كتاب عربي 21

أسباب توقع خفض جديد للجنيه المصري

جيتي
رغم ثلاثة تخفيضات مؤثرة لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، خلال آذار/ مارس وكانون الثاني/ ديسمبر والشهر الماضيين، واستمرار الخفض التدريجي البطيء للسعر منذ آذار/ مارس وحتى نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، فقد توقع عدد من المحللين في مراكز أبحاث وبنوك دولية، حدوث خفض جديد مؤثر في سعر صرف الجنيه قبل نهاية الشهر المقبل.

والسبب الرئيس لذلك التوقع برأيهم أن سعر العملة المصرية لم يصل بعد إلى سعر التوازن، بدليل استمرار السوق السوداء التي يزيد سعرها عن السعر الرسمي، وعدم تنفيذ البنوك عمليات البيع للدولار للراغبين في شرائه بالسعر المُعلن للبيع، أو حتى بعد إضافة زيادة عليه تحت مُسمى علاوة تدبير عُملة.

وتتعدد الشواهد على استمرار أزمة نقص الدولار الموجودة منذ الشهور الأولى من العام الماضي، بعد الخروج المكثف للأموال الساخنة التي تمثل سندا للاحتياطيات من العملات الأجنبية، وتساعد في دفع أقساط الدين الخارجي في مواعيدها، وفي استيراد السلع الأساسية من قمح وذرة وفول صويا ووقود. ورغم تقديم دول الخليج مبالغ كبيرة لتعويض خروج الأموال الساخنة فقد ظلت مشكلة نقص الدولار موجودة، ولم تفلح عمليات خفض العُملة المتتالية في جذب الأموال الساخنة مرة أخرى بقدر مؤثر.

تتعدد الشواهد على استمرار أزمة نقص الدولار الموجودة منذ الشهور الأولى من العام الماضي، بعد الخروج المكثف للأموال الساخنة التي تمثل سندا للاحتياطيات من العملات الأجنبية، وتساعد في دفع أقساط الدين الخارجي في مواعيدها، وفي استيراد السلع الأساسية

كما اتجه جانب كبير من أموال تحويلات المصريين بالخارج إلى السوق السوداء للاستفادة بفارق السعر، بعيدا عن المصارف الرسمية، ورغم الاتفاق على قرض من صندوق النقد الدولي في منتصف كانون الأول/ ديسمبر ورفع سعر الفائدة أكثر من مرة، وتحقق قدر من مبيعات الشركات المصرية لصناديق وشركات خليجية، والحصول على قدر من القروض من عدد من الدول والمؤسسات الإقليمية.

استمرار البذخ الحكومي رغم الضائقة الدولارية

فقد استمرت أزمة نقص الدولار، نظرا لتعدد أوجه المطلوبات الدولارية، من دفع أقساط الدين الخارجي الكبيرة، وتدبير نفقات الإفراج عن البضائع المستوردة المكدسة بالموانئ، إلى جانب الواردات الجديدة وتغطية العجز الدولاري في الجهاز المصرفي وعودة رحلات العمرة، ومواجهة الطلب للاحتفاظ والمضاربة على الدولار توقعا لزيادة سعر صرفه، حيث إن الموارد الدولارية متعددة المصادر لا تكفي لمواجهة المطالب الدولارية المتعددة الأشكال.

فمشكلة العجز الدولاري في الجهاز المصرفي الذي يضم البنك المركزي والبنوك العاملة في البلاد على سبيل المثال، والتي بلغت 22.895 مليار دولار بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قد انخفضت بنحو 860 مليون دولار في الشهر التالي بعد الخفض الثاني الكبير لسعر الصرف. وواصلت الانخفاض في الشهر الأخير من العام المالي بنحو ملياري دولار، وهكذا فإن معدل الانخفاض البالغ 2.9 مليار دولار خلال شهرين، يعني في حالة استمرار بنفس المعدل الحاجة لعشرة أشهر عل الأقل حتى يسد الجهاز المصرفي الفجوة الدولارية، ويستطيع بعدها تلبية طلبات تدبير العملة للاستيراد وغيره.

