تقارير

الناقد الفني جمال فياض: وسائل التواصل تخدع الفنان فيعيش نشوة النجاح الوهمي

هل يعتبر الفنان أن رأي الجمهور هو الفيصل في الحكم على أعماله الفنية؟
تتنوع ضروب الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات بتنوع مشاهديها، ويعد الفن جسرا متينا بين الفنان ومتلقي الفن، ولكل عمل فني جمهوره، يبدي رأيه به بالإعجاب والاستحسان أو العكس، وبطبيعة الحال رد فعل الجمهور ومدى تقبله للعمل أمر مهم، وينتظر كل فنان بفارغ الصبر للاستماع إلى آراء المشاهدين وتلقي الثناء المتوقع منهم.

إن عملية النقد الفني هي التي تعمل على تذوق الأعمال الفنية ومشاهدتها بعين الخبير ذو الثقافة الواسعة بالفنون والبيئة المحيطة بالفن، فلا يقل رأي الخبير أهمية عن رأي الجمهور، بل قد يكون أكثر أهمية، وذلك لأن العملية النقدية السليمة تتم بحيادية وبعيدا عن الاتجاهات الشخصية، أو التجارب الحياتية السابقة للناقد، بل تتم بناءً على معايير واضحة، ينطلق منها الناقد لتحليل العمل الفني وتذوقه ومعرفة عناصره وأهدافه، كما أن الناقد قد يكون حلقة وصل بين الفن وجمهوره، باستخدامه للألفاظ المناسبة واللغة الرزينة حينما يصيغ رأي الجمهور بالعمل.

ويؤكد على ذلك الناقد والصحفي اللبناني جمال فياض، حيث يرى أن الناقد الذي يبني نقده على حسابات شخصية فهو لا يعد ناقدا، بل هو دخيل على عالم النقد والفن، وهذه نقطة ضعف قاتلة.

التكنولوجيا وتقبل النقد
تطور التكنولوجيا الذي اجتاح العالم جلب معه الكثير من التغيرات على حياتنا، وأصبح التعبير عن الرأي أسهل ما يمكن من خلال الأزرار الافتراضية كـ "اللايك والشير"، وأصبحت خانة كتابة التعليق هي المساحة الحرة للمتابع، يمدح فيها أو يذم دون رقيب أو محاسب.

لكن، كيف يتصرف الفنانون اليوم تجاه هذه التعليقات؟ وهل يعتبر الفنان أن رأي الجمهور هو الفيصل في الحكم على أعماله الفنية؟ وهل أصبح رأي الناقد ثقيلا عليه؟

تضج وسائل الإعلام المصرية في هذه الأوقات بالخلاف بين الناقد الفني طارق الشناوي والمطرب مصطفى قمر، حيث تعرض الأول لهجوم شرس من الفنان ومحبيه على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة نقده لفيلم "أولاد حريم كريم" حيث وصفه الشناوي بأنه أحد أسوأ الأفلام التي شاهدها على الإطلاق.

ليقوم مصطفى قمر باتهامه بأن نقده مبني على ضغينة، ليرد الآخر بأنه لم يلتقِ به أبدًا في أي لقاء خاص، فكيف سيحمل ضغينة له؟

ويعلّق الناقد طارق الشناوي على هذا الخلاف بأنه لم ينقد شخصا بعينه بل قام بنقد عمل فني، وأضاف: "بالنظر عبر التاريخ، المطرب ينجح فيتعملله أفلام، مش يتعملله أفلام عشان ينجح!"

وأردف الشناوي في تصريحات إعلامية: "عندما يتراجع المطرب لن ينقذه أي فيلم".

