اقتصاد عربي

تغول خليجي التهم رؤوس أموالهم.. 2023 عام هروب رجال الأعمال من مصر

باعت شركات مصرية كبرى في 2023 أصولها نظرا لقوانين السوق المحلية- الأناضول

ينتهي العام 2023 بكل ما فيه من أحداث اقتصادية محلية وعربية ودولية أثرت على حياة أكثر من 105 ملايين مصري بشكل مباشر وغير مباشر وتفاعلوا معها، ما يستدعي معه النظر إلى حصاد الكثير من الملفات الاقتصادية بينها ما يخص رجال المال والأعمال في العام المنصرم.

وبحسب مراقبين فإنه غلب على العام 2023، في مصر تقلص أعمال بعض كبار رجال الأعمال المصريين في مقابل تعاظم أدوار وأعمال واستحواذات رجال الأعمال العرب والخليجيين والشركات الأجنبية، في البلد العربي الأكثر سكانا.

وهو ما نتج عنه هروب بعض كبار رجال الأعمال باستثماراتهم من مصر والهجرة بها إلى دول أخرى بينها السعودية والإمارات، وذلك إلى جانب تسجيل العديد من الشركات المصرية في دول أجنبية وفقا لنظام الأوفشور أو نظام الملاذات الضريبة.

وذلك في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري، من أزمات هيكلية خطيرة ومزمنة، وسط غرق بأزمة الديون البالغة أكثر من 165 مليار دولار، وحلول آجال الكثير من الفوائد والأقساط، وسط تفاقم معدلات التضخم والفقر.
 
"عائلة ساويرس"
المثال الأكثر حضورا هنا، هو تقليص أعمال عائلة "ساويرس" في مصر، وتخارج بعض استثماراتها إلى بلدان أخرى، رغم أنها عائلة تأتي بالمرتبة الأولى كأغنى أغنياء قارة أفريقيا، بصافي ثروة إجمالية قدرها 12.9 مليار دولار،  وفقا لتصنيف فوربس لعام 2022.

وفي 2 أيار/ مايو الماضي، انتقد سميح ساويرس (66 سنة)، رئيس "أوراسكوم للفنادق والتنمية"، الوضع الاقتصادي لمصر، معلنا توقفه تماما عن الاستثمار فيها، في ظل "صعوبة دراسة جدوى المشروعات بسبب تباين سعر صرف الجنيه المصري"، و"تدهور الوضع الاقتصادي"، و"عدم استقرار الإنتاج، والاستيراد".

وأكد أنه في المقابل سيستثمر أمواله في السعودية بمشاريع على الأغلب سياحية بمنطقة "نيوم" التي يدشنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كمشروع سياحي عالمي، قائلا: "الاستثمار في السعودية هو المستقبل".

ورغم أنه في تموز/ يوليو 2022، أثير الحديث عن تركيز ناصيف ساويرس استثماراته في قطاع السياحة بسويسرا، وكشف نجيب، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام، نيته الاستثمار بمحطات شحن السيارات الكهربائية بالمغرب ودول أفريقيا، إلا أن العام 2023 شهد الحديث عن انتقال للخارج هو الأكبر للعائلة صاحبة الأعمال الواسعة والحيوية بقطاعات مصرية عديدة.

وفي 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أعلن ناصيف ساويرس، عن نقل مقر المجموعة الأم (NNS) إلى سوق أبوظبي العالمي بالعاصمة الإماراتية، للحصول على حصص كبيرة بعدد كبير من الشركات، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، ما اعتبره مراقبون، هروبا كبيرا من العائلة الأغنى مصريا من السوق المحلية.

"عائلة منصور"


وفي انتقال مثير للأموال والعملات الصعبة رغم حاجة البلاد لها، تعاظم حضور رجال أعمال مصريين في بلدان أخرى، مع زيادة توطين استثماراتهم خارج مصر، بل وتعزيز انتماءاتهم السياسية الجديدة في بلدان أخرى، خلال العام 2023، وما سبقه.