والغريب أنه رغم تلك الضائقة الدولارية، فلم تتوقف الدولة المصرية عن استيراد مستلزمات استكمال العاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من المشروعات التي يراها غالبية المصريين ليست ذات أولوية، مثل مونوريل العاصمة الإدارية التي لم يسكنها أحد بعد، رغم وجود قطار كهربائي واصل إليها علاوة على خطوط أتوبيسات عامة، إلى جانب الاستمرار في التوسع بمشروعات الجيش، مثلما شهد المصريون في التاسع من الشهر الحالي افتتاح المرحلة الثانية من شركة غذائية تنتج البسكويت لكى تنتح الحلاوة الطحينية، رغم مخالفة ذلك لتعهد الحكومة المصرية لصندوق النقد الدولي بالحد من منافسة مشروعات الجيش للقطاع الخاص، حيث توجد العديد من مصانع البسكويت والحلاوة الطحينية التابعة للقطاع الخاص والتي لديها طاقات إنتاجية فائضة.

رغم تلك الضائقة الدولارية، فلم تتوقف الدولة المصرية عن استيراد مستلزمات استكمال العاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من المشروعات التي يراها غالبية المصريين ليست ذات أولوية، مثل مونوريل العاصمة الإدارية التي لم يسكنها أحد بعد، رغم وجود قطار كهربائي واصل إليها علاوة على خطوط أتوبيسات عامة، إلى جانب الاستمرار في التوسع بمشروعات الجيش

صورة استثمارية سلبية ومنافسة غير عادلة

لكن الغريب كما أُعلن مع المرحلة الثانية من مصانع سايلو فودز التابعة للجيش، أنه تم إنشاء مصنع للكرتون ووحدة للتعبئة خاصة بالشركة، بما يعني مزيدا من التكلفة الدولارية لاستيراد تلك الآلات، وهي المستلزمات التي كان من الممكن أن توفرها مصانع القطاع الخاص العاملة بنفس الأنشطة، ولو مؤقتا حتى تنتهي أزمة نقص الدولار.

وتكررت صور مخالفة الاتفاق مع الصندوق بالحد من منافسة مشروعات الجيش للقطاع الخاص، بالإعلان عن تخصيص أراضي صحراوية بعمق كيلومترين على جانبي 31 طريقا جديدا لصالح القوات المسلحة في الشهر الماضي، رغم تخصيص نفس المساحة لنفس الجهة على 21 طريقا أخرى عام 2016، وتأسيس شركة جديدة تابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربي للصيانة والتوريدات والحلول المتكاملة خلال الشهر الحالي.

ومع تلك القرارات المخالفة لوثيقة ملكية الدولة التي أعلن عنها بنهاية العام الماضي، ازدادت معدلات خروج المستثمرين الأجانب من البورصة المصرية، حيث تعطي صورة سلبية عن واقع المنافسة غير العادلة بالسوق، والتي واكبها خفض وكالة موديز تصنيف مصر إلى درجة غير استثمارية، الأمر الذي أبطأ من مشتريات الصناديق السيادية الخليجية لحصص من الشركات المصرية، رغم استمرار تلك المشتريات والتي كان آخرها استحواذ شركة أدنوك الإمارتية على 50 في المائة من شركة لمحطات توزيع الوقود، واستحواذ شركة المراعي السعودية على حصة بشركة لمنتجات الألبان والعصائر.

إلا أن الصفقات الخاصة بالصناديق السيادية الخليجية خاصة للسعودية وقطر ما زالت مُؤجلة، مع استمرار الخلاف حول عملة التعامل ونسب الاستحواذ المطلوبة، فمع طول فترة المفاوضات انخفض سعر الجنيه المصري أكثر من مرة، مما جعل البعض يطالب بالتعامل بالجنيه المصري مثلما حدث في صفقة شراء الصندوق السعودي للمصرف المتحد، وطلب الصندوق القطري شراء كامل الحصة المصرية البالغة نسبتها 45 في المائة بشركة فودافون مصر.

توقيت طرح الصكوك مؤشر لعمق الأزمة

ومع تأخر المشتريات الخليجية الرئيسية للأصول المصرية، لجأت الحكومة لطرح صكوك تمويل سيادية في الأسواق الخارجية مؤخرا بقيمة 1.5 مليار دولار، في نفس يوم استحقاق قسط سندات خارجية مطروحة منذ خمس سنوات، بقيمة 1.25 مليار دولار تصل بالفوائد إلى 1.631 مليار دولار، رغم ارتفاع أسعار الفائدة بالأسواق الدولية مما يجعل التوقيت غير مناسب للجوء للأسواق الدولية حاليا، الأمر الذي يكشف عن مدى الضائقة الدولارية، والتي رافقها طلب اتحاد الصناعات المصري مؤخرا من الحكومة لتوفير الدولار، لمواجهة أزمات تراجع معدلات الإفراج عن البضائع بالموانئ مرة أخرى، بعد تباطؤ البنوك في تدبير الدولار لهذا الغرض، والذي واكبته شكوى مصانع الأعلاف من بطء عمليات الإفراج عن مستلزمات الإنتاج، والتي تسبب تراجعها في ارتفاع أسعار الدواجن والبيض واللحوم والأسماك.