انطلاقًا من ذلك قال الناقد الفني جمال فياض لـ"عربي21": "على الناقد أن يقول ما يراه ويعتبره صحيحا، وعلى الفنان أن يتقبل هذا الرأي ويعمل على الرد عليه بطريقة فنية، أو أن يظهر له معطياته الواضحة إن شعر بالظلم تجاه نقده، لكن لا يجوز أن يتهمه فورا بأنه ينتقم منه أو يسيء إليه، أو أن رأيه مبنيا على الحقد، فهذا الكلام لا يقال لناقد فني كبير ومخضرم كطارق الشناوي".

وأضاف: "الشناوي ليس مبتدئا لنتهم نقده بأنه مبني على مواقف شخصية وحسابات ضيقة، وأنا أدعو أي فنان لاحترام النقد، والعمل على تصحيح الأخطاء إن وجدت".

"التريند" وتدني مستوى الفن
تنتشر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر فأكثر، حتى تكاد تصبح المنصة الرئيسية لأي فنان، فيعرض عليها أعماله تارة ويحمّل جزءًا من حياته الشخصية تارة أخرى، يتفاعل مع جمهوره من خلالها، ويقرأ تعليقاتهم ليرى مدى استحسانهم لما يقدم.

ساهمت مواقع التواصل في نشر الفن ومساعدته على تخطي الحدود الجغرافية، لكن في الوقت ذاته فقد كان لها أثر واضح في تراجع مستوى الفنون بغية إرضاء الجمهور ورغبة في تصدّر "التريند".

وفي هذا السياق يقول الناقد جمال فياض في حديثه لـ"عربي21": "كان لوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الكبير في تدني مستوى الفن، وأصبح الفنان مخدوعا اليوم، فقد يتلقى العمل الفني الكثير من المديح العشوائي من قبل حسابات المعجبين، وذلك لأن المعجبين يحبون الفنان بغض النظر عما إذا كانت أعماله ناجحة أم فاشلة، وبناءً على هذه الآراء يعيش الفنان نشوة النجاح الوهمي، ولا يسعى لتحسين أي عمل فني له، ويستمر على أعماله الهابطة حتى ينفض عنه جمهوره ومعجبيه."

وأضاف: "إن وسائل التواصل الاجتماعي تعد أكبر خدعة للفنان لأنه يعتمد على التملق والمديح غير المبني على المعطيات الصحيحة، فيذهب الفنان ضحية "التريند" والسعي لنيل رضى المعجبين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعيش بين أحضان المواقع حتى يسقط، لأن تصديق الفنان لكل المديح الذي يتلقاه على المواقع يؤدي به إلى أن يخدع نفسه أولا قبل أن يخدعه الجمهور."

إن سهولة الاستماع إلى رأي الجمهور، وسهولة تحصيل المشاهدات السلبية أو الإيجابية على الأعمال الفنية، قد تؤدي بالفنان إلى الاهتمام برأي الجمهور فقط، فيعمل طاقم الفيلم أو الأغنية على إنتاج عمل يجذب الجمهور ويحقق نسب مشاهدات عالية وبالتالي يحقق أرباحا هائلة، وهذا قد يجعل رأي النقاد على الهامش.

ومن جهته قال فياض: "اعتقَدَ الفنانون أن باستطاعتهم الاستغناء عن الصحافة والنقد، والاكتفاء بنشر أخبارهم على وسائل التواصل وسماع نقد الجمهور، فلم يعد يهتم الفنان بعلاقته مع الصحفيين أو نقد النقاد."

وأضاف: "الحقيقة أن الخبر عندما يُنشر من قبل الفنان نفسه يصبح باهتا ولا قيمة له، لأن الأخبار التي ينشرها الصحفيون تنشر بالطريقة المناسبة التي تحلّي الخبر وتجمله وتعطي الزبدة منه، بينما ينشر الفنان تفاصيل لا ضرورة لها كنشاطاته اليومية وطريقة حياته، فأصبح هناك إسراف في أخبار الفنانين، حتى غدا خبر الفنان عاديا وغير مبهر للجمهور."

وعليه فإن الفنانين البعيدين عن التواصل الاجتماعي ما زال لهم حضورهم القوي بين جمهورهم.