‌ذلك الأمر يمثله وزير النقل الأسبق بعهد الرئيس الراحل حسني مبارك، الملياردير محمد منصور، الذي تأتي عائلته بالمرتبة الثالثة كأغنى الأسر العربية بصافي ثروة بلغ 5.1 مليار دولار، وفق تصنيف "فوربس".
 
منصور الذي يدير "مجموعة منصور" التي أسسها والده لطفي عام 1952 ويعمل فيها 60 ألف موظف، ويمتلك وحده 2.5 مليار دولار؛ منح أكبر تبرع بتاريخ حزب "المحافظين" البريطاني في عقدين، بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني (6.2 مليون دولار)، وفق تأكيد صحيفة "تليغراف"، في أيار/ مايو الماضي.

ورغم أن عائلة منصور من أكبر داعمي النادي الأهلي المصري، إلا أن محمد منصور وجه استثماراته بمجال الرياضة للدوري الأمريكي، حيث اشترت شركته "مان كابيتال" رخصة بدوري النخبة الأمريكي لكرة القدم، بمدينة سان دييغو، مقابل 500 مليون دولار.

وذلك ما قابله استقالة رجل الأعمال ياسين منصور، من إدارة شركة النادي الأهلي للكرة في آب/ أغسطس الماضي.

هروب مقنن لـ"النساجون" و"دومتي"
وفي 2023، واصلت شركات مصرية كبرى عمليات التسجيل والبيع لبعض أصولها بالخارج، هربا من أوضاع وقوانين السوق المحلية، واحتماء بقوانين وأسواق دولية أخرى، في إجراء قانوني تقره جهات حكومة مصرية، يمنح تلك الشركات الحق في نقل أرباحها بالدولار للخارج دون مساءلة.

وقبل بداية العام بنحو 6 أيام، وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر 2022، أعلنت شركة "النساجون الشرقيون" عن عمليات بيع صوري لملكية "24.61 بالمئة" من أسهمها لشركة إنجليزية، وفقا لنظام "الأوفشور"، الرائج في: سويسرا، وكندا، وجزر كايمان، وجزر العذراء البريطانية، وإيرلندا، وبنما، وجزر كو"، وأسكتلندا، والمملكة المتحدة.

وبنفس الطريقة، وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، باعت شركة "دومتي" إحدى أكبر منتجي العصائر والألبان بمصر حصص عائلة الدماطي المؤسسة للشركة، لأخرى مسجلة ومملوكة للعائلة بجزر "الكايمان" الواقعة غرب "البحر الكاريبي".

"تغول خليجي"


وعلى الجانب الآخر، تتعاظم أدوار الشركات وصناديق الاستثمار العربية والخليجية والأجنبية في البلاد، حيث يبلغ حجم استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر 35 مليار دولار، وفقا لتصريح رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري بندر العامري، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وكان آخر ما تم الإعلان عنه، من استثمارات سعودية، هو ضخ شركة "فاس للاستثمار والتطوير العقاري"، التابعة لمجموعة "فواز الحكير" السعودية استثمارات بـ 1.5 مليار دولار في مصر خلال 2024، بقطاعات الطاقة والعقارات والبنية التحتية.

وبنفس الطريقة تتواصل الاتفاقيات الإماراتية مع مصر لإدارة موانئها البحرية على البحرين الأحمر والمتوسط، ما يثير مخاوف مراقبين من سيطرة الدولة العربية الخليجية صاحبة التوجهات التوسعية على القطاع الاستراتيجي والحيوي في مصر.


وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وافق مجلس النواب المصري، على مشروع قانون يمنح مجموعة "أبوظبي للموانئ"، التزام بناء وتطوير وإعادة تسليم محطة متعددة اﻷغراض بميناء سفاجا البحري، مع إدارتها وتشغيلها وصيانتها، لمدة 30 عاما، وذلك عبر شركة "سفاجا لتشغيل المحطات" التي تستحوذ الشركة الإماراتية على النصيب الأكبر بها.
 
