ملفات وتقارير

كيف يتضامن المصريون مع الحرب الجارية في قطاع غزة؟ (شاهد)

يتضامن المصريون مع المجازر في قطاع غزة بأشكال عدة- تويتر
لا تكاد تسير في الشوارع المصرية دون أن تجد لمحة من التعاطف مع مأساة الشعب الفلسطيني وبالتحديد ما يجري في قطاع غزة.

ورصدت "عربي21"، بعض مظاهر التعاطف مع غزة التي اتخذت أشكالا مختلفة، ورصدت موقف المصريين لما يجري من مجازر دموية في قطاع غزة، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

"على السيارات وفوق المنازل"
ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة اتخذ المصريون العديد من أشكال التضامن كرفع العلم الفلسطيني في كل مكان، إلى جانب خريطة الدولة العربية المحتلة منذ العام 1948، والكوفية، والشال الفلسطينيين، و وضعها فوق منازلهم كما أنهم يزينون بها محالهم التجارية. وقد خط اسم فلسطين فوق زجاج سياراتهم، وعلى وسيلة الركوب المنتشرة في المناطق الشعبية والريف المصري "التوك توك".

وهو ما حرص نشطاء على نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنها وسيلة للتعبير عن ‌ تضامنهم مع قطاع غزة 








‌مركزية القضية الفلسطينية 
وتعد "المقاطعة"، عنوانا رئيسيا في حديث المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الشوارع، وكذلك في حديث الأمهات مع أطفالهن كل صباح. 

 وفتحت المدارس المجال أمام تلاميذها للتعبير عن أهمية ومركزية القضية الفلسطينية، من خلال رسم علم وخريطة فلسطين، وتعليقها في الفصول والبيوت.

علي وتوفيق، تلميذان في الصف السادس الإبتدائي الأزهري، يحرصان في صباح كل يوم ثلاثاء، ومنذ معركة "طوفان الأقصى"، الشهر الماضي على إلقاء كلمة دعم لفلسطين، أو قصيدة تضامن مع غزة، بمساعدة أسرتيهما ومدرس النشاط بالمعهد الديني، وفق حديثهما لـ "عربي21". 

ويقول علي: "لا تمر حصة من حصص الرسم إلا ونتدرب على رسم العلم والخريطة الفلسطينية، وأغلب حصص اللغة العربية والقرآن الكريم، ليس لنا حديث مع المدرسين إلا عن فلسطين"، مضيفا أن "لي رسمة عن فلسطين في كل حجرة من بيتنا".

أما الحاجة صفاء، الخمسينية المصرية المقيمة في أوروبا، فتقضي أجازتها السنوية في القاهرة، وبينما تختار حفيدتها "هندة"، نوعا من البطاطس من السوبر ماركت من إنتاج شركة عالمية تدعم الكيان المحتل، فإنها نهرتها بصوت عال قائلة: "هندة، مقاطعة مقاطعة"، لترد الطفلة ذات الأعوام الأربعة بإلقاء الكيس، والتراجع عن رغبتها في الشراء.

تقول جدة هندة، لـ"عربي21": "لا بد أن نزرع في أبنائنا مقاطعة كل من يقتل إخواننا في غزة".

"لا فرح مع ألم غزة"
من جانب آخر، شهدت مصر تراجعا في نسب إقامة حفلات الزفاف بصورتها الصاخبة كما كانت قبل الأحداث الجارية في غزة، وفي حال إقامتها يحرص المحتفلون على إدخال الأغاني التي تدعم غزة. 

كما أن بعض الأفراح المصرية تحولت إلى مظاهرة في حب فلسطين، حيث نشر البرلماني المصري السابق طلعت خليل، مقطعا مصورا من حفل زفاف نجله، يغني فيه العروسان والحضور أغنية أنا "دمي فلسطيني".

‌وأكد خليل، عبر صفحته على "فيسبوك"، أنه في ضوء الحرب على غزة لم يستطيع تأجيل الحفل .



وأعرب العديد من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضهم الاحتفاء بعيد ميلادهم، في ظل المجازر الدامية التي استشهد على اثرها أكثر من 12 ألف فلسطيني، وتسببت في إصابة أكثر من 25 ألفا.

دكتور (جهاد. م)، والصحفي (محمود. ر)، توافق عيد ميلاديهما يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وأعلن كليهما لـ"عربي21"، رفضهما الاحتفال بعيد ميلاديهما وأهل غزة ترتكب بحقهم أبشع المجازر.

"امتداد ومنزلة مقدسة"
وتقول الكاتبة الصحفية المصرية مي عزام، إن "فلسطين هي بوابة مصر الشرقية، وحمايتها حماية لمصر، وهذا ما ترسخ في العقل الجمعي المصري، أنها امتداد لأمننا القومي".

