ملفات وتقارير

"المستشفى قُصف".. كيف اغتال الاحتلال أمل مرضى السرطان الغزّيين في الشفاء؟

معاناة مرضى السرطان في غزة مريرة وقاسية لا تُشبه أي معاناة أخرى- إكس
"المستشفى الوحيد لعلاج السرطان في قطاع غزة توقف عن العمل بسبب نفاد الوقود".. بهذه الجملة المليئة بالألم واليأس، أعلن مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني، الأربعاء الماضي، عن توقف ذلك البصيص من الأمل الذي كان يحوم على صحة المرضى، ليُفتح باب المجهول للكثير من المرضى.

وقال مدير المستشفيات في قطاع غزة، محمد زقوت، إن "خروج المستشفى التركي عن الخدمة يعني أن مرضى السرطان لا يستطيعون التوجه إلى أي مستشفى آخر، لأن خدمة السرطان تحتاج لإمكانيات وتجهيزات خاصة وتحتاج إلى جهاز خاص لتحضير العلاج الكيماوي"، مبرزا أن هذا "يعني أن هذه الفئة من المرضى والذي يزيد عددهم على الـ10 آلاف مريض في قطاع غزة يتعرضون للموت السريع".



وفتح هذا الخبر فتيل لهب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رجّت مُختلف المنصات بجُملة من المنشورات، التي يُطالب أصحابها، المسؤولين في بلادهم، بالتدخل السريع لإنقاذ مرضى السرطان في غزة، مشيرين إلى أن "السرطان لا يعرف الحرب، ولا ينتظر".

لا تتركوا مرضى السرطان للموت
"نقول للعالم: لا تتركوا مرضى السرطان للموت المحقق بسبب خروج المستشفى عن الخدمة".. هكذا دعا مدير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، صبحي سكيك، في مؤتمر صحفي، المجتمع الدولي، إلى التدخل السريع لإنقاذ الآلاف من المرضى.



من جهتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن توقف العمل في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني المختص بمعالجة مرضى السرطان في قطاع غزة، عبر تدوينة على حساب المنظمة، شاركها وعلق عليها مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأربعاء، مطالبا بـ"تقديم دعم عاجل".

وأوضحت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، في بيان لها، "توقف مستشفى الصداقة التركي في قطاع غزة عن العمل، جراء قصفه من قبل قوات الاحتلال، ونفاد الوقود فيه بشكل كامل"، مؤكدة أنه بذلك "يرتفع إجمالي عدد المستشفيات المتوقفة عن العمل في القطاع إلى 16 من أصل 35".

وكانت قد أنشأت مستشفى الصداقة التركي (2011- 2017) الذي يعتبر من أكبر المشافي في فلسطين، والوحيد المختص في علاج مرضى السرطان في غزة، وتبلغ مساحته 34 ألفا و800 متر مربع، مُؤلف من ثلاثة طوابق، ويحتوي على 180 سريرا.

ما قبل الحرب وبعدها..
معاناة مرضى السرطان في غزة، مريرة وقاسية، لا تُشبه أي معاناة أخرى، على مر السنين الماضية، حيث كان هناك دوما نقص حاد في مُستلزمات العلاج، غير أن الأمل لم يكن يُفارقهم يوما، وكانوا يحلمون بيوم يعلن فيه السرطان استسلامه من أجسادهم؛ غير أن الحرب حين أتت، تفاقمت جروحهم أكثر، وبات الأمل في نجاتهم يتضاءل.



قبل الحرب، كان مرضى السرطان في غزة، يعانون من نقص حاد في الدواء وعدم توفر العلاج الإشعاعي، وعدم توفر إمكانات للطب النووي للتشخيص، فضلا على أنهم كانوا يتعرضون لمعاناة إضافية في ملف التحويلات الطبية، أي ما يتعلق أساسا بخروجهم بغرض تلقي العلاج في المستشفيات الفلسطينية في الضفة الغربية أو القدس، جرّا رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح لهم للتوجه للعلاج.