وفي آذار/ مارس الماضي، وقعت "موانئ أبوظبي" 5 اتفاقيات تشمل موانئ مصرية تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، بينها امتياز لتطوير وتشغيل ميناء سفاجا، واتفاقيتين لإنشاء محطتين بميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت، وتعزيز القدرات اللوجستية بموانئ العين السخنة والغردقة وشرم الشيخ. 

‌وفي السياق، كشف تسريب لعضو لجنة المستوردين في اتحاد الغرف التجارية المصرية أحمد شيحة، عن تغول وتلاعب شركات عربية وخليجية في السوق المصري لصناعة الدواجن، وممارسة الاحتكار، ورفع الأسعار، والتسبب في خسارة المنتجين الوطنيين وخروجهم من الصناعة.

وقبل نحو أسبوعين قال شيحة، إن قطاع الدجاج يخضع لسيطرة "لصوص خليجيين"، بحسب قوله، واصفا ممارساتهم بأنها "تفوق اليهود"، ومؤكدا أن تلك الشركات تستحوذ على نسبة 100 بالمئة من مستلزمات هذه الصناعة، وأن هناك 8 "براندات" تابعة لها، مبينا أن سياساتهم الاحتكارية تؤثر على المصريين.

"ولدت من رحم الإقطاع"

وعن حصاد رجال المال والأعمال المصريين والخليجيين والأجانب في مصر في 2023، وحول ما يثار عن التغول الخليجي والأجنبي، وما يقابله من تقلص لأعمال وهروب رجال أعمال مصريين، تحدث الباحث والخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد البهائي، راصدا السبب في هذه الحالة، و خسارة الاقتصاد الوطني منها، وكيفية تلافيها؟

البهائي قال لـ"عربي21" إنه "من المعروف أن اقتصادات الدول التي كانت خاضعة للاستعمار ومنها مصر  لا يكون عادة نتاج تطور طبيعي لأنماط الإنتاج المعروفة، إنما يكون نتاجا لمؤثرات خارجية هي مؤثرات الاستعمار".

وأضاف أنه "بالتالي فإن الطبقات التي تفرزها تكون مختلفة في تكوينها وتركيبها وعلاقتها الإنتاجية عن مثيلاتها ببلاد لم تخضع للاستعمار، مثال ذلك البلاد الأوروبية". 

وأكد أن "الرأسمالية المصرية لم تنبع من بين أدنى الطبقات كما حدث بالرأسمالية الغربية، بل ولدت من رحم الإقطاع، ليس ذلك فقط بل نشأت وترعرعت في ظل السيطرة الأجنبية الاحتكارية الاقتصادية، التي نجحت بامتلاك الخبرات الفنية والصناعية وتتحكم فيها".

وتابع: "إنها جعلت الرأسمالية المصرية تابعة، وبحاجة لها دائما في إطار التعاون المشروط والضروري والحتمي بينهما الذي ينصب في نهايته لصالح المحتكر".

وخلص إلى القول: "ومن هنا فأغلب رجال الأعمال المصريين ينحدرون من أصول إقطاعية (البورجوازية القديمة)، والباقي منهم وليد الانفتاح الاقتصادي والبورجوازية الإدارية (البورجوازية الجديدة)، وهؤلاء في مجموعهم تحت السيطرة الاحتكارية الأجنبية".

"تبادل أدوار"

وأضاف: "ما يحدث من تخارج لهم ما هو إلا تبادل للأدوار ليأتي دور الاحتكار الكبير، تمهيدا لعودتهم مرة أخرى في الاقتصاد المصري بصورة احتكار كلي"، ملمحا إلى أن "ما يثير الدهشة أن أغلب رجال الأعمال المصريين الذين هربوا من مصر ذهبوا إلى دول رجال الأعمال الذين أتوا مصر تحت ما يسمى (استثمار)".