ويرى الكثيرون أن الأمور قد عادت إلى حالتها لما قبل تصريح رئس الوزراء المصري بانتهاء مشكلة تكدس البضائع بالموانئ الشهر الماضي، لكننا نرى منذ شهور أن أزمة نقص الدولار مستمرة لفترة أطول مما وعدت به الحكومة، ولن ترى تحسنا قبل الربع الأخير من العام الحالي وربما بعد ذلك، استنادا إلى أن المشكلة الحالية أعمق مما حدث عام 2016، والتي كانت قد استمرت لحوالي ستة أشهر حتى تمت تغطية العجز الدولاري في الجهاز المصرفي، مع تدفق الأموال الساخنة بكثرة وطرح سندات خارجية أكثر من مرة حينذاك، وهي موارد غير متاحة بنفس القدر هذه المرة.

وهذا علاوة على سعي الجنرال لاستكمال العاصمة الإدارية والمشروعات المرتبطة بها والتي كان مقررا افتتاحها منتصف عام 2020، وما يعنيه ذلك من ضغط على الواردات، وإعطاء الأولوية لتلك المشروعات في تدبير الدولار، على حساب سلع أخرى أكثر أهمية للمواطن مثل الخامات الدوائية والمستلزمات الطبية، والعديد من مستلزمات الإنتاج وغيرها من السلع، للحد من ارتفاع أسعارها المرتبط بنقص كمياتها إلى جانب أثر سعر الصرف على تكلفة استيرادها.

هل يكون الخفض الأخير للجنيه؟

توقع العديد من المحللين خفضا جديدا لسعر صرف الجنيه المصري إلى ما بين 35 و36 جنيها للدولار، لكن السؤال الأهم: هل سيكون ذلك هو الخفض الأخير؟ حيث كانت التوقعات خلال منتصف العام الماضي تدور حول عشرين جنيها للدولار، ثم ارتفعت بعدها في بعض الأشهر إلى 24 جنيها ثم إلى 30 جنيها، وها نحن نتحدث عن سعر أعلى متوقع خلال الربع الأول من العام

ولقد أدى ارتفاع أسعار الدواجن إلى استيراد دواجن من البرازيل، ونفس الأمر مع ارتفاع أسعار الأرز باستيراد كميات منه، رغم كونه سلعة محلية إنتاجها أكبر من حجم استهلاكها، كما يتسبب التدخل من خلال المؤسسات الحكومية بالبورصة لتعويض خروج الأجانب منها، إلى تدبير عملات أجنبية لخروج هؤلاء الأجانب بأموالهم من مصر مُحملة بالمكاسب، وكل ذلك يضغط على الكميات المتاحة من الدولارات.

وهذا في الوقت الذي لم ينجح فيه مشروع السماح للمصريين بإدخال سيارات خاصة، مقابل إيداع قيمة الجمارك والرسوم بالدولار لمدة خمس سنوات، وكذلك الحصيلة المحدودة لبيع الوحدات السكنية والأراضي للمصريين في الخارج، وتعثر مشروع وزارة الهجرة والمصريين في الخارج في إنشاء صندوق استثمار للمصريين في الخارج لجلب قدر من الدولارات، ولهذا تضمن تصريح لمسؤول كبير في وزارة المالية خلال تبريره لطرح الصكوك السيادية مؤخرا؛ بأنهم يدبرون المتطلبات الدولارية شهرا بشهر.

لكل تلك الأسباب السابقة توقع العديد من المحللين خفضا جديدا لسعر صرف الجنيه المصري إلى ما بين 35 و36 جنيها للدولار، لكن السؤال الأهم: هل سيكون ذلك هو الخفض الأخير؟ حيث كانت التوقعات خلال منتصف العام الماضي تدور حول عشرين جنيها للدولار، ثم ارتفعت بعدها في بعض الأشهر إلى 24 جنيها ثم إلى 30 جنيها، وها نحن نتحدث عن سعر أعلى متوقع خلال الربع الأول من العام، فماذا سيكون الحال إذا بنهاية العام؟

twitter.com/mamdouh_alwaly