وكان المرضى أنفسهم، قبل الحرب، يطالبون بحقّهم في الحصول على أدوية في ظل نقصها وصعوبة تلقي العلاج بالخارج نتيجة الحصار الإسرائيلي، عبر لافتات كُتب عليها: "لا للحصار.. من حقي العلاج"، و"أنا مريض سرطان أستحق العلاج.. وفروا العلاج في المستشفيات".


وكان مدير عام مستشفى الصداقة التركي، صبحي سكيك، قد قال في مؤتمر، قبل أشهر من اندلاع الحرب، إن "مرضى السرطان في غزة يعانون من قلة الموارد والأدوية، وسبل العلاجات الأخرى"، موضحا أن "لدينا في المستشفى ما يزيد على التسعة آلاف مريض سرطان، فيما يزور العيادات الخارجية 450-500 مريض يوميا، ويرقد في المستشفى 70- 100 مريض.. يترتب علينا كم كبير من الواجب وأسس العلاج الأساسية غير متواجدة بالمستشفى".

وأكد أن "ما نسبته 40- 44 في المئة من المرضى الذين يتم تحويلهم لتلقي العلاج خارج قطاع غزة يتم رفض تحويلاتهم، من قبل الجانب الإسرائيلي؛ وأن 80 إلى 120 مريض سرطان في قطاع غزة، يموتون سنويا وهم ينتظرون الموعد لتلقي العلاج خارج مؤسسات الوزارة".



وتابع: "مريض السرطان يمكن له أن يُشفى، لو تلقى العلاج المناسب في الوقت المناسب، التأخير في ذلك والمماطلة تؤدي إلى تفشي المرض في جسده وتضاعف فرص الموت"، مطالبا العالم بـ"التحرك لتوفير العلاجات اللازمة لمرضى السرطان في غزة ولتمكينهم من حقهم في فرصة تلقي العلاج في الخارج".

وكان المرضى، قبل الحرب، يضطرون، بعد تشخيصهم بالسرطان، انتظار شهور طويلة قبل التمكن من الحصول على العلاج، ناهيك على ارتفاع تكاليفه؛ أما الحصول على تصريح من أجل تلقي الرعاية الصحية خارج غزة، فذاك كان عملية معقدة وصعبة، إذ أنه وفقا لمنظمة الصحة العالمية، كان يقدم كثير من المرضى أكثر من طلب قبل أن يتمكنوا من الخروج، والكثير منهم لم يكن يحصل على التصريح، رغم ذلك.

الحرب تُنشّط السرطان
ما قبل الحرب كان صعبا على مرضى السرطان في غزة، فما بالك بالوضع المزري الذي يُعايشه القطاع المحاصر، في ظل الأيام الراهنة؟ وقد كان مدير مستشفى الرنتيسي لسرطان الأطفال، محمد أبو سلمية، قد لفت إلى أنه "لا شك أن ما استخدمه الاحتلال من أسلحة فتاكة تحتوي على اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض والبارود وغيرها من المواد المشعة أدى إلى تنشيط الخلايا السرطانية لدى أهالي قطاع غزة".



وتابع: "هذا ما شهدناه بعد الحروب لاسيما الحرب الأخيرة عام 2014، حيث أصبحنا نستقبل الكثير من حالات الإصابة بالمرض شهرياً، خصوصاً من سكان المناطق الحدودية التي تعرضت لكميات كبيرة من الإشعاع"، مبرزا أنه "يتم اكتشاف ما يقارب المئة والعشرين حالة شهريا مصابة بالسرطان، حيث يعتبر سرطان الثدي الأكثر انتشارا بين النساء بنسبة 35%، وسرطان القولون عند الرجال بنسبة 19%".

وأكد محمد أبو سلمية، أنه "عقب الحرب الأخيرة تم رصد أنواع أخرى من السرطان في غزة، مثل سرطان الغدة الدرقية، فضلا عن زيادة انتشار سرطان البنكرياس والبروستاتا والدماغ والرئتين والرحم".

من يستجيب؟ 
من بين من لبوا نداء الاستغاثة لآلاف المرضى بالسرطان، في قطاع غزة، تركيا ومصر، حيث قال وزير الصحة التركي، فخر الدين قوجة، الأحد الماضي، إن الدولتين اتفقتا على إرسال نحو 1000 من مرضى السرطان، وغيرهم من المدنيين المصابين الذين يحتاجون لرعاية عاجلة في غزة، إلى تركيا لتلقي العلاج، مؤكدا أن "العمل جار للتخطيط لهذه الخطوة".

وكان الوزير التركي، قد قال يوم الخميس الماضي، إن "أنقرة مستعدة لاستقبال مرضى السرطان من مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني في غزة، وهو المستشفى الوحيد لعلاج السرطان في القطاع والذي خرج عن الخدمة بعد نفاد الوقود الأسبوع الماضي".

من جهتها، كانت الإمارات، قد أعلنت، الثلاثاء الماضي، أنها تود علاج 1000 طفل فلسطيني من غزة؛ فيما قال مدير مركز الملك حسين لعلاج مرضى السرطان في عمان، عاصم منصور، إن "السلطات الأردنية وافقت على استقبال 41 طفلا من غزة للعلاج في الأردن، خلال الأيام القليلة المقبلة". 

احتياجات متواصلة..
بالنظر إلى عدد مرضى السرطان في القطاع، ممّن تقطّعت بهم السُبل، وباتوا في حاجة ماسّة للعلاج، فإن عددهم يناهز الـ10 آلاف مريض، وفقا لمدير المستشفيات في غزة؛ فيما مجموع من سيتم مساعدته من طرف كل من مصر والأردن وتركيا والإمارات، مُجتمعين، هو 2041 مريضا.

إلى ذلك، رصدت "عربي21" عددا من الوقفات الاحتجاجية، المطالبة بمد يد العون لمرضى السرطان في القطاع المحاصر، من بينها وقفة تم تنظيمها من طرف مئات الموظفين والمرضى من مركز الملك حسين لعلاج مرضى السرطان، في العاصمة الأردنية عمان.


ورفع المحتجون، أعلام فلسطين وعددا من اللافتات تعبيرا عن دعمهم لكل من المرضى والعاملين في القطاع الصحي، في قطاع غزة المحاصر، مبرزين الوضع المأساوي واللاإنساني الذي تجرعوا مرارته طيلة الـ36 يوما، حيث لم يرحم القصف الهمجي للاحتلال الإسرائيلي لا حجرا ولا بشرا.


وأوضح مدير مركز الحسين للسرطان، عاصم منصور، خلال الوقفة الاحتجاجية نفسها، أن "الجانب الأردني أنهى جميع الموافقات الخاصة بأطفال غزة المصابين بالسرطان، الذين سوف يتوافدون للأردن للعلاج" مشيرا إلى أنه "تم قبول 41 مريضا من غزة للعلاج في المركز، يُتوقّع أن يصلوا إلى الأردن، خلال الأسابيع المقبلة".


وفي الوقت الذي أشار فيه منصور إلى أن "المركز بانتظار وصول أول سبعة أطفال، حالتهم حرجة، خلال الأيام المقبلة، لتقديم جميع الخدمات التي يحتاجونها"؛ فقد تحدثت الطفلة الغزية، زينة، وهي مريضة بسرطان الدم، في مداخلة لها خلال الوقفة، عن الألم والمعاناة التي يعانيها أكثر من 9000 مريض في غزة، حيث إنهم لم يتلقوا العلاج اللازم قبل الحرب، وزادت أوضاعهم سوءا بعد أن قصف الاحتلال المستشفى الوحيد الذي يقدم لهم الرعاية".