ويرى أنه "من الأصح القول إنهم أتوا إلى (الاحتكار) في مصر وليس الاستثمار، وخير دليل تصميم تلك الدول على إصدار قوانين مخالفة للدستور المصري لحماية استثماراتهم الاحتكارية، وما يحدث ليس وليد 2023، فمنذ مطلع 2012، وحتى الآن ومصر يغزوها الاستحواذ الاحتكاري المتوحش (الترستات) مما يضع علامات استفهام بكل الألوان".

وأكد أن "منها استحواذ: (فرانس تليكوم) على (موبينيل)، و(جلف كابيتال) على (هايدلينا)، و(كيو انفست) على (هيرمس)، و(بنك (QNB على بنكNSGB) )، وبنك (دبي الوطني) على بنك(Paribas)، واندماج (أبراج كابيتال) و(معامل المختبر)، *واستحواذ (كيللوج) على (بسكو مصر)، *و(الفطيم) على (مترو وخير زمان)"، و"(أدنوك) على حصة في (وطنية) للبترول و(صافي) للمياه المعدنية، و(أبوظبي القابضة) على (آمون للأدوية)، و(الدار) الإماراتية على (سوديك)، وبنك (أبوظبي الأول) على بنك (عودة)، و(أبراج الإمارات) بشكل كبير على القطاع الصحي في مصر، و(تحالف الإماراتية) على مجموعة فنادق مصر".

وقال البهائي إنه "بنظرة سريعة لأغلب عمليات الاستحواذ نجد أن ملكية أسهم الملاك والمساهمين بالشركة المستحوذ عليها انتقلت بالكامل للشركة الجديدة، بالإضافة للأصول والموجودات، أي انتهاء وجود الشركة المستحوذ عليها نهائيا".

 
"خسارة في وجودهم وغيابهم"
ويعتقد البهائي أن "خسارة الاقتصاد ليس في هروب هؤلاء خارج مصر ، فحتى وجودهم كان خسارة للاقتصاد المصري، حيث كانت جل أعمالهم بعيدة تماما عن الاستثمار بالقطاع الصناعي، وكانت منحصرة بالقطاع الخدمي الذي يستنفذ دخول الأفراد ومدخراتهم دون أن تعود بعائد على الدولة حيث الأرباح تخرج خارج البلاد نتيجة عيوب في قوانين الاستثمار تلك القوانين التي ما زال المحتكر الجديد يعتمد عليها".

ولفت إلى أن "الخسارة الحقيقية في المستحوذ الجديد الذي استغل ما تمر به مصر من أزمة اقتصادية ليضغط وليستحوذ على مشروعاتهم ويضع يده على مشروعات ومؤسسات قطاعية حيوية تعتبر هامة، وفي غاية الأهمية، حيث تمثل مفاصل اقتصاد الدولة لتجعلنا نقول كلها صفقات احتكارية تضر بالأمن القومي المصري".
 
وأشار إلى أن "دول العالم المختلفة الغنية والفقيرة على السواء تتسابق على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، فليس هناك دولة لا ترغب بتعزيز قدراتها الإنتاجية والإسراع بمعدلات نموها بالعالم، ومع ذلك فجذب الاستثمارات لابد أن يكون محكوما بما هو صالح للحفاظ على مقدرات وثروات الوطن".

وقال إنه "إذا كانت سياسة الحكومة المصرية الآن هي: لا صوت يعلو فوق صوت الاستثمارات الأجنبية، باعتبارها المنقذ الوحيد للاقتصاد، فلابد وأن نذكرها بتجربة العقود الماضية وباستثماراتها الوهمية الأليمة، والتي لا يمكن أن تمت للتنمية بأى صلة ولا تدخل تحت بند الاستثمارات".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع