ملفات وتقارير

ما مصير ائتلاف "إدارة الدولة" بعد إيقاف رواتب كردستان العراق؟

أوقفت المحكمة الرواتب بسبب عدم تسليم الإقليم عوائد النفط لبغداد - جيتي
في خطوة اعتبرها الأكراد "عدوانية" ضد إقليم كردستان العراق، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكما يلغي قرارا سابقا للحكومة العراقية بإرسال مبالغ مالية شهرية، تدفع كرواتب للموظفين الحكوميين في الإقليم.

ووجه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، الأربعاء الماضي، انتقادا لاذعا للمحكمة الاتحادية العليا، ووصف قرارها بـ"العدواني"، مؤكدا أن مشاركة الأكراد في ائتلاف إدارة الدولة- الذي تبنى تشكيل الحكومة-، كان على أساس برنامج واضح ومفصل، ووافقت عليه جميع القوى السياسية.

وأوضح البارزاني أن تأمين جزء من المستحقات المالية لإقليم كردستان، كان ضمن هذا البرنامج وجرى الاتفاق عليه، لافتا إلى أن "قرار المحكمة الاتحادية قبل أن يكون ضد إقليم كردستان، فإنه ضد العملية السياسية والحكومة العراقية، وضد برنامج ائتلاف إدارة الدولة".

التفاف محتمل

وبخصوص تداعيات قرار المحكمة الاتحادية على المشهد في العراق، قال السياسي العراقي المعارض، أحمد الأبيض، لـ"عربي21"؛ إن هذه ليست المرة الأولى تتعرض هذه التحالفات الهشة إلى الانقلابات، وخصوصا مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.

وأوضح الأبيض أنه في عام 2010 كان هناك اتفاق أطلق عليه (اتفاق أربيل)، وكان تحت إشراف السفارة الأمريكية لدى العراق والأمم المتحدة، وبعده تفكك عندما حصل نوري المالكي على الولاية الثانية.



ولفت إلى أنه كان لدى الإطار التنسيقي "هم بتفكيك التحالف الذي أنشئ بين البارزاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومحمد الحلبوسي، زعيم حزب تقدم، ونجحوا بالفعل في تفكيكه، لأخطاء ارتكبها الصدر بالانسحاب المستعجل، وعدم وثوق تحالفه مع هاتين الجهتين".

وبيّن الأبيض أن "إدارة الدولة" ليس له وجود كتحالف استراتيجي، وإنما تشكل لتقاسم كعكة تشكيل الحكومة، وللتخلص من التحالف الذي يقوده الصدر، وكذلك التخلص من الغضب الشعبي الذي بدأ يتصاعد في حينها، والثالث هو الضغط الأمريكي المتعلق بإيقاف تهريب العملة الصعبة لإيران.

ورأى السياسي العراقي المعارض أن مستقبل تحالف "إدارة الدولة" مرتبط ببقاء الحكومة الحالية التي يقودها محمد شياع السوداني، والتي يبدو أنها ليست طويلة الأمد؛ لأن هناك مشاكل حتى داخل الإطار التنسيقي.

وأشار إلى أن "مناشدة البارزاني لقوى الإطار ربما تتعلق بقضية واحدة، هي أن قرار المحكمة الاتحادية يمكن نسفه من خلال إقرار الموازنة المالية لعام 2023، وتثبيت صحة إقليم كردستان التي تشكل 17 بالمئة من الموازنة".

وأردف: "لذلك هي أيضا ورقة ضغط يمتلكها البارزاني، رغم أن الإطاريين لديهم أغلبية باستطاعتهم تمرير الوازنة، لكن إذا حصل هذا فإن الأكراد سيكون لهم موقف صعب من بقائهم في الحكومة والبرلمان".

وأكد الأبيض أن "الانقلاب دائما موجود، فبعد تقاسم كعكة المناصب الحكومة، يجري الانقلاب على باقي الاتفاقات، وأن قرار المحكمة الاتحادية بالإمكان الالتفاف عليه من خلال الموازنة المالية وإعطاء الأكراد حصتهم".



وبحسب السياسي العراقي، فإن الأكراد الآن لديهم أزمات بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي، الاتحاد الوطني)، إلى جانب أنهم يريدون تدويل قضيتهم؛ "لأن لديهم مشروعا للانفصال، ومن ثم يستثمرون مثل هذه الأزمات مع الحكومة المركزية في بغداد".

وخلص الأبيض إلى أن "فكرة القضاء مستقل في العراق صعب فهمها؛ لأن هناك ضغوطا تمارس على كل مؤسسات المنظومة العراقية، وأن الإطار التنسيقي يحاول تصدير الأزمة باتجاهات أخرى، لهذا ربما يكون الاتحاد الوطني الكردستاني وراء قرار المحكمة؛ لأنهم يشكون من علاقتهم مع البارزاني، وأن الإطار والاتحاد تحت المظلة الإيرانية".

سيناريو التفكك

وفي المقابل، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، قصي العبيدي أن تفكك ائتلاف إدارة الدولة أمر وارد؛ لأن رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، كان قد صرّح نهاية العام الماضي، أن عام 2023 سيكون الاختبار الحقيقي لالتزام قوى الإطار التنسيقي بتعهداتها التي قطعتها قبل تشكيل الحكومة، بحسب تعبيره.

وعلى ضوء ذلك، يضيف العبيدي لـ"عربي21" بأن "القوى الكردية إذا انسحبت من تحالف إدارة الدولة، قد يلتحق بهم تحالف السيادة السني بزعامة خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي؛ لأن الإطاريين أيضا لم يفوا بتعهداتهم معهم".

وأوضح الباحث أن الإطار التنسيقي كان قبل تشكيل الحكومة يسعى إلى كسب تأييد القوى الكردية والسنية، لذلك قطع تعهدات بتنفيذ معظم مطالبهم، "لكن الكثير اليوم منها اليوم بحاجة إلى كسب الجوانب القانونية والدستورية، وبذلك نجح الإطار في التنصل منها بعد رميها في ملعب القضاء".



وأردف أنه "رغم أن المالكي يمثل أحد أقطاب الإطار التنسيقي، وساهم في التوقيع على الاتفاقيات بين قوى ائتلاف إدارة الدولة، لكنه يكرر في أكثر من تصريح له مؤخرا، أن حل هيئة اجتثاث البعث ليست من صلاحيات رئيس الوزراء، وذلك بعدما اتخذ السوداني قرارا بحلها تنفيذا لاتفاق مع تحالف السيادة السني".

وتشكل ائتلاف إدارة الدولة قبل تشكيل حكومة محمد شياع السوداني في 227 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد اتفاق بين "الإطار التنسيقي الشيعي، تحالف السيادة السني، تحالف عزم السني، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة بابليون المسيحية".

ولم يصدر أي تعليق من قوى الإطار التنسيقي على قرار المحكمة الاتحادية حتى وقت كتابة التقرير، رغم مطالبة البارزاني لهم بأن يكون لهم موقف إزاء ما وصفه بـ"الخرق و المحاربة التي يتم تنفيذها من المحكمة الاتحادية تجاه مصالح إقليم كردستان والعراق".

لكن رئيس تحالف "السيادة" السني خميس الخنجر، علق على قرار المحكمة الاتحادية بالقول: "بذلت القوى الوطنية جهودا كبيرة من أجل تحقيق الحد المعقول من الاستقرار في البلاد، ولا يمكن لأي مؤسسة في العراق أن تعرض هذا الاستقرار للتهديد من جديد".

وأضاف الخنجر في بيان صدر عن المكتب الإعلامي لتحالف السيادة، الأربعاء، أن "كردستان أهلنا، ولا يمكن المساس بأرزاقهم وثرواتهم بطريقة مخالفة للتفاهمات السياسية التي أُسست عليها الحكومة الحالية".

وكان رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي، قد قرر في شهر حزيران/ يونيو من العام 2021، صرف 200 مليار دينار كسلفة مخصصة لدفع رواتب موظفي كردستان العراق الشهرية. لكن قرار المحكمة الاتحادية أوقف ذلك، ما لم يسلم الإقليم إلى بغداد واردات 250 ألف برميل يصدره يوميا.