ملفات وتقارير

مقاربة أمريكية جديدة للأزمة الليبية.. ما دوافعها؟

مدير المخابرات الأمريكية زار مؤخرا ليبيا والتقى عددا من المسؤولين أبرزهم الدبيبة وحفتر- حكومة الوحدة
أجمع محللون وسياسيون ليبيون على أن الولايات المتحدة الأمريكية، تبنت مقاربة جديدة للتدخل في الأزمة الراهنة في البلاد، بعد أن اتبعت واشنطن سياسة "عدم التدخل" المباشر فيما يجري، باعتبار أن ليبيا لم تكن في السابق ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.

وقبل أيام زار مدير وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) وليام بيرنز ليبيا والتقى عددا من أطراف الصراع في الشرق والغرب، في زيارة هي الأولى من نوعها لشخصية أمنية رفيعة منذ سنوات، حملت في طياتها العديد من الرسائل التي تشي بدور جديد ستلعبه واشنطن في ليبيا.

زيارة بيرنز


وفي قراءته للتحركات الأمريكية الجديدة في ليبيا، قال الكاتب والمحلل السياسي، السنوسي بسيكري لـ"عربي21"، إن زيارة بيرنز، لطرابلس وبنغازي تشي بتغير في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا، مشيرا إلى أن بيرنز شخصية لها وزنها في الوسط السياسي والدبلوماسي الأمريكي، وزار ليبيا بوزنه السياسي وخبرته كرجل دولة ولكن ليس بصفته دبلوماسيا، بل كونه مدير الـ CIA، وهذا يرجح القول بأن واشنطن سلمت الملف الليبي للمخابرات.

 وما يعزز هذا المذهب- بحسب الكاتب- تناول بيرنز في لقائه مع حكومة الوحدة الوطنية مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تهم الإدارة الأمريكية، ولم يقتصر حديثه على مسائل في صلب العمل الأمني والمخابراتي.

وشدد بسيكرى على أن أسباب هذا التحول المحتمل جدا في مقاربة واشنطن للملف الليبي عديدة منها أن تكليف مسؤولين في البيت الأبيض أو الخارجية يعني اعترافا كاملا بشرعية رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر، وهذا ما لا ترغبه الإدارة الأمريكية بإطلاق، وعندما يكون المسؤول أمنيا فهذا لا يعني اعترافا كليا، وهو سلوك معروف في العلاقات الدولية.

وأضف إلى ما سبق، فإن الكاتب والمحلل السياسي الليبي، يرى أن التدخلات الخارجية أخذت منعطفا حادا انتهى بوجود عسكري ومخابراتي لأطراف إقليمية ودولية بعضها يهدد المصالح الأمريكية كالوجود الروسي في ليبيا تحت غطاء قوات الفاغنر، والذي كان السبب الرئيسي في زيادة الولايات المتحدة اهتمامها بليبيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والقوات التركية، والتي وإن حقق تدخلها توازنا ترغبه واشنطن، إلا أن تعاظم النفوذ التركي العسكري في الغرب الليبي يقلق الولايات المتحدة بلا ريب.

"تنسيق مع أصحاب النفوذ"


ورأى الكاتب الليبي، أن اختيار عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر ليكونا نظيرا لبيرنز في المحادثات له دلالته المهمة، فقد يكون ذلك تعبيرا عن تحفظ أمريكي على السلطات الأخرى، خاصة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ذلك أن حالة السخط الدولي تجاهها إلى تصاعد، وعبر عن ذلك سفراء الدول الغربية صراحة في بياناتهم الأخيرة، ولم يتردد مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن مؤخرا باتهام المسؤولين في هذه الأجسام بتكييف المسار السياسي والأساس الدستوري لصالح أشخاص بعينهم.

إلا أن الأهم في تقديم الدبيبة وحفتر، وفق بسيكري،  هو الاعتقاد بأنهم أصحاب النفوذ في مناطقهم، في الغرب والشرق، وأن طبيعة المرحلة بالنسبة لواشنطن ووكليها مدير الـ CIA طبيعة عملية تتطلب قرارات تنفيذية لا يتمتع بها رؤساء مجالس النواب والأعلى للدولة والرئاسي.

ورجح بسيكري أن يكون بيرنز قد تناول عدة ملفات تقع في أولويات الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الأزمة الليبية، والتي يمكن أن تكون:

ـ الوجود الأجنبي، الروسي أولا، والتركي ثانيا.
ـ المجموعات المتشددة.
ـ المصالح الاقتصادية التي تمثلها الشركات الأمريكية العاملة في مجال النفط.
ـ ضبط وتيرة التحول في البلاد بما لا يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

دعم المجلس الرئاسي

من جهته، رجح الكاتب والباحث الليبي، عبد الرزاق العرادي أن تلعب الولايات المتحدة جديدا في الأزمة الليبية، عبر دعم المجلس الرئاسي وتمكينه من طرح خطة بديلة تتخطى الأطراف التي تعطل التوصل إلى حل للأزمة.

وفي مقابلة لـ"عربي21"، قال العرادي، إن المجلس الرئاسي قد يصبح اللاعب الأول في ليبيا، إذا صح دعم الولايات المتحدة الأمريكية التي تضغط بشكل كبير على الأطراف الليبية والإقليمية، من أجل قيام المجلس الرئاسي بإجراءات وتغييرات سياسية كبيرة في البلاد لتحقيق أولوياتها في المنطقة.

وفي شرحه للأولويات الأمريكية في ليبيا قال، إن الحرب الروسية الأوكرانية قد تطول وتتحول إلى حرب استنزاف، وهي تمثل فرصة للغرب لتقليم أظافر روسيا المتمثلة في تمدد قوات الفاغنر في الجنوب الليبي ودول الجوار. كما أن الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين لإضعاف الاقتصاد الروسي يتطلب استدامة ضخ النفط من الدول المنتجة، وعلى رأسها ليبيا، بل هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لإنتاج المزيد من النفط والغاز الليبي. هذه أولويات مهمة لإطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية. 

وشدد على أن أمريكا تحتاج إلى واقع سياسي جديد في ليبيا يسمح بتواجدها في الجنوب الليبي، لتحقيق هذه الأولويات، وفي الوقت ذاته تقوية مساعي الحرب على الإرهاب، الذي قد يستخدم الفراغ  الأمني في الجنوب الليبي ودول الجوار لتشكيل تهديد على مصالح أمريكا. 

وبناء على ذلك، قال العرادي: "ربما نرى قريبا إعادة هيكلة الجيش بقرار من المجلس الرئاسي القائد الأعلى للجيش الليبي، ويكون هناك مجلس عسكري ورئاسة أركان موحدة وربما مناطق عسكرية تتبع للمجلس الرئاسي مباشرة".

وفي تعليق له، قال عضو مجلس الدولة، أحمد لنقي، إن الملف الليبي أصبح ضمن اهتمامات أمريكا، بدليل زيارة مدير المخابرات الأمريكية إلى طرابلس وبنغازي.

وشدد لنقي في تصريحات لموقع محلي، على أن الأمريكيين حذروا من المساس بقطاع النفط وطالبوا بإجراء الانتخابات في أقرب وقت، كما حثوا على ضرورة العمل على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد. وأكد على أن حرب روسيا على أوكرانيا دفعت الولايات المتحدة إلى منع الرّوس من أيّ استفادة بتواجدها في ليبيا، لافتا إلى أن "ما يمر به العالم من مختنقات اقتصادية وحروب جعل بعض القوى الدولية والإقليمية تتجه للاهتمام بليبيا والمساهمة الجادّة في إنهاء الانسداد السياسي الحالي".