعل انتشار الخوف من الإسلام في الغرب (الإسلاموفوبيا)، نتيجة ما كانت يقوم به داعش -الذي تممت تسميته عن عمد بالدولة الإسلامية- الأمر الذي تلقفه المغرضون لدفعي في اتجاه انتقاد الإسلام من خلال انتقاد ما يسمى بالإسلام السياسي، في محاولة لتوظيفي كوني من أكبر الأقليات الدينية في الشرق الأوسط، التي تعرضت لأعمال عنف تنسب لمنتسبي ذلك التيار، خلال فترة الربيع العربي وبعدها. وبالفعل تعرضت في أطروحتي، ومقالاتي للإسلام، بكثير من المفاهيم الخاطئة، التي تراجعت عنها بعد ما تكشفّت لي الكثير من الحقائق بعد سنوات.

العبور للحق
بدأت في الرجوع إلى نفسي، ومن خلال ما تكشّف لي، وخبراتي وتجاربي السابقة مع الإسلام الذي عرفته وكنت شغوفا بالمعرفة عنه؛ منذ أن كنت صبيا صغيرا، وقراءة المشهد بعين الباحث المجردة من التأثيرات الأيديولوجية، بدأت في الوصول إلى كثير من الحقائق، التي تمت ترجمتها في التوقف الفوري عن كثير من الأمور، على رأسها الخروج من خطيئة التطبيع مع الكيان الصهيوني

بعد رحلة طويلة، خضت خلالها كثيرا من التجارب وتكشفت لي خلالها الكثير من الحقائق، حول ما يدار خلف الكواليس من مؤامرات ودسائس، لتخريب وتشويه صورة الإسلام والمسلمين (خصوصاً في الغرب)، والعمل على تفكيك الإسلام كدين، وتفريغه من مضمونه وتحويله إلي نظام اجتماعي لا يمت للإسلام بصلة، على غرار ما حدث مع المسيحية في أوروبا باستخدام العلمانية.

بدأت في الرجوع إلى نفسي، ومن خلال ما تكشّف لي، وخبراتي وتجاربي السابقة مع الإسلام الذي عرفته وكنت شغوفا بالمعرفة عنه؛ منذ أن كنت صبيا صغيرا، وقراءة المشهد بعين الباحث المجردة من التأثيرات الأيديولوجية، بدأت في الوصول إلى كثير من الحقائق، التي تمت ترجمتها في التوقف الفوري عن كثير من الأمور، على رأسها الخروج من خطيئة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتقديم الاعتذار عن تلك الخطيئة (يرجي قراءة المقال المرفق في الرابط لمزيد من التوضيح)، لأني أدركت من واقع خبرتي المتواضعة، ومن واقع معيشتي في مختلف دول الغرب عبر ضفتي الأطلنطي، أن خطورة تفكيك الإسلام أمر لن تنعكس آثاره المدمرة فقط على المسلمين، بل على البشرية جمعاء، لأني وجدت من خلال المراجعات التي قمت بها، أن "الإسلام وما يتضمنه من قيم أخلاقية" هو الحائط المنيع، وخط الصمود الأخير، أمام الانهيار الأخلاقي الكبير الذي يتربص بالبشرية.

أدركتُ بعد سنوات طويلة من الاقتراب والابتعاد، أن الشغف الذي كان لديّ منذ صغري عن الإسلام لم يكن محض صدفة، ولم يكن أمرا عبثيا، بل كان صوت الضمير الذي يلازمني، ليرشدني لتلك اللحظة الفارقة

وأدركتُ بعد سنوات طويلة من الاقتراب والابتعاد، أن الشغف الذي كان لديّ منذ صغري عن الإسلام لم يكن محض صدفة، ولم يكن أمرا عبثيا، بل كان صوت الضمير الذي يلازمني، ليرشدني لتلك اللحظة الفارقة، تلك اللحظة التي سأعبر فيها إلى الحق. لا تكفي السطور المتبقية من ذلك المقال، لذكر الكثير والكثير من التفاصيل، التي تحتاج إلى أكثر من مقال، أو مجموعة مقالات، ربما تحتاج إلى كتاب.

ولكن قبل أن أختم أود أن أقول، بعد رحلة طويلة من الشغف والقرب، ثم التحول إلى المهاجمة والنقد، ثم العودة والبحث، "قد منّ الله علي بنعمة الدخول في الإسلام، وأسأل الله عز وجل أن يوفقني في ما تبقى من حياتي، لخدمة الإسلام والمسلمين، بما أكرمني به سبحانه وتعالى من علم ومعرفة".

وخير ما أختتم به هذا المقال، هو كلام الله عز وجل في القران الكريم: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".

twitter.com/Ramy_Aziz1