وفي حديثها لـ"عربي21"، تضيف: "فلسطين هي منزلة مقدسة بالنسبة لمسيحيي مصر، كونها مولد المسيح، ويحجون إليها، وبالنسبة للمسلمين فإن لها مكانة خاصة، لوجود المسجد الأقصى (في مدينة القدس المحتلة)".

وتعتقد عزام، أيضا، أن "ما تعاني منه فلسطين بسبب الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة (عام 1948)، وحتى الآن، يجعل هناك تعاطفا معها، وخاصة أن دولة الاحتلال هي نفسها الدولة التي تعادي مصر، (الجارة الغربية لفلسطين)".

وتشير، الكاتبة الصحفية، إلى أنه كان بيننا في مصر وبين الاحتلال "حروب مات فيها أبناء مصر في أعوام 1956، و1967، و1973 (العدوان الثلاثي، وهزيمة يونيو، وانتصار أكتوبر.. على التوالي)".

وتختم عزام، بقولها: "ولا ننسى قصيدة (لا تصالح)، التي تحثنا على أنه لا سلام مع دولة بيننا وبينها دم، وثأر، وإرث من الكراهية".

وهي هنا تشير إلى قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل، التي تقول بعض كلماتها: "لا تصالحْ.. ولو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟".

"بكل غداة فلسطين"
وفي رؤيته، يقول الأكاديمي المصري محمد أحمد عزب: "ترتبط مصر بفلسطين برباط لم ينقطع طول التاريخ، ففلسطين هي جزء من التاريخ المصري على مداره الممتد، وتمثل فلسطين لمصر عمقا وتاريخا تليدا".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يضيف: "يلحظ كل متابع مدى شغف المصريين بالمقدسات، والمسجد الأقصى لا تقل مكانته في نفوس المصريين عن مكانة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة، ودائما تهفو نفوسهم إليه حين يأتي ذكره بينهم".

ويؤكد أن "للمصريين في الشوق للمسجد الأقصى وقفات عديدة، فما بين الدعاء وما بين الحديث تأتي مناسبات دينية يذكر فيها الخطباء بالمسجد التليد، كتحويل القبلة، وحادثة الإسراء، إذ يمثلان مناسبات لا يتخلى المصريون عن الاحتفال بها، والتذكير بمسرى الرسول صلوات الله عليه".

ويرى أنه "من هنا تكون في الضمير الجمعي للمصرين علاقة بفلسطين البلد والتاريخ، فهي الامتداد الجغرافي الطبيعي لصحراء سيناء، وهي معهم دائما مع كل آية قرآنية يذكر فيها أنبياء الله، كموسى عليه السلام، وعيسى، ويوسف، وإخوته، ويعقوب، وإسحاق عليهم السلام".

ويقول عزب، إن "المصريين كأنهم يصبحون كل غداة على شيء يذكرهم بفلسطين، ويجعل العقل الجمعي لديهم مشتاقا إليها وهم يتلون القرآن ويتدارسونه في خلواتهم وجلواتهم".

ويشير إلى أن "فلسطين ارتبطت بأمجاد مصر التي تزهو بها دائما في العصر الإسلامي، من بداية حكم مصر لها بالعصر الفاطمي، ثم انطلاق جيوش تحريرها من الصليبيين منها على يد صلاح الدين في حطين، ثم جيش قطز وبيبرس في المعركة التاريخية عين جالوت".

"ثم إن (نصر أكتوبر)، ذاته دائما يرتبط في حس المصريين بأنه نصر جزئي له تكملة ستكون بتحرير فلسطين من الكيان الجاثم على أرضها، وهي دعوات الخطباء، وأماني العامة".

ويختم بالقول: "فلسطين جزء لا يتجزأ من الواقع المصري، قد تغيب قليلا، لكنها لا تموت أبدا، لا بين الشيوخ ولا الشباب، وهذا يفسر ذاك الانشغال الذي انشغل به المصريون مع الأحداث الجارية، والإرهاب الممنهج تحت الغطاء الدولي لقتل الشيوخ والأطفال في غزة على يد الكيان الغاصب".

لكن، وبعيدا عن حديث النخبة في حب فلسطين، يظل السؤال حاضرا عن أسباب حب بسطاء المصريين لها، ودعمهم لغزة وألمهم لما يجري لأهلها من مجازر.

تقول السيدة نجلاء، البالغة من العمر (47 عاما)، في حديثها لـ"عربي21": "غزة أيقظت ضمائرنا، كنا نعيش في مصر على وقع أزمات الأسعار والغلاء وصعوبة الحياة والحرب اليومية على أكل العيش، ولكن غزة سرقت تعاطفنا وحبنا واهتمامنا وأنستنا أزماتنا، حتى إن البيوت لم تعد تشاهد نفس برامج التليفزيون وغادر الكثيرون قنوات المسلسلات".